حقيقة قسم «الجزائري المجهول» في مقبرة الجزائر العاصمة
4 مارس، 2022
يونس جنوحي
أجواء عصيبة عاشتها أسرة المناضل سمير فزاني، وهي تبحث عنه بعد أن فُقد أثره تماما عندما زار أبناء عمومته في حي شعبي وقرر الخروج إلى الشارع مع تمام العاشرة ليلا يوم 30 أكتوبر مباشرة بعد خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة ذكرى انطلاق حركة تحرير الجزائر والتي يتم تخليدها كل فاتح نونبر.
قامت فرقة من الجيش باعتقال الشاب رغم أنه لم يخرق حالة الطوارئ وحظر التجوال وقضى ساعات عصيبة في محجز الثكنة العسكرية قبل أن يُسلم إلى الكوميسارية، وهناك تم إخبار أسرته أنه سوف يتم إطلاق سراحه بعد توقيع محضر بالواقعة. بل وأكد لهم الشرطي المناوب أن الشاب موجود عنده وناداه وسمعت الأسرة صوتا يرد بالإيجاب. لكن الأسرة فوجئت، بعد ثلاثة أيام طويلة من الانتظار، بتغير موقف الشرطة، حيث أنكر شرطيو الكوميسارية وجود الشاب عندهم طيلة تلك المدة.
فص ملح..
الواقعة كلها كانت محيرة، وبدا واضحا أن نهاية الشاب كانت في تلك الكوميسارية، ولا بد أنه أيضا تعرض للتعذيب.
لكن المثير أن أبناء عم المناضل الديموقراطي لم يهضموا تلك الإهانة التي تلقوها من عنصر شرطة على باب الكوميسارية، ودخلوا معه في مشادة كلامية، حيث كانوا يصيحون ويخبرونه أن الكوميسارية نفسها كانت تؤكد لهم طيلة ثلاثة أيام بلياليها أن الشاب محتجز لديها وأنها سوف تطلق سراحه فور إنجاز محضر بالواقعة وتوقيعه، ليفاجؤوا بانقلاب موقف الشرطي المناوب. وبينما كانوا في غمرة النقاش الحاد والتهديد حيث تعرضوا لإهانات كما لو أنهم مجرمون، تدخل شرطي بالزي المدني، بدا واضحا أنه من مصالح المخابرات، وصاح في الإخوة، كما يحكي هشام عبود هنا:
-هيا، اذهبوا وابحثوا عنه في مستوع الأموات «بولوغين» إن كان هناك.
لم يصدق أفراد الأسرة آذانهم. فهموا بسرعة أن الأمر لم يعد يتعلق أبدا باحتجاز غير قانوني أو تهمة ثقيلة قد تتعلق بتقديم المساعدة للمتطرفين أو إيوائهم. الأمر أصبح يتعلق بوفاة قد تكون تحت التعذيب.
لم يعد الأمر يتعلق، إذن، بـ«فص ملح وذاب» كما يقول المثل. أصبح لدى الأسرة خيط يقودهم إلى معرفة مصير جثمان الشاب، لكن هل سيقودهم إلى معرفة الطريقة التي مات بها؟
يقول هشام عبود إن الأسرة وجدت فعلا اسم الشاب فزاني في مستودع الأموات، لكن الكارثة أنهم عندما تسلموا الجثة، رأوا آثار رصاصة قاتلة كانت هي سبب الوفاة. لماذا أطلق عليه الرصاص؟
ناضلت الأسرة كثيرا لكي تحصل على جواب، لكن تم إخبارهم بأن الشاب مات لأنه «إرهابي». ودخلوا في معركة حامية للحصول على براءة الشاب من تهمة الإرهاب، وكان الأمر صادما للعائلة وأصدقاء الراحل، لأنهم كانوا يعرفون جيدا أنه لم يكن مرتبطا نهائيا بأي جماعة متطرفة لا من قريب ولا من بعيد.
وكانت صدمتهم كبيرة جدا، كما يشرح هشام عبود، إذ إن السلطات دفنت جثمانه في مقبرة «العالية» بالجزائر العاصمة، في جناح يعرف بـ«الجزائري X». أي الجزائري المجهول دون إشارة إلى اسمه على شاهد القبر. وكان ذلك الجناح في المقبرة مخصصا حصريا للذين اتُهموا بالإرهاب.
مع توالي الأحداث وتكرر حالات مشابهة، فهم الجزائريون أن الدخول في مشادة مع العسكريين في الشارع أو رفض الامتثال لأوامر شرطي «نزق» يحس بأنه فوق القانون، قد يكلف المواطن الجزائري حياته بكل سهولة، ويدفن في مقبرة المتهمين بالإرهاب بدون شاهد قبر ولا زيارة من العائلة.
يقول هشام عبود إن بعض أفراد الشرطة والعسكر كانوا يلجؤون إلى تعاطي المخدرات القوية قبل المشاركة في هذا النوع من العمليات، لأنهم كانوا عاجزين عن تنفيذ تعليمات قتل المدنيين الأبرياء وهم في وعيهم. هذه المعلومة قدمها هشام عبود في هذه المذكرات مؤكدا أنها موثوقة جدا، وأن بعض عناصر الأمن والجيش أصبحوا مدمنين بسبب استهلاك المخدرات القوية. عدم تنفيذ تعليمات تتعلق بإطلاق الرصاص على المدنيين، يعني الانتقام من العسكري الذي رفض التنفيذ. وهكذا تحول الجزائريون بسبب الجنرالات إلى أناس يستهلكون بعضهم كما لو أن الأمر يتعلق بدورة غذائية مُحكمة.