حقيقة التستر على الاستغلال الجنسي داخل الكنائس
سهيلة التاور
لطالما طالت اتهامات بالتحرش الجنسي والاغتصاب في حق الأطفال الصبيان والفتيات القاصرات والشباب الكنائس الكاثوليكية، وتم التستر على عدد كبير من العاملين فيها من طرف القادة حفاظا على الصورة المقدسة للكنيسة. لكن سنة 2018 جاءت على غير هوى الكنيسة، حيث تفجرت فضيحة من العيار الثقيل أغرقت هذه المنشأة الدينية وسط التقارير الكاشفة للمستور. الأرقام المهولة التي تم حصرها بدون تدقيق كشفت عن 3677 ضحية على الأقل تعرضوا للاستغلال الجنسي من قبل 1670 رجل دين..، لكن أخيرا جاء الاعتراف على لسان البابا فرانسيس، خلال قمة بالفاتيكان، والذي أكد على تعديل قانون الكنيسة وتوجيه العقاب للفاسدين.
بعد تستر لسنوات، صرح البابا فرانسيس، أخيرا، أثناء قمة بالفاتيكان، بأن ما يقارب 8 آلاف من أصل 414 ألف قس حول العالم يمارسون أفعالا لا أخلاقية تجاه الأطفال من استغلال جنسي واغتصاب.
وفي تقرير صرحت الكنيسة أن هذا الرقم يعادل 2 في المائة تقريبا من القساوسة، وأن آخرين يعلمون بهذه الأفعال ويتكتمون على الأمر، الشيء الذي يستدعي عقوبات مشددة. ويتوعد البابا باتخاذ الإجراءات اللازمة في كل مرة، لكن الأمر يزيد عن حده. ففي سنة 2018 فجرت الكنيسة فضيحة بظهور نحو 2000 قضية تهم عددا من الضحايا يتهمون مجموعة من القساوسة بالتحرش الجنسي والاغتصاب.
وكانت الأمم المتحدة وجهت انتقادات قاسية إلى الكنيسة الكاثوليكية، في وقت، ودعت إلى إجراء تحقيقات علنية في وقائع التحرش بالأطفال من قبل رجال دين كاثوليك في مختلف أنحاء العالم، وطلبت تقديم المتورطين في تلك الجرائم للمحاكمة. وطلبت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة من الفاتيكان أن يقيل على الفور من وظيفته كل شخص مشبوه بارتكاب تجاوز جنسي وإحالته إلى السلطات القضائية المختصة للتحقيق معه وملاحقته.
وأشارت اللجنة إلى قلقها العميق حيال التجاوزات الجنسية ضد الأطفال التي يرتكبها أعضاء في الكنيسة الكاثوليكية يخضعون لسلطة الكرسي الرسولي ورجال دين متورطون في التجاوزات ضد عشرات الآلاف من الأطفال حول العالم.
الولايات المتحدة
تعد الولايات المتحدة في مقدمة الدول التي تنتشر فيها حالات تحرش جنسي بالأطفال على يد الرهبان الكاثوليك.
وقبيل شهر فقط من فضيحة بنسلفانيا، كان البابا فرانشيسكو قبل استقالة الكاردينال ثيودور ماك كاريك، البالغ من العمر 88 عاما، لتورطه في قضايا تحرش جنسي بالأطفال على مدى سنوات طويلة. ونشرت منظمة الأمم المتحدة، عام 2014، تقريرا حول حالات التحرش الجنسي بالأطفال في الكنيسة الكاثوليكية. وجاء في التقرير أن الفاتيكان يتستر على قضايا التحرش الجنسي في الكنائس الكاثوليكية في كثير من الدول عبر العالم.
وحسب دراسة أجراها معهد «جون جاي» التابع لمؤتمر كبراء الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة عام 2004، تعرض 10667 طفلا للتحرش الجنسي من قِبل أكثر من 4000 راهب كاثوليكي بين عامي 1950 و2002.
إيرلندا
حسب تقرير صادر في إيرلندا ذات الأغلبية الكاثوليكية عام 2009، تستر أربعة من كبار الأساقفة على حالات تحرش جنسي بالأطفال بين عامي 1975 و2004.
ورغم تقدم الأساقفة الأربعة باستقالاتهم للبابا على خلفية الحادثة، فإنه لم يوافق إلا على استقالة اثنين منهم.
وفي تقرير ثان صدر عام 2010، أعلن عن حالات استغلال جنسي وعاطفي بحق الأطفال على مدى 60 عاما في عدد من المؤسسات التابعة للكنيسة الكاثوليكية.
ألمانيا
حكمت المحكمة عام 2010 بالسجن سبع سنوات على راهب في مدينة فريتزلار التابعة لولاية هيسن بألمانيا، على خلفية اعترافه بالتحرش الجنسي بحق ستة أطفال في الكنيسة.
واتضح عام 2010، أيضا، قيام معلم كاثوليكي في معهد «كانيسوس» بمدينة برلين بالاعتداء الجنسي لسنوات طويلة على الطلاب الذكور.
وفي 2016، تأكد قيام قساوسة ومعلمين بالتحرش الجنسي وارتكاب العنف بحق الطلاب، حيث قال المحامي المكلف بالقضية أولريش ويبر إن ما لا يقل عن 231 طفلا تعرضوا للاعتداء الجنسي والعنف بين عامي 1953 و1992. وحسب تقرير آخر أعده ويبر عام 2017، تعرض حوالي 547 طفلا للتحرش والعنف ما بين عامي 1945 و1990.
هولندا
شكلت إحدى الكنائس في هولندا عام 2010 لجنة لتقصي حالات التحرش الجنسي بالأطفال في كنائس البلاد.
وحسب تقرير أصدرته العام الماضي، تلقت اللجنة خلال ثماني سنوات حوالي 3712 بلاغا حول قضايا تحرش جنسي. وعقب صدور التقرير، تقدم نحو 1599 شخصا بشكايات دفعت إثرها تعويضات مالية لـ 941 شخصا.
واعتبارا من عام 2010، أقيل 12 قسيسا وعلقت مهام آخرين، نتيجة اتهامهم بالتحرش الجنسي. فيما بلغ مجموع التعويضات التي دفعتها الكنائس للضحايا في عموم البلاد حوالي 28 مليون أورو.
فرنسا
ما زالت الدعوى المرفوعة بحق كاردينال كنيسة ليون الكاثوليكية فيليب باربارين، إزاء تستره على حالات التحرش الجنسي مستمرة.
وشهد الرأي العام بـفرنسا حالة سخط واسعة جراء اتضاح نقل توظيف الرهبان المتحرشين إلى إفريقيا، بدلا من عزلهم ومحاسبتهم أمام القانون.
الشيلي
فُتحت، الشهر الماضي، دعاوى قضائية بحق 158 موظفا في الكنائس لتورطهم في قضايا تحرش جنسي.
وطالت الدعاوى الكثير من الأساقفة ورجال الدين والموظفين في الكنائس، إذ تشير المعلومات إلى أن حالات التحرش ترجع حتى العام 1960.
ووفق تقرير التحقيقات، تعرض 266 شخصا، بينهم 178 طفلا، لعمليات استغلال جنسي في الشيلي.
أستراليا
تأسست في أستراليا لجنة لتقصي حالات التحرش الجنسي عام 2012، حيث أصدرت تقريرها عام 2017، وجاء فيه أن عشرات الآلاف من الأطفال في الكنائس والمدارس والمؤسسات الحكومية، تعرضوا للتحرش. وأعلنت اللجنة أنها قابلت أكثر من 8000 ضحية، فضلا عن تلقيها اتصالات من 42 ألف شخص في السنوات الخمس.
التستر على التحرش
أثارت فضيحة التحرش الجنسي والاغتصاب التي طالت العاملين بالكنائس الكاثوليكية ضجة كبيرة، والأكثر من ذلك هو التستر على هذه الأفعال بهدف حماية الصورة المقدسة لهذه المعابد الدينية. فقد كشفت تحقيقات استمرت لعامين في فضيحة تورط رجال دين كاثوليك باعتداءات جنسية في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، أن قادة الكنيسة تورطوا فى حماية أكثر من 300 من الرهبان المعتدين. ومن جهة أخرى، دفعت الكنائس أكثر من ملياري دولار على سبيل تعويض مادي للضحايا.
وكشف التقرير مجموعة من الخبايا التي تسترت عليها الكنيسة وفضحتها سجلاتها، فعدد كبير من قادة الكنيسة لم يشجعوا الضحايا على الإبلاغ عن الانتهاكات التى امتدت لأكثر من 60 عاما. وأصدرت محكمة أسترالية حكما بالسجن لمدة عام على الأسقف الأسترالي السابق فيليب ويلسون، رجل دين كاثوليكي في العالم، بتهمة التستر على الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وبشكل محدد قضية تستره على زميله جيمس فليتشر في سبعينيات القرن الماضي، وذلك بعد أن أبلغه اثنان من الضحايا بالأمر في حجرة الاعتراف بالكنيسة. وسيقضي الأسقف مدة العقوبة في منزله بسبب حالته الصحية، وأمراض القلب التي يعاني منها.
أما فى أوروبا، فتم الإعلان عن فضيحة اخرى كان بطلها كل من شقيق البابا السابق بنديكتوس السادس عشر والكاردينال غيرهارد لودفيغ مولر، رئيس مجمع العقيدة والإيمان..، حيث إن 547 على الأقل من أطفال جوقة «راتيسبون» الكاثوليكية تعرضوا لتجاوزات، ومنها عمليات اغتصاب بين 1945 وبداية التسعينيات، ووضعت القضية في دائرة الاتهام بصورة غير مباشرة. وجدير بالذكر أنه في عام 2014 كان هناك نحو 8 آلاف قس من مجموع 414 ألفا في أنحاء العالم يتحرشون بالأطفال. ومن ناحية أخرى، كشفت دراسة أمريكية أن 167 قسا كاثوليكيا أمريكيا نقلوا من مواقعهم الكنسية منذ تفجر فضيحة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، والتى ضربت إحدى الكنائس الكاثوليكية بالولايات المتحدة.
فضيحة 2018
2018 كانت سنة شؤم على الكنيسة الكاثوليكية التي أخذت الضربة القاضية في ما يخص الاتهامات التي لطالما طالت الكنائس من اعتداءات جنسية واغتصاب في حق الأطفال القاصرين والبالغين. فقد تم إنجاز تقرير لرصد كل التجاوزات التي أدينت بها الكنائس، ليتبين أن عدد الضحايا حصر في 3677 ضحية على الأقل، معظمهم صبيان تقل أعمارهم عن 13 عاما، وقعوا ضحايا لحوالي 1670 رجل دين. في حين أن اتحاد الباحثين الذي أجرى التحقيق صرح بأنه لم يطلع مباشرة على محفوظات 27 أبرشية ألمانية، ولم يدقق، في الواقع، إلا في 38 ألف ملف ومخطوطة اختارتها الكنيسة ووضعتها تحت التصرف. متهما الكنيسة بإتلاف أو التلاعب، طوال عقود، بعدد كبير من الوثائق المتعلقة بمشبوهين، وقللت عمدا من خطورة الوقائع.
التقرير كشف عن 4 إلى 5 في المائة من رجال الدين المتهمين غير المتستر عنهم في ظل أفعال إجرامية داخل مؤسسة إجرامية، فيما واجه ثلث المشبوهين فقط إجراءات بموجب القانون الكنائسي، لكن العقوبات كانت هزيلة.
وفي كل أنحاء العالم، (في أستراليا والشيلي والولايات المتحدة وألمانيا)… تستهدف اتهامات مفصلة عن عمليات اغتصاب وتجاوزات جنسية واعتداءات على الأطفال واعتداءات جسدية، الكنيسة الكاثوليكية ومسؤوليها.
وواجهت ألمانيا، حتى الآن، عددا كبيرا من القضايا، تتعلق أخطرها بـ»ريغينسبرغ» الكاثوليكية، حيث يقول تقرير صادر في يوليو 2017 إن 547 طفلا على الأقل تعرضوا لاعتداءات جسدية وتجاوزات جنسية وصلت إلى حد الاغتصاب بين 1945 و1992. ووجهت إلى شقيق البابا السابق، بنديكتوس السادس عشر، تهمة غض النظر عن هذه الوقائع، لكن المونسنيور يورغ راتسينغر، الذي تولى، من 1964 إلى 1994، إدارة هذه الجوقة المؤلفة من الأطفال، أكد أنه لم يكن على علم باعتداءات جنسية.
قمة في الفاتيكان
في خروج حديث للبابا فرنسيس، في أعقاب قمة موجهة لقادة الكنيسة الكاثوليكية، للتشديد على المسؤوليات التي يتوجب عليهم الالتزام بها تجاه القاصرين جراء المطالبات القضائية والفردية لضحايا الاعتداءات الجنسية من قبل القساوسة بالإجراءات الحاسمة..، حيث طلب من المشاركين الـ 190 في القمة، سماع صرخة الصغار الذين يطلبون العدالة في مواجهة آفة الاعتداءات الجنسية التي يرتكبها رجال الكنيسة ضد القاصرين. مما يبين إدراك الكنيسة، التي تأثرت مصداقيتها كثيرا في 2018 جراء الكشف عن فضائح واسعة النطاق في الشيلي، والولايات المتحدة وألمانيا، أن من واجبها التحرك وإلا تعرضت للغرق. لذا سلط الاجتماع تركيزه الكلي على إيقاظ الضمائر في صفوف الكنيسة بطريقة جماعية تربوية، مؤلفة من الخُطب ومجموعات عمل لغوية صغيرة، تتخللها صلوات وشهادات لضحايا «الإكليروس» أيضا. وطلب البابا فرنسيس منهم أن يناقشوا سوية بشكل مجمعي، صادق وعميق، طريقة مواجهة هذه الآفة التي تعصف بالكنيسة والبشرية، موزعا الخطوط العريضة للمناقشات.
وأعلن منظمو القمة تشديدهم على الإصلاحات التي سيعرفها نظام الكنائس على الأمد القصير، والمتوسط والطويل، مثل إعادة تعديل قوانين الكنيسة التي تحتاج إلى ذلك، الشيء الذي لا يتفق معه الكثير. فيجب تغيير القانون الكنسي، وليس فقط تعديله أو تحسينه، بل تغييره تغييرا عميقا للتوقف عن إعطاء الكهنة الأولوية على الرجال، وحياة الأطفال الضعفاء والبالغين الذين يتعرضون لاعتداءات جنسية، والتي ما زالت الكنيسة غير قادرة على وقفها.