شوف تشوف

الرأي

حفيد البط عوام

نُسخة كأس العالم القطرية، التي لم يعد يفصلنا عن بدايتها سوى أيام قلائل، مناسبة لإحياء سُنة مغربية قديمة وهي «الترحال».

فمنذ أيام ابن بطوطة المغربي، أي قبل أزيد من سبعة قرون تقريبا، والمغاربة يتحركون شرقا وغربا ويقطعون الفيافي والبحار للوصول إلى ضفاف العالم الأخرى، ولم لا الاستقرار بها.

في نُسخة كأس العالم بروسيا، رأينا كيف أن شبانا مغاربة اعتبروها فرصة لتغيير «العتبة» وفضلوا البحث عن زوجة. وهكذا أصبحت هجرتهم الكروية، ظاهريا، هجرة «إلى ما هاجروا إليه» في الحقيقة. وقلة فقط منهم نجحوا في المهمة التي ذهبوا من أجلها، إذ إن جحافل المشجعين المغاربة في موسكو لم يكونوا يركزون مع المباريات أكثر مما يركزون مع الروسيات. بل منهم من رتّب كل شيء بفضل الدردشة الفورية على الأنترنيت، وجاء إلى روسيا لتوقيع الأوراق فقط والزواج من روسية.

أما في نسخة البرازيل، فقد سجلت السلطات هناك حالات حمل كثيرة لنساء برازيليات من مشجعين، وهو ما خلّف نقاشا سياسيا حادا، خصوصا وأن مُستقبل أولئك المواليد يبقى موضوعا شائكا. وهو الأمر الذي حذرت منه السلطات الروسية نساء البلد قبل بداية المونديال، لافتة انتباههن إلى خطر العلاقات العابرة مع المشجعين.

لكن رغم كل تلك التحذيرات، إلا أن شبابا مغاربة، كانوا يريدون تجربة حظهم مع الهجرة بأي طريقة، استغلوا تأشيرات روسيا لكأس العالم وحاولوا العبور من هناك إلى «الجنة» الأوروبية، أو الارتباط بروسية لضمان أوراق الإقامة في موسكو وحتى النواحي.

الأمر مختلف هذا العام في قطر، إذ إن طبيعة البلاد المحافظة لا مكان فيها لمثل هذا الكلام. بل إن بعض المنابر الأجنبية تهاجم قطر هذه الأيام بسبب «إحراج» استهلاك الخمور في شوارع قطر، رغم تطمينات السلطات هناك بالنسبة للأجانب، وانتشار مقاطع كثيرة تُظهر مدى حداثة الحياة في الدوحة، إلا أن بعض المنصات الغربية لا تزال ترى في العرب مجتمعا متخلفا يعيش وراء الشمس يجب دائما تأطيره وتقييمه وإبداء الملاحظات حول سلوكه قبل حتى أن يظهر.

كأس العالم فرصة لآلاف الشبان المغاربة الباحثين عن عمل في الخليج، لكي يستغلوا الطلب الكبير للفنادق والمنشآت السياحية والترفيهية خلال فترة المونديال لكي يضمنوا عقود عمل مؤقتة قد تُسهل لهم مسألة الاستقرار في قطر، أو أي دولة خليجية في ما بعدُ.

أما المغامرون، وهؤلاء لم ينالوا حقهم من الاهتمام الإعلامي، فلديهم قصة أخرى مع كأس العالم. إذ إن مواطنا مغربيا وصل هذه الأيام إلى قطر قادما إليها من باريس على متن دراجة هوائية، قطع بها آلاف الكيلومترات منذ ستة أشهر لكي يصل إلى الدوحة ويشاهد مباريات المنتخب المغربي. فيما سبقه مواطن مغربي آخر، وصل إلى السعودية خلال موسم الحج بعد رحلة من المغرب استمرت قرابة سنة على متن دراجته الهوائية ولقي ترحيبا كبيرا من طرف شبان سعوديين كانوا يواكبون رحلته، وهو مدعو الآن من طرف شبان في قطر لحضور أجواء مباريات كأس العالم.

«الرحلة المغربية» تعيش أيامها الذهبية بكل تأكيد، منذ ابن بطوطة الذي ذهب إلى الحج واكتشف الصين والهند ودون مشاهداته التي لا يمكن أبدا اختلاقها، وعندما توفي سنة 1377 ميلادية، وُلد أحفاده بالتتابع وتولوا بدورهم مهمة اكتشاف العالم بطريقتهم الخاصة، وأسبابهم الظرفية كذلك.

اختلف السياق بين رحلة ابن بطوطة وأحفاده الجدد. فهؤلاء الآن يبحثون عن مستقبل أفضل في بقاع الأرض، ومنهم من يبحث عن الزوجة قبل المستقبل، لكنهم جميعا يلتقون في «الرحلة»، تلك التي تُعتبر المونديال الحقيقي لآلاف مُرتادي المطارات هذه الأيام.

صدق من قال إن ابن البط عوام، بل إن الحفيد كذلك.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى