دخل ملف الوحدة الترابية للمملكة مرحلة الحسم بعد نصف قرن من الصراع، وهذا كان واضحا في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، خصوصا بعد نجاح الدبلوماسية المغربية في تعزيز مرافعاتها بالحجج التاريخية والدينية والقانونية والواقعية الميدانية التي تؤكد أن هذا الملف دخل مرحلة التسوية النهائية، خاصة بعد اعتراف فرنسا وإسبانيا بالأطروحة المغربية. غير أنه في الوقت الذي يشهد الجميع بدينامية الدبلوماسية المغربية في الترافع حول الوحدة التربية للمملكة، نجد أن المناهج التعليمية لا تساير طموح المغاربة في تكوين الأجيال القادمة على عقيدة تربوية تشمل جميع الأسلاك، جوهرها أن ملف الصحراء المغربية ملف أمة، وهو أيضا من ثوابتها على غرار ثوابت أخرى.
حضور ضعيف جدا
كان الملك محمد السادس ألقى خطابا أمام أعضاء غرفتي البرلمان، تطرق فيه إلى التطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية، باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة. وأشاد الملك، بهذه المناسبة، بموقف الجمهورية الفرنسية، التي تعترف بسيادة المملكة على كامل تراب الصحراء، وتدعم مبادرة الحكم الذاتي، في إطار الوحدة الترابية المغربية، كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
وأكد الملك محمد السادس أن هذا التطور الإيجابي ينتصر للحق والشرعية ويعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، سيما أنه صدر عن دولة كبرى، عضو دائم بمجلس الأمن وفاعل مؤثر في الساحة الدولية.
هذا الخطاب تفاعل موضوعي مع تطورات كثيرة حدثت في الشهور الماضية التي شهدت انتصارات دبلوماسية كثيرة أضعفت الانفصاليين من جهة، ودفعت أنصارهم إلى الواجهة بشكل مباشر بعد خمسين عاماً من المناورات.. حيث أصبح لافتا أن الجزائر لم تعد قادرة على الاختباء وراء مطالب «تقرير المصير وتصفية الاستعمار»، وأصبحت المواجهة الآن علنية، خاصة وأن قضية الصحراء المغربية تقترن بمطلب المغرب بشأن الصحراء الشرقية التي تحتلها الجزائر.
كل هذه المعطيات، التي تتأسس على حقائق تاريخية ودينية وثقافية موثوقة، لا نجد لها أثرا في المناهج التعليمية، باستثناء بعض المقاطع غير المؤثرة في مادة «التربية على المواطنة» الخاصة بالسلك الإعدادي وبضع فقرات في دروس التاريخ. وهذا الحضور الضعيف مثير للاستغراب حسب متتبعين، خصوصا إذا قورن بحضور الأطروحة الانفصالية في البرامج التعليمية الجزائرية، والتي لا تفوت كل الامتحانات السنوية دون طرح أسئلة لتلامذتها تزكي هذه الأطروحة الغاشمة.
بعض ردود الأفعال، التي خلفها خطاب الملك محمد السادس سابق الذكر، اتجهت إلى ضرورة إدماج القضية الوطنية في صلب الإصلاح التربوي الذي تخضع له المدرسة والجامعة المغربيتين، لكون الرهان على التحديث والرقمنة وربط المدرسة والجامعة بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي ينبغي أن يبدأ أولا عبر ربطهما بوطنهما، يقول أحد المعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف المعلق ذاته أنه في الوقت الذي نجد الانفصاليين وداعميهم في الجارة الشرقية للمغرب يعتبرون ملف الصحراء عماد كل المناهج التعليمية وفي أغلب المواد الدراسية، نجد أن الأطروحة المغربية المشروعة والشرعية تحضر بشكل باهت جدا في المناهج التعليمية إذ تقتصر على مادة الاجتماعيات، داعيا إلى خلق مادة دراسية قائمة بذاتها باسم الوحدة الترابية، وأن يتم تعميمها على كل الأسلاك، سيما وأن المنعطف الذي يمر منه هذا الملف يفترض تكاتفا بين مكونات الشعب المغربي، والتعليم يضمن استمرارية هذا التكاتف.
تجاوز الاحتفالية والمناسباتية
أوصى نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة إطلاع الناشئة على حقيقة تواصل النزاع المفتعل ومستجدات القضية بشكل محين، ودعوا إلى الاسهام بالمزيد من البحوث لمواصلة إغناء المنهاج الدراسي، وتمكين التلاميذ من آليات الترافع عن مغربية الصحراء، ودلائل سيادة المغرب وأحقيته في أقاليمه الجنوبية.
وشملت دعوات كثيرين ضرورة إعادة النظر في حجم وطبيعة حضور قضية الصحراء في مستوى التعليم الثانوي الإعدادي على الخصوص، لحساسية المرحلة التعليمية، وإدراج القضية الوطنية ضمن الدروس المدرجة في الامتحانات الإشهادية لضمان وقعها وتأثيرها على المترشحين في الامتحانات، وإدراج مقترح الحكم الذاتي ضمن الدروس المقترحة باعتباره الحل الرسمي والأكثر واقعية لحل النزاع المفتعل.
وتمت الدعوة، كذلك، لتخصيص ميزانيات لضمان احتفال التلاميذ بالأعياد الوطنية دون إثقال كاهل أسرهم ماديا وتنفيرهم من المناسبات الوطنية، وصياغة مجزوءة في مادة التربية على المواطنة بمراكز تكوين الأساتذة لإعدادهم بشكل يضمن انخراطهم في جهود تمكين التلاميذ من آليات الدفاع عن وطنهم.
وشملت التعليقات، أيضا، اقتراح تخصيص يوم كامل في كل دورة دراسية لقضية الوحدة الترابية، حيث يخصص اليوم بكامله لفهم القضية وتعلم الترافع عنها، وذلك بتأطير من الأساتذة والخبراء، على أن يكون ذلك في كل المستويات من التعليم الأولي إلى الباكالوريا، وبذلك سيتكلم المغرب كله في ذلك اليوم لغة واحدة هي قضية الصحراء المغربية.
واستغرب النشطاء أنفسهم الحضور الباهت للقضية الوطنية الأولى في المناهج التعليمية مقارنة مع حضور الأطروحة الانفصالية في المناهج التعليمية الجزائرية مثلا، حيث لا يمر امتحان إشهادي هناك دون طرح أسئلة تتعلق بهذا الملف بشكل يعزز لدى الأطفال والشباب بـ«الجارة الشرقية» أطروحة الطغمة الحاكمة.
////////////////////////////////////////////////////////////////////////
عن كثب:
ضَعُفَ الطّالب والمطلوب
نافذة:
«سماسرة» ينشئون مجموعات في تطبيقات التراسل الفوري ويستقطبون زبناء بمبالغ مالية كبيرة مقابل مدهم بالإجابات كتابيا أو صوتيا
قليلون يعرفون أن وزارة التربية الوطنية قطعت أشواطا كبيرة في «رقمنة» المباريات والامتحانات المهنية والإشهادية، بحيث أصبح من شبه المستحيل حدوث تسريب من داخل المسار الإداري الذي تقطعه الاختبارات، بدءا من المركز الوطني للامتحانات بالعاصمة وصولا إلى أصغر مركز، غير أن هذا الإنجاز التقني ذا التفاصيل المعقدة لم يحل دون انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات والمباريات، بدليل ما حدث في المباراة الأخيرة الخاصة بتوظيف المدرسين.
فقد انتشرت، منذ الدقائق الأولى لانطلاق الاختبار الكتابي للمباراة، مئات الصور لمحادثات وتسجيلات وفيديوهات تبادلها بعض المترشحين لهذه المباراة. لتنطلق موجة غضب عارمة بسبب المستوى الذي وصل إليه بعض هؤلاء المترشحين، الذين طلب البعض منهم «مساعدات» لكتابة كلمات باللغتين الفرنسية والعربية، وآخرون طلبوا مساعدات في العلوم والرياضيات، مستعينين بتطبيقات التراسل الفوري. وما حدث يسائل مسؤولية الوزارة بخصوص تأمين مراقبين غير متساهلين، ويسائل، كذلك، الشكل الذي وضعت به هذه الاختبارات التي شجعت بشكل واضح بعض المترشحين على الغش.
فمثلما يحدث في امتحانات الباكلوريا، شهدت هذه المباراة موجة تسريبات غير مسبوقة منذ الدقائق الأولى لانطلاقها.. حيث عجت مجموعات التطبيقات الرقمية وكذا مجموعات في موقع «فايسوك» بمئات الصور لمحادثات فضلا عن تسجيلات وفيديوهات تبادلها المترشحون في ما بينهم، أو مع أشخاص خارج مراكز اجتياز المباراة.
في تفصيل بعض هذه المحادثات، نجد مترشحين بأسماء مستعارة يطلبون فيها مساعدات، منهم من يطلبون أجوبة لأسئلة الرياضيات وآخرون لأسئلة العلوم. وتبقى حالة مترشحة تطلب الإجابة عن كيفية كتابة كلمة عربية هي «ملائمة» (بالكسرة)، لكون واضعي الاختبار أعطوها أربعة اختيارات لكتابة الهمزة في هذه الكلمة. إحداها على السطر وثانية على الألف وثالثة على الواو ورابعة على الياء.. (تبقى) الحالة الأكثر إثارة للتعليقات من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
المثير في موجة الغش التي اجتاحت هذه المباراة، هو اللغة التي تواصل بها المترشحون، كحالة مترشحة طلبت إجابات تهم اللغة العربية باستعمال الدارجة وحروف لاتينية. وأيضا لكون بعض المترشحين لا يطلبون أجوبة تتعلق بأسئلة محددة، بل يطلبون كل أجوبة التخصصات التي يختبرون فيها. فتجد من يطلب كل أسئلة الرياضيات أو كل أسئلة العلوم أو كل أسئلة الفرنسية.
انتشار الغش في هذه المباراة ساهم فيه انتشار تطبيقات التواصل التي يبدو أن المترشحين تعمدوا استغلالها لهذا الغرض، بدليل، حسب ملاحظين، أن أغلب المراسلات تمت بأسماء مستعارة، ما يعني أن نية الغش كانت حاضرة لدى هؤلاء المترشحين قبل ولوجهم قاعات مراكز المباراة. والملاحظ أن كل المحادثات التي تم تصويرها أو تسجيلها تتم داخل مجموعات أنشئت سلفا، بمعنى
الأخطر من كل هذا هو تحول المباريات والامتحانات الموحدة، مدرسية كانت أو مهنية، إلى تجارة مربحة لـ«سماسرة» ينشئون مجموعات في تطبيقات التراسل الفوري ويستقطبون زبناء بمبالغ مالية كبيرة مقابل مدهم بالإجابات كتابيا أو صوتيا، والمؤسف أن هناك تربويين ضمن هذه الشبكات، يتم توظيفهم للإجابة عن أسئلة علوم التربية والديداكتيك، وهو الأمر الذي كان موضوع متابعة قضائية لأحد السماسرة، أخيرا، الذي أنشأ مجموعة واستقطب فيها ما يفوق 3 آلاف مترشح مقابل ما يزيد عن ألف درهم لكل منهم، أي أننا نتحدث عن مداخيل تجاوزت الثلاثين مليون سنتيم.
////////////////////////////////////////////////////////////////////////
رقم:
1.3 مليون
كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن مؤسسات التعليم العالي استقبلت، برسم الدخول الجامعي الجديد، 344 ألفا و679 طالبا جديدا. وأفاد عبد اللطيف ميراوي، خلال عرض حول مستجدات الدخول الجامعي (2024-2025)، قدمه أمام مجلس الحكومة، بأن الإقبال ما زال متزايدا على التكوينات الجامعية، حيث عرف العدد الإجمالي للطلبة بالتعليم العالي نسبة ارتفاع مستقرة ما بين 5 و6 في المائة خلال السنوات الأخيرة، مبرزا أن العدد الإجمالي سيناهز 1,3 مليون طالب.
ومن جهته قال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال لقاء صحفي عقب الاجتماع الأسبوعي للمجلس، إن ميراوي أكد أن الدخول الجامعي لهذه السنة، الذي انطلق تحت شعار «التميز، الرقمنة، التمكين»، يكرس تنزيل الأوراش الاستراتيجية للمخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار PACTE ESRI في أفق 2030.
////////////////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
وزارة المالية تطلق تعويضات «أساتذة الريادة» بعد احتجاجات
صرفت تعويضات الموجهين والمفتشين واستثنت المدرسين
نافذة:
حمل مجموعة من المدرسين والإداريين وزير التربية الوطنية مسؤولية الفوضى التي تعيشها مؤسسات الريادة
حصلت الجريدة على وثيقة تحمل تأشير وزارة المالية لفائدة الأكاديميات تأمرهم بصرف تعويضات المدرسين والمفتشين والإداريين المساهمين في مشروع مؤسسات الريادة، سواء في التدريس أو التكوين المستمر أو التدبير، ويتعلق الأمر بقرار من شأنه أن يحلحل مشكلة عويصة تعيشها هذه المؤسسات التي ماتزال أغلبها تعيش وضعية شلل بسبب عدم توصلها بالتجهيزات الرقمية.
تعويضات بعد انتظار
بعد أن استثنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة الأساتذة المنخرطين في مؤسسات الريادة من صرف التعويضات التي خصصتها للمتدخلين في هذا المشروع، حيث أمرت بصرفها للمفتشين وأطر التوجيه والتخطيط فقط، أمرت وزارة المالية مدراء الأكاديميات بصرف تعويضات للمدرسين ومدراء المؤسسات التعليمية التي تنخرط في هذا المشروع.
واستشاط أساتذة مؤسسات الريادة غضبا بعد علمهم بقرار الوازرة صرف تعويضات المفتشين وأطر التوجيه والتخطيط الذين كوّنوا الأساتذة الجدد، لولوج مؤسسات الريادة لهذا الموسم، بينما لم تصرف تعويضات الأساتذة المنخرطين في المؤسسة منذ السنة الفارطة، وهو الأمر الذي كان موضوع احتجاجات وعرائض توصلت الجريدة بنسخ منها.
وراسلت وزارة المالية مديري الأكاديميات، بحسب الوثيقة التي تملك الجريدة نسخة منها، من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين استفادة أطر التدريس العاملين بمؤسسات التربية والتعليم العمومي الحاصلة على علامة «مؤسسات الريادة» وباقي الموظفين المنخرطين فيها قصد الحصول على المنحة المالية المخصصة للمساهمين في هذا المشروع خلال الموسم الدراسي الماضي.
هذه الوثيقة سبقتها مراسلة وزارية دعت مدراء الأكاديميات إلى إعداد المقرر الخاص بكل أكاديمية لتحديد اللوائح الاسمية للمستفيدين من المنحة المالية المحدد مقدارها في 10.000 درهم صافية برسم موسم 2023- 2024، مبرزة أنه على أساسها سيتم الالتزام بنفقتها وتصفيتها والأمر بصرفها من لدن الأكاديميات الجهوية.
تعثر مستمر
هذه الخطوة من شأنها أن تخفف من التوتر الذي رافق مشروع مؤسسات الريادة، وحمل مجموعة من المدرسين والإداريين وزير التربية الوطنية مسؤولية الفوضى التي تعيشها مؤسسات الريادة لأنه أصر على تعميم هذا النوع من المؤسسات دون أن تكون له إمكانيات لتجهيزها، مؤكدين على أن سمعة التعليم العمومي سيئة وإذا فشلت هذه التجربة فإن صورة التعليم العمومي ستزداد قتامة. وأكد مدرسون وإداريون تواصلوا مع الجريدة «أن النقص في هذه التجهيزات ستكون له آثار سلبية على المتعلمين ولن تكون لهم الحظوظ نفسها مقارنة مع تلاميذ المؤسسات الخصوصية الذين يتلقون تعليما في ظروف تختلف عن المؤسسات الحكومية».
وأكدت المصادر ذاتها على أن أغلب المديريات الإقليمية التابعة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لم تتوصل بالعتاد المعلوماتي الخاص ببرنامج الريادة، رغم مرور أسابيع على انطلاق الموسم الدراسي، مما يعني عدم التزام الوزارة بما سطرته في المذكرة الإطار بشأن تفعيل العمل بهذا المشروع.
ونصت الوزارة، في مذكرتها، على أنه تم وضع عدد من التحفيزات لمؤسسات الريادة، من أجل توفير فضاء جذاب ومحفز على التعلم، يشجع على تبني الممارسات الصفية الناجعة، مؤكدة أن مؤسسات الريادة ستستفيد من امتيازات مثل التكوين المستمر لفائدة الأطر التربوية بالمؤسسة حول المقاربات البيداغوجية والتدبيرية المعتمدة رسميًا، مع اعتماد صيغ التكوين النظري والتطبيقي المفضي للإشهاد من طرف اللجان العلمية المحدثة لهذا الغرض، مع مواكبة ميدانية عن قرب.