شوف تشوف

الرئيسية

حصيلة 2020.. ثلاث إضاءات على سنة تربوية استثنائية

لم يشكل قطاع التعليم الاستثناء ضمن القطاعات الأخرى التي عاشت سنة صعبة، وخصوصا منذ مارس الماضي، عندما وجد متخذو القرار التعليمي أنفسهم لأول مرة في وضعيات ذات أبعاد متعددة لا تنحصر في التربوي فقط. فأمام مطالب «السنة البيضاء» أصر المغرب على تنظيم امتحانات الباكلوريا. ولم تمنع الظرفية الاقتصادية من الشروع في بناء مدن المهن والكفاءات التي يراهن عليها المغرب لحل معضلة التشغيل، ثم لم تمنع الظرفية ذاتها من تنظيم أكبر عملية توظيف في تاريخ التعليم المغربي

مدن المهن والكفاءات.. مشروع ملكي يرى النور
بعد مرور أقل من سنة على تقديم خارطة الطريق المتعلقة بتطوير التكوين المهني وإحداث «مدن المهن والكفاءات» في مختلف جهات المملكة، أعطى الملك محمد السادس انطلاقة أشغال هذه المدن بتدشين مدينة المهن والكفاءات سوس –ماسة.
إطلاق المدينة متعددة الأقطاب والتخصصات، الأولى من جهة سوس ماسة، سيشكل البداية في مشروع إحداث مدن المهن والكفاءات، الذي ينتظر أن يشمل باقي جهات المملكة، حيث يروم المشروع تطوير قطاع التكوين المهني.
ويقوم هذا المشروع الذي يعد أحد أهم منجزات سنة 2020، على فكرة أن كل جهة من جهات المملكة ستتوفر على «مدينة للمهن والكفاءات»، وهذه المدن ستضم قطاعات وتكوينات مختلفة تستجيب لخصوصيات وإمكانات الجهة المتواجدة بها، والتي تهم المهن المرتبطة بمجالات الأنشطة الداعمة للمنظومة البيئية الاقتصادية التي سيتم إنشاؤها، وكذا مهن المستقبل في المجال الرقمي وترحيل الخدمات، والذي يعتبر مجالا واعدا وقطاعا رئيسيا لخلق فرص الشغل. وموازاة مع تعزيز التكوينات في المهن الأساسية والكلاسيكية، سيتم تجهيز هذه المدن ببنيات خاصة مثل وحدات الإنتاج البيداغوجية ومراكز المحاكاة، والفضاءات التكنولوجية، من أجل توفير، بعين المكان، الفضاء المهني التقني والتكنولوجي الضروري لاكتساب المهارات والكفايات اللازمة للممارسة الفعلية للمهن. وستشتغل هذه البنيات الجديدة وفق مبدأ التعاضد وترشيد الموارد المشتركة المتوفرة، لاسيما المسطحات الرقمية، ومراكز اللغات، ومراكز التأهيل للمهن، والمكتبات الوسائطية، والداخليات والملاعب الرياضية.
أما المقاربات البيداغوجية التي تعتمدها هذه المدن فتُعطي أهمية كبرى للتحكم في اللغات الأجنبية، وتنويع الكفاءات، وإعطاء الأولوية لإشراك المهنيين، وذلك بتشجيع التكوين المهني في أماكن العمل عن طريق التمرس والتدرج المهني. وسيمكن هذا الجيل الجديد من المراكز من تشكيل نماذج حقيقية وناجعة لتطوير البنيات الموجودة حاليا، والتي سيتم تأهيلها وترشيدها في إطار شمولي يرتكز على إعادة النظر في التكوينات التي تقدمها.

رغم الوباء.. أولوية حماية مصداقية شهادة الباكلوريا
رغم مطالب أصوات كثيرة بإلغاء امتحانات الباكلوريا، مثلما فعلت فرنسا أو تأجيلها مثلما فعلت دول عربية أخرى كالجزائر، فإن المغرب أصر على تنظيم هذه الامتحانات في شقها الوطني والجهوي. وقد أعطيت الأولوية للامتحانات الوطنية. فرغم تعليق الدراسة الحضورية وعدم استئنافها إلى غاية شهر شتنبر اتخذ قرار بضرورة الحفاظ على هذا الاستحقاق الوطني، لأنه يشكل محطة مفصلية في الحياة الدراسية للتلاميذ، وجميع الأسر تنتظره.. هذا الاستحقاق ينقل التلاميذ من مرحلة الثانوي إلى التعليم العالي، وهو أمر بالغ الأهمية؛ وحتى تكون له هيبته وقيمته، ولمصداقية شهادة البكالوريا في المغرب، كان لا بد من الحفاظ عليه.
هذا الرهان كان كبيرا، خصوصا على مستوى كيفية تنظيم هذا الاستحقاق في ظل الحالة الوبائية المتعلقة بفيروس «كورونا»، وحماية صحة الأطر التربوية والإدارية والمترشحين. حيث سجلت هناك تعبئة جماعية وانخراط تام لجميع المتدخلين، من أطقم الوزارة والسلطات المحلية والأمنية والصحية وأطر وزارة الشباب والرياضة، لأنه تمت الاستعانة بفضاءات ومنشآت رياضية ومدرجات الجامعات ثم أقسام الثانويات. والهدف من كل هذه الإجراءات هو توفير ظروف آمنة للتلاميذ لإجراء الامتحان.
ولتحقيق هذا الهدف تم الرفع من عدد مراكز الامتحانات من 1500 مركز سنة 2019 إلى حوالي 2200 مركز لضمان التباعد الجسدي. وأيضا تقليل عدد المترشحين في القسم من 20 تلميذا إلى 10 فقط. كما أن عدد أساتذة الحراسة تضاعف هذه السنة، إذ وصل إلى 12 أستاذا مكلفا بالحراسة في قاعة مغطاة، وما بين 6 أو 8 أساتذة في المدرج، و2 بالنسبة للقسم.
وفي هذا السياق، تم اللجوء إلى قاعات رياضية مغطاة ومدرجات جامعية، فضلاً عن أقسام دراسية، لضمان احترام التباعد الاجتماعي، كما تم التقيد بالتدابير الاحترازية من تعقيم مراكز الامتحان، بما فيها المكاتب والمرافق الصحية والممرات والتجهيزات المتوفرة ولوازم العمل، وكذلك تعقيم مغلفات المواضيع وأوراق الإجابة والمسودات والتصحيح وشبكات التصحيح ومختلف الوثائق المتعلقة بالامتحان والعربات المخصصة لنقلها، وكذلك الأماكن المخصصة لتخزينها وتأمينها، إلى جانب التقيد بقياس درجة حرارة جميع الأشخاص.

أكبر عملية توظيف.. هيئات جديدة لأول مرة
عرفت سنة 2020 أيضا تنظيم مباراة لتوظيف 17 ألف إطار، منها 15 ألفا خاصة بأطر التدريس، والعدد المتبقي لملحقي الإدارة والاقتصاد والدعم التربوي والاجتماعي. وهو رقم قياسي في تاريخ التعليم المغربي. الرقم القياسي في عدد المناصب المبرمجة في مباراة توظيف أطر الأكاديمية هذه السنة فرض إجراءات خاصة في ظل الظرفية الاستثنائية التي يعيشها المغرب بسبب فيروس «كوفيد 19». حيث تم اعتماد برتوكول خاص، يعتمد جزء منه على الإجراءات الناجحة التي تم اتخاذها في تنظيم الامتحانات الموحدة للباكلوريا، وجزء منه تم تركه للأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية لتدبير هذه المحطة الحساسة، بحسب حجم انتشار الوباء جهويا ومحليا.
المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت على هامش انتشار الجائحة، ومنها تلك المتعلقة بالوضعية الخاصة التي يعيشها مستخدمو المدارس الخصوصية رفعت معدلات الترشح إلى مستويات قياسية. حيث تجاوز عدد المرشحين 200 ألف مرشح. موزعين على تخصصات وهيئات مختلفة.
تنظيم مباراة بشقيها الكتابي والشفوي معا، وفي ظل هذه الظرفية الخاصة، يرى فيه متتبعون تحديا كبيرا كان يمكن، تحت مسمى الاستثناء، الاكتفاء بمقابلات شفوية أو اختبارات كتابية فقط. والإصرار على تنظيمها بشكل عادي في ظرف غير عادي لا يمكن، حسب هؤلاء المتتبعين، إلا أن يكرس مبادئ في قطاع التربية والتكوين لطالما كانت شبه مفقودة في محطات تدبيرية وتربوية سابقة، وعلى رأسها تكافؤ الفرص والغلبة للكفاءة والاستحقاق.
حملت المباراة الجديدة مستجدا، يتمثل في توظيف ألفين من ملحقي الإدارة والدعم التربوي والاجتماعي. فرغم مرور سنوات على بدء الحديث عن توظيف مساعدين اجتماعيين على صعيد المؤسسات التعليمية، إلا أنه ظل حديثا مناسباتيا تحييه بعض الأحداث العنيفة وغير التربوية التي تشهدها بعض المؤسسات التعليمية بين الفينة والأخرى، وسرعان ما يخفت بعد ذلك..، خصوصا الأحداث التي يكون التلاميذ طرفا فيها، من قبيل تعنيف الأساتذة أو الإداريين.

لماذا سيظل التعليم أولوية؟

يرتبط التعليم بالتنوير والتجهيل بالطغيان، ومتى استشرى الجهل في قوم صاروا عبيدا لحكامهم، ولم يعرف العالم الحر سبيله للتحرر الجماعي الذي سعى إليه، إلا بعد أن تحرر أفراده، فتحررت العقول من الخرافة والوصاية والقلوب من الخوف والترهيب.. عندها، تحررت ملكاتهم فأبدعوا وأجادوا وأفادوا..
ويُعلّمنا التاريخ أن الخائفين والجاهلين هم سند المستبدين في أي زمان وأي مكان وجدوا واستنبتوا… ويعلمنا هذا التاريخ، أيضا، أن الحرية والحق لا يستقيمان دون علم والتزام، فالأحرار الحقيقيون هم متنورون وملتزمون بالضرورة، فإنْ كان بعض الشباب المغربي اليوم يعتقدون أنهم تحرروا من الخوف وأضحوا يجدون في أنفسهم مقدرة على أن يقولوا ما يفكرون فيه دون أن يفكروا في ما يقولونه، فلأن زوال حجاب الخوف عندنا لم يرافقه، للأسف، زوالٌ لحجاب الجهل بعموم المعنى.. فاليوم، من السهل أن نعلن كل شيء باسم كل شيء، ونشتم الجميع باسم شعارات تحكمها الأهواء والانفعالات.. ونغلق حواسبنا أو هواتفنا مطمئنين أننا أضحينا «مناضلين لا يشق لنا غبار»..
اليوم، من السهل أن نضرب عن العمل لشهور، معتقدين أننا أصحاب قضية وحق مطلق، مع أننا نفوّت على أنفسنا، في كل مرة نقوم بذلك، فرَصاً ثمينة لمساءلة وضعنا، إن كان فعلا ما نقوله ونطالب به يستقيم والمهمة التي التزمنا أمام هذا الشعب بأن نؤديّها بتفانٍ، عندما نتقاضى أجورنا من جيوب هذا الشعب، ولكننا نساهم في تجهيل أبنائه.. ونقدمهم لقمة سائغة للمستبدين والفاسدين.. وإلا ما معنى أن ينقطع مدرّسون عن فصولهم الدراسية لشهور، باسم الحق، متناسين حق أبناء الشعب؟
اليوم، إن كنا فعلا مؤمنين بكوننا نؤسس لمغرب المستقبل، فإن اللبنة الأولى لبناء هذا المغرب هي التثقيف والتعليم. فعملية التغيير لا يمكن أن تصبح تقدما بالمعنى القوي للكلمة إذا لم تكن مرفوقة بعملية وعي حقيقي لما مَرَّ، وما يجري، وما يُرسم. وإذا كنا مُصمّمين على إسعاد المواطنين فيجب أن نحرر عقولهم أولا.. وهذه لم تعد اليوم مهمة تخص الدولة فقط، بل مهمة تخص الجميع، فما بين تماطل الدولة وجشع بعض فئات رجال التعليم.. تضيع هذه الحقيقة ويصبح الجميع مساهمين، بهذا القدر أو ذاك، في تكريس التخلف والجهل.. وتصبح «الحرية» في عرف أبنائنا هي تخريب الممتلكات العامة، و«حرية التعبير» هي الشتم والسب والطعن في الشرف.. فنحن لم نوفر لزوال حجاب الخوف شروطه ليصبح تحررا بالمعنى القوي للكلمة.
فإذا كان دستور 2011 قد وضع لبنات مغرب متنوع وحديث، فإنه لا يمكننا أن نسكن لَبِنَة، بل نبني بها ما نعتقد أنه منزل المستقبل، وهذا المنزل يصبح جحيما لا يطاق، وجسما هلاميا مرعبا بعقول تكره هذا المنزل، أو عقول تستغل هذا المنزل، أو عقول تُخرّب هذا المنزل… فما قيمة أن نبني قنطرة جديدة أو نستورد قطارا جديدا أو نبنيّ مطارا جديدا إذا كان من سيستعمل هذه المنجزات مُخرّبا وأمّيا من ناحية ثقافة احترام المرفق العام؟.. فنحن بهذا نكون كمن يريد دخول المنزل عبر سقفه وليس من أبوابه، دون أن ندرك أن في دخولنا عبر السقف تخريبا لهذا المنزل، فنحن نراهن على تحديث المجتمع من خلال التوجه لقطاعات نعتقد أنها «منتجة»، بينما لا نلقي بالا للقطاعات التي يُبنى عليها المشروع المجتمعي للأمة، أي القطاعات التي تُكوّن وتُنمّي العقول المنتجة والمؤمنة بمصير وطنها، العقول المتنورة والمبادرة والمتطوعة، وليس «العقول» المُخرّبة والخرافية والريعية..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى