حصاد الديبلوماسية
لا نبالغ إذا قلنا إن السنة التي نودعها هي سنة للدبلوماسية المغربية بامتياز، بقيادة رئيس دولة يتمتع بكاريزما على الصعيد الدولي، تجعله يعرف جيدا كيف يحول الأزمات إلى فرص ومحاولات الاستهداف إلى مكاسب خارجية. ففي سنة واحدة قفزت الديبلوماسية المغربية بأمان على العديد من المطبات التي كان يصنعها أعداء الخارج وخصوم الداخل للمس بوحدتنا الوطنية واستقرارنا السياسي، وفي الآن نفسه الاقتراب أكثر من نقطة إنهاء الصراع المفتعل حول صحرائنا، حيث كان العنوان الأبرز هو التعاون المغربي- الأمريكي- الإسرائيلي، الذي يعول عليه ليس فقط لحسم قضية وحدتنا الترابية، بل لإعادة التوازن الاستراتيجي في شمال إفريقيا والقارة السمراء برمتها.
ففي السنة التي نودعها استدعى المغرب، سفيرتيه لدى ألمانيا وإسبانيا، الأولى بسبب موقف برلين السلبي بشأن قضية إقليم الصحراء، ومحاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا.
أما الثانية فبسبب استضافة مدريد لزعيم عصابة «البوليساريو»، باسم مستعار ابن بطوش، مما أثار غضب المغرب. وبالفعل نجحت ديبلوماسيتنا في تدبير هذين الموقفين بكثير من الدهاء والصرامة، انتهى باستعادة العلاقة مع ألمانيا، بعدما عبرت الحكومة الألمانية الجديدة عن مواقف إيجابية من قضية وحدتنا الترابية ومبادرة الحكم الذاتي، وهو ما فتح الباب لاستئناف التعاون الثنائي وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين بالرباط وبرلين إلى شكله الطبيعي، في انتظار أن تراجع إسبانيا مواقفها الرمادية.
قبل ذلك انتزعت الديبلوماسية المغربية قرارا مرجعيا من مجلس الأمن صاغته الولايات المتحدة، يدعو إلى ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي ودائم ومقبول للنزاع على قاعدة الحكم الذاتي، ويحث المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو على استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة وبحسن نية، وهو الموقف الذي أكده الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي أعلن على الموقع الرسمي للبيت الأبيض أن النزاع حول الصحراء المغربية، هو في الحقيقة بين المغرب والجزائر وليس البوليساريو.
في السنة التي نودعها كسبت الديبلوماسية المغربية مواقف أخرى من الاتحاد الأوروبي معارضة لمحكمة العدل الأوروبية، وتعتبر أن اتفاقيات الاتحاد مع المغرب في الصحراء لا تتعارض مع القانون، وعرفت كيف تستصدر بلاغا جريئا من مجلس التعاون الخليجي مؤيدا بدون شروط للسيادة والأمن القومي المغربي، ومن جامعة الدول العربية التي اعتمدت خريطة موحدة في جميع التظاهرات التي تنظمها، مرفقة بصورة لخريطة الدول العربية، ضمت خريطة المغرب كاملة.
أما التدبير الرزين والعقلاني لملف الجارة الشرقية طيلة سنة من الهذيان، فكان فهو الأبرز لأنه أظهر للعالم حماقة النظام الجزائري وهدوء النظام المغربي، الذي اختار تجاهل الاستفزازات والاتهامات المجانية لنظام الكابرانات، والرد عليها تارة بلغة الصمت الحكيم، وتارة أخرى بالفعل الذي يجعل النظام العسكري ينفجر من شدة الحنق الذي يدخل جنرالات شنقريحة في نوبة من الحركات البهلوانية للتنفيس عن أزماتهم الداخلية والديبلوماسية.
هذه بعض غلة الحصاد الديبلوماسي خلال السنة المنتهية، وهي لا تعدو أن تكون غيضا من فيض، والأكيد أن المغرب بقيادة الملك محمد السادس وضع قطار الديبلوماسية على سكته الجديدة، التي لن توقفها حماقة دولة جار أو حملات الاستهداف لمؤسستنا السيادية.