حسّان بورقية.. من الأدب إلى سؤال التشكيل
غيثة.. والقمر (مقتطف)
(… قعدتنا هناك، تلك الظهيرة، كانت «آها» بطيئة وطويلة. قعدة تتذكرنا، نحن الثلاثة، ما زالت، إن لم أكذب. بالصدفة تتنوع المسافات وتعاد، لذلك حدثت وتحدث عادة في الذكرى التي «نحتفظ» بها، وقائع كبيرة لا ترد- التماعات، جذوات، و.. و..- تتكفل بالتعتيم.
ولأنّ الأكثر حيوية وبقاء، والأكثر تثبيتا للبقية في ذاكرتنا، هو الرّائحة والذوق، ورغم أنّهما لا يتركان أيّ أثر ملموس، فإنّ الأكبر منّا سنّا، بن بوزكري، هذا الجالس معنا الآن، سيحاول أن يستحضر وأن يتشبّه بآخر ما -ذلك الشاب الذي كأنه لم يعد. وطبيعي، في لحظة مماثلة، أن يلتقيا، أقصد ذاك الذي لا أثر له الآن، الشاب المجهول فيه، وهذا الجالس الآن، الشيخ المعلوم… وأن يمتزجا كذلك، كظلين وأدمتين غامقتين. هناك، في ما لن يعود من الزمن، تفتح نافذة في بقاع إحدى حارات مراكش التليدة والضيّقة، يفهم الإشارة، هو النازل من بني ملال- يتقدم، ويصعد السلّم، البيت المعطر، الناموسية، الدولاب الصامت، المائدة المنتظرة معهما، عطر «طابي»، صابون «بالموليف»… هل كان العمر شيئا آخر غير هذا؟…)