حسن فرج: «هكذا انطلقت قصة اختفاء والدتي والقلق بدأ بعد رسالة إلكترونية من قريبتي الألمانية»
حاوره: يونس جنوحي
- كيف تعامل المقربون منك مع خبر إطلاق سراحك؟
أغلب الأصدقاء لم يعلموا بالأمر أساسا، لم أمض إلا ليلة واحدة قيد الاعتقال، ولم تدم القصة كلها 24 ساعة كاملة. هناك من أخبرتهم بنفسي وتعجبوا، ولم يصدقوني وظنوا أني أمزح فقط. بينما الآخرون أشك في أن الخبر تناهى إلى أسماعهم.
إذا كنت تقصد الدكتور قنيدل وحارس الأمن، فقد اتصلت بهما أول ما التقطت أنفاسي في الفيلا التي وجدتها فارغة إلى درجة أن الصمت كان مفزعا بالنسبة لي.. لم أتعود أن يكون مسكني هادئا بذلك الشكل.
بقيت للحظات غير قادر على استعمال هاتفي لأن البطارية كانت غير مشحونة ويحتاج الأمر إلى وقت لكي يصبح الهاتف مؤهلا للاشتغال من جديد. أول من اتصلت به هو الدكتور قنيدل، وأخبرته أنني حر أخيرا فكان رده: «غير معقول! هل أنت جاد في كلامك؟». أي أنه لم يصدق خبر خروجي، وربما توقع أن أقبر في السجن أو تلفق لي التهمة بشكل متقن وأصبح قاتلا. طريقة جوابه كادت تفقدني صوابي، واستنتجت منها أنه ربما علم بطريقة أو بأخرى أنني أمضيت ليلة في ضيافة الدرك على خلفية قضية قتل. بما أني علمت بالأمر لأول مرة في ضيافة الدرك، فإني استبعدت أن يكون أحد على علم بالأمر على الأقل.. اتصلت بحارس الأمن وأخبرته أنني في الفيلا. كان الأمر قبل الزوال، أي في وقت مبكر من اليوم.
أمضيت المساء كله في البيت أنتظر قدومهما، لكن لم يظهر لهما أثر. ربما فضلا الابتعاد عني لفترة ما دام الأمر يتعلق بتهمة ثقيلة، رغم أنني خرجت منها سالما.
- اتصلت بوالدتك؟
بطبيعة الحال اتصلت بها مباشرة بعد الانتهاء من مكالمتي الدكتور قنيدل وحارس الأمن.
ركبت رقمها واتصلت بها وأجابت على الفور. كانت في ألمانيا.. أخبرتها أنني «حر» وقد أطلق سراحي ذلك الصباح أي أنني لم أكمل نصف يوم رهن الاعتقال. فكان ردها كالآتي: «جيد». حاولت في ذلك الاتصال أن أصحح لها الأمر، لأني عندما أخبرتها بالواقعة في طريقي إلى سطات على متن سيارة الأمن، تبرأت مني وحملتني مسؤولية «أفعالي» التي لا أعلم عنها أي شيء للأسف. في اتصالي بها بعد خروجي توقعت أن تكون مشوشة أو قلقة على مصيري لكن ذلك لم يبد من صوتها على الأقل.
اتصلت بها بالأساس لأني أحسست أني أحتاجها إلى جانبي في تلك الظروف العصيبة، لكن جوابها كان غامضا. لم تطلب أي تفاصيل رغم أني أخبرتها بأن التهمة التي وجهت لي هي «القتل» لكن رغم ذلك أطلق سراحي فور وصول رئيس الدرك. وأنهت المكالمة.
- كانت تلك هي المكالمة الأخيرة؟
حاولت الاتصال بها بعد ذلك مرات كثيرة لكنها لم تكن ترد. كنت أعتقد أنها غاضبة مني، أو أنها اختارت أن تبتعد كليا عن الجميع لفترة، واحترمت هذا الأمر. قد يبدو للآخرين أمرا غامضا، لكن طبيعة شخصية والدتي غيثة تجعلنا نتفهم هذه الأمور. لكن مع توالي الأشهر، أصبحت هواتفها خارج التغطية تماما، وهو ما جعلني أقلق على وضعها، فقررت أن أذهب إلى ألمانيا لتفقدها.
- لكن ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها والدتك إلى الانعزال بنفسها عن العالم. خلال روايتك للأحداث الكثيرة التي مرت بالعائلة منذ وفاة عبد الفتاح فرج، بدا واضحا أن غيثة كانت تنقطع عن العالم كلما تأزمت الأوضاع بينك وبين أختك..
إلا هذه المرة. كان لدي إحساس أن هناك أشياء ليست على ما يرام. قضيت الفترة الفاصلة بين استنتاج اختفائها وبين قضية جريمة القتل، شبه تائه، أحاول الحصول على تفسيرات لما يقع، وأحاول أن أقنع نفسي بأني حي أرزق، ولم أرحل بعد إلى عالم الموتى. كنت محطما تماما، بسبب كل تلك المشاكل.
- قبل أن نواصل في اختفاء والدتك.. هل فكرت في التخلي عن كل شيء مادام هذا الإرث لم يجرك إلا إلى المشاكل؟
اقتنعت بالفكرة عند وفاة والدتي وتشكيكي في طريقة وفاتها والسيناريو الذي قُدم لنا على أنه سبب الوفاة. أما قبل ذلك فلم تكن لدي فكرة للتخلي عن حقوقي. أعتبر أن الأمر يدخل في إطار الكرامة الشخصية، ويجب الدفاع عنه ضد من يريد المساس به. مسألة الصندوق الحديدي في سويسرا، لم أكن أعلم عنها كل شيء إلا بعد وفاة والدتي. لقد كانت الأمور متشابكة وغير مفهومة. أعترف دائما أن الأحداث تجاوزتني في كثير من المحطات التي كان مفترضا فيها، على الأقل، أن أفطن لما يقع حولي. لكن الأمور كانت تتجاوزني دائما. لقد أخبرتهم مرارا، بعد وفاة والدتي، أنني لا أريد أي شيء إلا معرفة حقيقة وفاتها، لأني متأكد أن لهلاكها علاقة مباشرة بالصراع حول الإرث والسباق في الوصول إلى الصندوق الحديدي.
- هل سعيت أنت إلى الوصول إليه بدورك؟
+لم أسع إليه يوما، ولا أريده. آخر ما عبرت عنه بهذا الخصوص أمام عمي عمر فرج السنة الماضية في 2014، هي أنني أخبرتهم أنني مستعد لإعادة الصندوق بكل محتوياته إلى الدولة المغربية، ما دامت تلك المحتويات ليست في ملكية عبد الفتاح فرج وإنما أخذها معه إلى الخارج. وأعيد التأكيد على هذا الأمر. لم أسع يوما إلى شيء ليس لي أو ليس من حقي الوصول إليه لأنه لا يخصني. ما أريده أن تنتهي هذه المشاكل التي كادت حياتي أن تتجمد في السجن بسببها، وكلفتنا حياة والدتي رحمها الله.
- كيف بدأت قصة اختفاء الوالدة إذن؟
بدأ كل شيء عندما اكتشفت أن وسائل الاتصال بها مقطوعة تماما. وتعزز الشك أكثر، عندما توصلت برسالة إلكترونية من ابنة خالة والدتي، وهي ألمانية، أخبرتني فيها أن أمها، متخوفة جدا على والدتي غيثة وقلقة بشأنها لأنها مختفية تماما ولم تستطع الوصول إليها هاتفيا، وسألتني إن كنت أعلم أي شيء بهذا الشأن.
جاء في رسالة قريبتي، أن والدتي لا توجد في مدينة أولم، منذ خمسة أشهر.
- أنت لم تكن تعلم مكانها بالضبط قبل خمسة أشهر من تلك الرسالة؟
لم أكن أعلم أي شيء. لم أكن أسألها وهي لم تكن تدلي بمكانها بدقة. لكني كنت متأكدا أنها لم تكن في المغرب. لأنها لو حلت بالمغرب لاستقبلها صديق العائلة، حتى لو امتنعت هي عن الاتصال بي، وسأعلم أنها في المغرب. لكن شيئا من هذا لم يقع، في الفترة التي انقطعت الاتصالات معها، من طرف أشخاص كثيرين، وليس معي وحدي.
جاوبت قريبتي بأن وتيرة الاتصالات بيني وبين والدتي أصبحت قليلة، ولم أتفصل في ذكر الأسباب.
- بماذا فسرت أنت ذلك الانقطاع في نظرك؟
فسرته بأنه راجع إلى أن والدتي لم تكن تريد الاتصال بي ربما لأنها انزعجت من قصة ابن سليمان. وأعتقد أنها فقدت ثقتها بي بعد تلك القصة، رغم أنها كانت مفبركة، ولو كانت حقيقية لما كنت حرا اليوم.
لم أخبر قريبتي أن سبب اختفاء والدتي من شقتها في «أولم» راجع إلى تراكم الضرائب عليها.
- كيف؟
كانت هناك ضرائب غير مؤداة للدولة الألمانية، ولا شك أن السلطات هناك طالبت والدتي بأدائها، فقامت بإخلاء الشقة حتى لا يزعجوها بالإشعارات والاتصالات التي تحث على أداء الضرائب. لم أرد أن أخبر قريبتي بأن هذا هو السبب الذي يجعل والدتي تخلي الشقة.
لهذه الأسباب قررت أن أرد على رسالة قريبتي بالقول إن والدتي توجد في روما الإيطالية، وأنني سأبحث عنها وسأتصل بخالتي فور حصولي على معلومات بشأن والدتي.
- ما تاريخ تلك الرسالة بالضبط؟
أرسلت لي قريبتي تلك الرسالة يوم فاتح أبريل 2013. أي 15 يوما فقط بعد قصة ابن سليمان وتورطي في القتل.
- ليست فترة طويلة.
أسبوعان. لكني على الأقل اكتشفت أن والدتي التي لم تعد ترد على مكالماتي خلال أسبوعين فقط، مختفية عن منزلها في أولم منذ 5 أشهر. هذا يعني أن الوضع مقلق فعلا. ربما أتفهم ألا ترد على المكالمات لفترة لأن هذه عادتها في أغلب الأزمات كما قلت لك، لكن أن تختفي عن منزلها لخمسة أشهر، فهذا أمر جدّي. ما أخبرت به قريبتي في الرسالة كان بهدف طمأنتها فقط وحتى لا أبدو مُتجاوزا أمام عائلة والدتي.
- ماهي أطول مدة اختفت فيها والدتك سابقا ولم تتصل بك؟
في كل المرات التي عشنا فيها حالة مشابهة، لم يكن الأمر يتجاوز شهرا، لتتصل بشكل مفاجئ وكأن شيئا لم يقع، وتحاول الاطمئنان عليّ ومعرفة آخر الأخبار. لم يحدث أبدا خلال حياتها أن قطعت اتصالها بي لأكثر من شهر. لهذا لم أقلق في الأسبوعين الأولين لعدم ردها على اتصالاتي، إلا عندما قرأت رسالة قريبتي.. لم يكن عاديا أن تختفي أمي عن شقتها في أولم لخمسة أشهر كاملة. حتى قريبتها التي لم تكن تفارقها في أغلب فترات مكوثها في ألمانيا، أصبحت عاجزة عن الوصول إليها.