حسن فرج: «هذه تفاصيل الاتصالات الأخيرة بيني وبين أمي قبل وفاتها الغامضة»
> اقتربنا الآن من الحديث عن لغز اختفاء والدتك بأشهر قبل اكتشاف وفاتها، دائما في سنة 2013. كيف عشت تفاصيل اختفائها أولا؟
انقطعت أخبارها بشكل غير عادٍ وغير متوقع.
> لكنك قلت لنا مرارا إنها كانت تدخل في عزلة أو أنها تأتي إلى المغرب دون إخبارك، وحدث أن التقيتما صدفة في الرباط دون أن تُخبرك أنها قادمة. قد لا يكون الأمر اختفاء قبل الوفاة. ما رأيك؟
بل اختفت وانقطعت أخبارها تماما. كانت عادتها أن تتصل بين الفينة والأخرى ولكنها لم تفعل. كما أن آخر اتصال بيني وبينها كان مؤثرا جدا وكانت نبرتها حزينة وقالت لي كلاما لم أفمهه، وكأنها كانت تودعني. بالإضافة إلى اتصالاتها الأخيرة مع أصدقاء العائلة، وهو أمر لم أعلمه في حينه، وسمعته منهم بعد وفاتها.
> سنأتي إلى آخر الاتصالات بينكما. لكن أولا أخبرنا كيف انتبهتم إلى اختفائها؟
كانت عادتها أن تتصل في المناسبات الدينية. حسب ما قاله لي أستاذي السابق، والذي تربطه بها صداقة متينة، لكنه لاحظ منذ مارس 2013 أنها تغيرت كثيرا. سألته كيف ذلك، فقال لي إنه ولسنوات طويلة جدا، اعتاد أن تتصل به في المناسبات الدينية وتقدم التهنئة له ولأسرته أيضا، ونفس الأمر ينطبق على صديق آخر يعمل في شركة خاصة للكهرباء، وكان يتولى إصلاح الأعطاب في الفيلا.
بالنسبة لأستاذي السابق في الموسيقى، وهو ينادي والدتي غيثة بـ»الحاجة» دائما، وكانت تحب ذلك اللقب، فقد اعتاد أن يتوصل منها برسائل تهنئة في جميع الأعياد الدينية. في سنة 2013 لاحظ أنها لم ترسل له أي رسالة، فقام بالاتصال بها، فوجد أن هاتفها غير مشغل. اتصل برقمها بالمغرب وفي ألمانيا أيضا، لكن هاتفها بقي خارج التغطية، ولم يكن أحد يرد على الاتصال في هاتف المنزل. مضت أسابيع ليتفاجأ باتصال من والدتي لتعتذر له على التأخر وتقدم له التهاني بمناسبة عيد الفطر، وتخبره أنها كانت منشغلة ولم تستطع الاتصال به لتهنئته، ثم تنقطع أخبارها من جديد..
> أخبرك بهذا المعطى في حينه؟ لم تحاول أنت الاتصال بها؟
لم يخبرني بأي شيء إلا بعد وفاتها. لم أكن ألتقيه كثيرا في الحقيقة لكنه أخبرني بهذه الأمور.
> هل كانت والدتك مختفية في المغرب أو في ألمانيا؟
في ألمانيا. غادرت المغرب للمرة الأخيرة، وقد كان معها أستاذ الموسيقى، وهو الذي أوصلها إلى المطار بنفسه. عندما التقيته بعد وفاتها، أخبرني أنه أوصلها بنفسه إلى المطار في آخر مرة زارت فيها المغرب، وودعها على أمل زيارة مقبلة كما تعودت أن تفعل لكنها لم تعد.
بالعودة إلى اتصالاتها به، فإنها كما قلت لك انقطعت عن السؤال عنه حتى في المناسبات التي اعتادت أن تهنئ فيها أصدقاءها، وعادت لتتصل بعد مدة وتعتذر. مرة أخرى اتصلت به وتحدثت معه بكثير من التحفظ وأخبرته بأنها لا تستطيع استعمال هاتفها، وودعته معتذرة بأنها يجب أن تغلق الخط فورا وأنها ستتصل به مجددا.
> ماذا تقصد بأنها لا تستطيع استعمال هاتفها؟
هذا ما أخبرَت به أستاذي السابق. وقد قال لي إنه ظن أنها مريضة مثلا، أو أنها تتلقى علاجا يستوجب ابتعادها عن استعمال الهاتف لما له من أضرار.. هذا ما ظنه كما أخبرني شخصيا. لكنه استغرب من أنها قطعت المكالمة سريعا لما سمع صوتا بالقرب منها، وأنها كانت تستعمل هاتفها بشكل سري.
> لم تطلب منه شيئا؟ لم تسأله عن شيء محدد؟
ليس في ذلك الاتصال. لقد قامت بالاتصال به مرة أخرى بعد أسابيع طويلة من انقطاع أخبارها عنه، وكانت مدة المكالمة أقصر من أي وقت مضى. يقول إن هاتفه رن، ولما أجاب اكتشف أنها «الحاجّة». ولم يكد ينتهي من عبارات الترحيب وسؤالها عن أحوالها، حتى سألته باستعجال عن حقيبة كانت تصطحبها معها إلى المطار عندما أوصلها هو شخصيا. سألته عن الحقيبة، وأخبرها أنه متأكد أنها أخذتها معها في المطار، فشكرته وأقفلت الخط لتتركه في حيرة. كانت مكالمة قصيرة جدا.
> طيب ما الذي جعله يعتقد أنها مريضة؟
ربما بسبب حالة الحزن التي كانت تعيشها. كانت ترى وضعية العائلة، وقد بدا عليها في آخر المرات التي رأيتها فيها أنها متألمة جدا للمشاكل التي أعيشها من جهة بسبب ما تعرضت له، وبسبب سوء العلاقة مع أصهاري ومشكل أختي خديجة والمشاكل التي جرتني إليها.. وعندما غادرت والدتي المغرب آخر مرة كانت متأثرة بهذه الأمور. لهذا السبب ظن أستاذي السابق أنها يمكن أن تكون خاضعة وقتها لعلاج نفسي أو برنامج علاجي صارم في عيادة.. كانت هناك فرضيات وآخرها أنها ربما تعاني من مرض في الدماغ بسبب التقدم في السن. لكن الحقيقة ألا شيء من تلك الفرضيات صحيح، كل ما هنالك أنها كانت تعيش في مخاوف وتعلم أن لعنة الإرث ستصل إليها، واختفاؤها يؤكد هذا الأمر، ثم الطريقة التي ماتت بها.
> هذه قصتها مع أستاذك السابق. ما قصة آخر اتصال لها معك أنت؟
قبل آخر اتصال. كانت عادتها السنوية ألا تتأخر أبدا في تهنئتي بعيد ميلادي. وأقول هنا إنه طوال سنوات حياتها، لم تتأخر أبدا في أي سنة عن تقديم التهنئة وتحتفل معي بعيد ميلادي. بعد 1999، عندما رفض عبد الفتاح فرج وجودي في حياته وهجرتي إلى ألمانيا، لم تكن تتأخر في الاتصال بي هاتفيا لتقديم التهنئة والمتمنيات. لكن في سنة 2013، بالضبط في بداية مارس، عيد ميلادي، تأخر اتصالها وظننت للحظات أنها ربما لن تتصل.
> كان ذلك بداية اختفائها؟
لا. كان قبل أن تختفي بفترة قصيرة. سيكون لي اتصال معها في نفس الشهر، وهو الذي سيكون آخر اتصال.
> ماذا حدث يوم ميلادك إذن؟
ما حدث أنني قلقت جدا ذلك الصباح. عادتها كانت أن تكون هي أول من يهنئني وكان الأمر يعني لي الكثير. كان القلق باديا علي، وكنت أتجول بعصبية في أرجاء الفيلا وأتساءل لماذا لم تتصل. بطبيعة الحال كان الدكتور قنيدل يسكن معي، وكان جالسا كعادته في كرسي في الصالون ويراقب تحركاتي المضطربة في انتظار اتصال الوالدة، وبما أنه لازمني فترة طويلة وعاش معي، فإنه كان يعلم جيدا سبب قلقي.
فجأة قال لي: «هل نسيت والدتك يوم وجودك؟». قالها بالفرنسية، وكان يركز في نطقه على كلمة Existence. لم يقل لي مثلا: «هل نسيت والدتك عيد أو تاريخ ميلادك؟». لكنه قال لي تاريخ وجودي. وبعد قليل على كلامه، جاءني اتصالها وقد كانت حزينة جدا، وكانت تهنئتها لي أشبه بالوصية.
> ماذا قالت لك؟
أوصتني أن أعتني بنفسي وألا أعتمد على أحد وألا أثق بأحد أيضا. وكانت متأثرة جدا، وذكرتني بكل ما عانيته في طفولتي وأخبرتني أنه جاء الوقت لأحسن حياتي وأنطلق من جديد رغم المشاكل التي أعيشها، وقدمت لي التهنئات المعتادة وأقفلت الخط.
> وآخر مكالمة بينكما؟
اتصلت بي قبل أن أتهم بارتكاب جريمة قتل بمدينة بنسليمان، وكانت تتحدث معي وكأنها تحذرني وتقول لي تحمل مسؤولية أفعالك. وقتها لم أفهم أي شيء من كلامها، وظننت أنها منفعلة أو أن أحدا ما أخبرها شيئا عني، وشككت في أن تكون أختي خديجة قد اتهمتني بشيء ما أزعج والدتي. لكنها لم تخبرني أي تفاصيل، وأكدت عليّ أن أكون حذرا وأنهت المكالمة. كان هذا آخر اتصال بيني وبينها. وعندما حاولت الاتصال بها مرارا بعد ذلك، لم تكن تجيب، وحاولت الاتصال بها في رقمها بالمغرب عسى أن تكون قد حلت في زيارة مفاجئة أو جاءت للاستجمام ولا تريد لقاء أحد، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل. إلى أن أصبح الأمر مقلقا جدا، بعد توالي أيام انقطاع أخبارها وأقرر الذهاب فورا إلى ألمانيا، وكانت وضعيتي المادية هشة جدا، وبالكاد استطعت تدبر أمر تذكرة الطائرة إلى فرنسا ثم منها استقللت القطار نحو ألمانيا ترشيدا للنفقات، ومرت عليّ أيام سوداء لأنني حللت في ألمانيا وقت الشتاء ولم يكن معي ما يكفي من المال، بالإضافة إلى أنني كنت كثير السفر بحثا عن والدتي في مراكز الشرطة والمستشفيات.
> سنصل إلى هذه التفاصيل. قبل أن تسافر إلى ألمانيا للبحث عنها.. هل اتصلت بأختك خديجة لتتبين منها سبب انقطاع أخبار أمكما؟
لا لم أتصل بها، منذ آخر اتصال لي بها عندما عادت علاقتها بزوجها إلى طبيعتها وسحبت الدعوى ضده، أخبرتها ألا تعاود الاتصال بي، وهي لن تتصل إلا إذا احتاجت خدمة ما أو واجهت مشكلة عويصة، وقلت لها إنني لن أتصل بها بدوري. وبقيت على موقفي حتى في تلك الظروف المرتبطة باختفاء والدتي ولم أقم بالاتصال بها. ولا أظنها مهتمة بمصير أمها، لقد عاشت حياتها مستقلة تماما، وتنفق المال دون تفكير. لكن تحريات الشرطة الألمانية وشهادة الجيران في «أولم» تؤكد أن خديجة رأت أمي قبل وفاتها بوقت قصير. لكني لم أتصل بها لأسمع رأيها في هذا الأمر أو الحصول منها على إفادات لأنها لن تقدم لي أي شيء.