حسن فرج: «صديق والدي قال لي احذر سيقتلونك كما قتلوا والدتك غيثة»
نفهم من كلامك السابق أن أمك عندما كانت تتصل بك خلال الخمسة أشهر السابقة لحادث اعتقالك في ابن سليمان، لم تكن في شقتها.
غادرت الشقة ولم تعد إليها، بشهادة قريبتها التي بحثت عنها طوال تلك المدة ولم تجدها في الشقة وعجزت عن الوصول إليها هاتفيا، فاتصلت بي لترى إن كنت أملك معلومات عن مكان وجود والدتي. هذا الأمر كان مقلقا، خصوصا أنني فقدت الاتصال بها خلال أسبوعين، لكن مصدر القلق هو عدم وجودها في منزلها بـ «أولم» لخمسة أشهر. الأمر استدعى أن أتوجه إلى ألمانيا للبحث عنها.
- ولكن قبل أن تسافر إلى ألمانيا، كان هناك مشكل الاتهام بجريمة القتل في مدينة ابن سليمان. رغم إطلاق سراحك، لم تخبرنا بعد كيف تطورت أحداث ذلك الاتهام..
قصة ذلك الاتهام غريبة ومضحكة. لقد عدت إليهم للحصول على المحضر كما أخبرتك سابقا، لأدلي به للطعن في شهادة التنازل الموقعة باسمي في باريس. لكني لم أتمكن من الحصول على المحضر بالسهولة التي تصورتها في السابق.
ما وقع أنني توجهت إلى مقر الدرك الملكي بابن سليمان. أخبروني هناك، بعد أن رأوا أنني متمسك بالحصول على رقم المحضر الذي قلت فيه إنني أتهم الدركيين اللذين استمعا إليّ بالضلوع في محاولة لإغراقي في جريمة قتل لا علاقة لي بها ولا أعلم عنها أي شيء. أطلعني دركي في الاستقبال على تفاصيل سجلتها لحسن حظي وأتوفر على نسخة منها.
شغلت خاصية التسجيل في هاتفي النقال، عندما كنت أستمع إلى توضيحات الدركي، ولما حاصرته بالأسئلة، اعترف لي بأن الأمر كله مسرحية، وأنهم لما رفعوا البصمات الموجودة في السيارة، وجدوا أنها تعود لشاب آخر.. هذه الأمور كلها لم تصدمني. الصدمة الكبرى كانت عندما صرّح لي هذا الدركي بأسماء بعض الأفراد من عائلة أصهاري، هم من وقفوا وراء توريط اسمي في العملية.
- وكيف لهذا الدركي أن يعترف لك بسهولة بهذه المعلومات؟ أليس الأمر غير منطقي؟
لقد أصبح موقف هؤلاء الدركيين ضعيفا أمامي لأنني أجبرتهم على تضمين الاتهامات التي وجهها إلي الدركيان داخل المحضر الذي وقعته، وطالبتهم بالحصول على رقمه. وبالتالي أصبح لدي دليل على أن اتهامات خطيرة وجهت إلي قبل مباشرة البحث، بل وقبل وقوع الجريمة، والمحامي كان شاهدا على هذا الأمر. أمام هذا الخطأ الذي تداركه رئيس الدرك وفطن إليه منذ البداية، أصبحت أملك دليل إدانة قويا ضد الدركيين اللذين وجها لي الاتهام، ويعرفان جيدا كيف تحركت ضدي مذكرة بحث قبل أن تقع الجريمة التي سأتهم فيها. وأمام تمسكي بحقي في الحصول على رقم المحضر من السلطات المختصة، لم يجد الدركي بدا من الاعتراف لي بما وقع، لكنه لم يكن يعلم أنني سجلته لأزيد من ربع ساعة شرح فيها كل شيء. وقد كان صادقا.. كيف له أن يعرف أسماء بعض الأفراد من عائلة أصهاري؟
- أخبرنا الآن عن التطور الطارئ في علاقتك بوالدتك. هل شككت في البداية في أن تكون هناك علاقة لاختفائها بموضوع الإرث؟
بطبيعة الحال، حتى قبل أن أعلم بخبر موتها. منذ الإنذار الأول الذي تلقيته من أقربائي في ألمانيا بشأن انقطاع أخبار أمي غيثة، قلت في نفسي إن هناك أمورا ربما أرغمتها على الاختفاء، أو أن هناك من يسعى لإيذائها بسبب الإرث.
- هل تعتقد أنها كانت تعلم أشياء أو تمتلك أسرارا، غير تلك التي أخبرتك بها في آخر لقاءاتكما في المغرب أو مع أستاذك السابق للموسيقى؟
الأكيد أنها كانت تعلم الكثير من الأسرار، لكني أستبعد أن تكون قد سعت يوما إلى الانفراد بالثروة لنفسها أو أن تحرم منها أحدا، أو تحاول السيطرة على جزء منها. ما لحقها كان بسبب الإرث أكيد، وأنا إلى اليوم أطالب دائما بكشف حقيقة موتها، لأني متأكد من أن له علاقة مباشرة بما وقع في الخارج من تطورات بخصوص تركة عبد الفتاح فرج ولعنة ذلك الصندوق الحديدي المغلق في سويسرا، والذي يضم أوراقا ووثائق، لا يجب أن يصل إليها أحد لأنها في ملكية الدولة المغربية. وأنا باعبتاري ابن عبد الفتاح فرج، أتفهم هذا الأمر جيدا وأقدر تماما سرية الوثائق التي أخذها عبد الفتاح، وأعلنت أنني على استعداد لإعادتها..
أؤكد أيضا أن مسألة تزوير التنازل الذي وُقع باسمي في باريس تزامن تماما مع اختفاء والدتي النهائي، ليس فقط عن شقتها في «أولم» وإنما من الحياة أيضا، لأننا سنكتشف المكان الذي ماتت فيه، وعلى جسدها آثار احتراق بسبب صعقة كهربائية، أي أن شخصا ما كان يسعى إلى الوصول إلى كل شيء، وليس من صالحه أن أكون أنا موجودا وحتى والدتي أيضا.
- هل لأختك خديجة علاقة بالأمر؟
في ذلك الوقت كانت هناك إشاعة مفادها أن خديجة توفيت حتى أنهم فتحوا بيتهم للعزاء، وبما أنها لم تتطلق من زوجها، فإن العزاء كان يُقدم في الفيلا وبوجود أصهاري.
لكني أعلم جيدا أنها كانت على قيد الحياة، لأنها شوهدت أمام شقة والدتي، قبل أن نعلم بمكان وفاتها، وقد رآها جيران أمنا في «أولم» وأفادوا بالأمر لدى الشرطة.
- هل كان الجيران يعرفون خديجة معرفة شخصية؟
أدلوا بمواصفاتها، وكنتُ حاضرا هناك لدى الاستماع إليهم، وأدلوا بمواصفات تنطبق عليها. سأعود إلى هذه التفاصيل في وقتها. المهم أن خبر وفاة خديجة في تلك الفترة نفسها لم يكن صحيحا وترويجه لم يكن بريئا. فما معنى أن تتزامن محاولة إغراقي في جريمة قتل مع اختفاء والدتي الغامض قبل أن نكتشف وفاتها في ظروف أكثر غموضا، ثم يُنظم نعي لأختي خديجة وأكتشف أنها على قيد الحياة.
- هناك من يقول إن والدتكما توفيت في ظروف طبيعية وأن للأمر علاقة بتقدمها في السن وليس كما تقول أنت الآن؟
هذا ما يحاولون قوله. ويجب أن أشير إلى أن أغلبهم علم بخبر وفاة والدتي مني شخصيا. أقصد المقربين مني، أما الآخرون فلم يكونوا معنيين بالأمر أصلا، وما آلمني أن هناك أناسا كانوا أصدقاء للعائلة والتقوا والدتي وعرفوها عن قرب، ولم يكلفوا أنفسهم عناء تقديم العزاء أو المواساة. أنا أعلم جيدا الظروف التي توفيت فيها والدتي. وفي غمرة تلك الصدمة، اتصل بي صديقها وصديق والدي والمكلف بتوزيع ثروة العائلة، مولاي عبد الله العلمي، ونصحني بأخذ الحذر وقال لي بالحرف في مكالمة لدي تسجيلها الكامل أن أكون حذرا حتى لا يقتلوني كما قتلوا أمي. كان هو الآخر يعلم أن حادث اختفاء الوالدة ثم وفاتها، لم يكن عاديا.
والدليل على أنها كانت عاجزة عن الاتصال بأحد، أن أصدقاءها المقربين هنا في المغرب لم يتلقوا أي مكالمة منها تشرح لهم فيها أسباب الاختفاء. لا أحد علم هنا بموتها إلا بعد عودتي من ألمانيا. أستاذ الموسيقى وأسرته، كان قريبا منها جدا لكنه لم يعلم بوفاتها إلا عن طريقي.
- من خلال كل ما رويته عن والدتك، بدا لنا دائما أنها كانت حذرة بطبعها. كيف يمكن أن يكون الصندوق الذي تركه زوجها سببا مباشرا في وفاتها؟
كل المؤشرات تدل على أنها توفيت بسبب الإرث. كانت هناك مساع لطي ملف موتها، وربطه بأزمات نفسية مرت بها، حتى أن هناك شهادة في ملفها الطبي تسلط الضوء على جانب صحتها النفسية في آخر أيامها. لكني متمسك بأن والدتي كانت سليمة ولا تشكو من أي شيء.
أستحضر دائما شهادة أستاذي السابق وصديقها، في آخر اتصالاتها معه، ولم تخبره وقتها بأنها غادرت شقتها ولم تخبره بأي شيء يهم وضعها، باستثناء أنها اعتذرت له مرة عن غيابها الطويل، وعادت لتتصل به مرة أخرى لتسأله عن حقيبة اصطحبتها معها في آخر زيارة لها إلى المغرب، وأقفلت الخط بسرعة. وهذا ما يؤكد أنها كانت تعيش في آخر أيامها وكأنها ملاحقة.
- بالنسبة لإفادات الشهود، بماذا تفسر شهادات الجيران الذين قالوا إن أختك خديجة زارت شقة والدتك في آخر أيامها في «أولم»؟
هذا دليل قوي على أن لها علاقة مباشرة بوفاة والدتي. أختي خديجة كانت وقتها تعاني مشاكل مادية كثيرة. ولا بد أنها ضغطت على والدتي لتحصل منها على المال وربما يكون الصندوق الحديدي من بين ما طالبت به خديجة. أنا لا أقول هذا الكلام لأغرق خديجة في دم والدتي، ولكن لأنهما الوحيدتان، حسب الوصية، اللتان لهما الحق في الاستفادة من الحسابات البنكية لعبد الفتاح فرج في الخارج، وخديجة هي الوحيدة التي تملك حق فتح الصندوق الحديدي. ربما تكون والدتي اعترضت على هذا الأمر..
كل شيء بدأ عندما استقللت الطائرة من المغرب، وذهبت إلى ألمانيا لأرى حقيقة وضع اختفاء والدتي، ونقطة بداية البحث كانت من شقتها في «أولم».