حسن فرج: «دخلت المغرب لأول مرة بعد وفاة والدي لأجد نفسي وسط دوامة الإرث ومشاكل إقامة فاخرة في إفران»
- كيف راودتك فكرة الدخول إلى المغرب للمرة الأولى بعد وفاة والدك؟
في الحقيقة لا يتعلق الأمر هنا بـ«فكرة» الدخول وإنما بالرغبة في العودة إلى المغرب. شعرت بأن مكاني ليس في أوربا وأنه يتعين علي العودة إلى بلدي. عندما توفي عبد الفتاح فرج بأشهر، عدت إلى فرنسا أولا لأنهي دراستي. وعندما انتهيت، بعد أشهر، فكرت في العودة إلى ألمانيا واستقررت في برلين لفترة.
- في شقة الدكتور قنيدل؟
نعم في شقته بالعاصمة برلين، وهناك سأعرفه أكثر. هناك علمت بشأن أسرته ومساره الدراسي. أما عن سبب توجهي إلى شقته فقد كان ماديا بالدرجة الأولى، وقد أخبرني أنه بإمكاني السكن معه، عوض أن أضيع المال في اكتراء مسكن في برلين أو في أي مكان آخر. وقدم لي نفسه هذه المرة كمساعد شخصي، وتوطدت علاقتي به أكثر.
- هل كنت مفلسا؟
ليس إلى درجة الإفلاس، كان باستطاعتي تدبر أموري، لأني كنت لا أزال أتوفر على بعض المال من خلال عملي كنادل ومساعد لبعض الوقت في فرنسا، بالإضافة إلى مبلغ متبقي مما كانت الوالدة تدعمني به، لكني أحسست بأن الأزمة كانت تقترب مني. خصوصا وأني كنت أحس خلال أيام الدراسة بأنه يصعب علي العمل ليلا والتوجه باكرا للدراسة في اليوم الموالي، لكني كنت أصبر بحكم حاجتي للمال.
استضافة الدكتور قنيدل لي بعد وفاة والدي بدت لي في البداية بريئة، لكني اكتشفت في ما بعد أنه كان يريد أن يضعني نصب عينيه حتى يتابع مشاكلنا العائلية عن كثب، خصوصا وأن الجميع كان يتساءل عن مصير ثروة عبد الفتاح فرج، وأنه يستحيل أن يرحل دون ترك أموال خلفه.
صُدمت مرة عندما سألني الدكتور قنيدل عن «صندوق حديدي». كان يطرح علي أسئلة ليعرف مدى إلمامي بالأمور، لكني في الحقيقة لم أكن أعلم أشياء كثيرة، إلى أن طرح عليّ الأمر بشكل مباشر وفاتحني في موضوع الصندوق الحديدي الذي يشكل لغزا كبيرا في ملف تركة عبد الفتاح فرج، ومحتويات الصندوق التي تبدو لي أثمن من المال. وأجبته بأنني لا أعلم أي شيء.. وبقيت الأمور على حالها.
- كانت تلك هي المرة التي علمت من خلالها بمسار قنيدل الدراسي الذي يجمع بين جامعة القرويين والتكوين العسكري ومعلومات أيضا عن أسرته وأبنائه في كندا رغم أنه كان يخبرك أنه وحيد لفترة طويلة.. ألم يكن محتاطا منك في تلك الفترة؟
نعم في تلك الفترة بالضبط. لقد اكتشفت كل تلك الأمور بالصدفة، أي أنني عرفتها دون طرح أسئلة. لقد كان ذكيا جدا، لكن بحكم أنني كنت أعيش معه وقتها في شقة واحدة، كان لا بد لي أن أعرف أمورا كثيرة. بخصوص أولاده فقد علمت بأمرهم من خلال صورة عائلية كان يخفيها بين الكتب، ومن خلال رد فعله والارتباك الذي علا وجهه، علمت أنه كان يريد إخفاء تلك الأمور عني. كما أنه كان يريد دائما إخفاء مكالماته الهاتفية عني.
- أليس من التناقض أن يدعوك للسكن معه ثم يحاول إخفاء أسراره عنك؟
كما قلت لك الدعوة كانت بهدف أن يعرف مجريات الأمور في العائلة، وعموما لم أقم طويلا في منزله، لقد استغرق الأمر شهورا قليلة فقط قبل أن أقرر العودة إلى المغرب.
- هل عاد معك الدكتور قنيدل في الفترة نفسها؟
لا لا.. قنيدل لم يدخل إلى المغرب إلا في المرة الثانية، أي ما بعد 2007. المرة الأولى التي دخلت فيها للمغرب بعد وفاة عبد الفتاح فرج، كانت بعد موته بسنة تقريبا، وكنت لوحدي، وسبب دخولي أن والدتي كانت في المغرب وخديجة أيضا، وبدأت مشاكل الإرث تطفو على السطح، وجئت لأعرف وضعي، وأيضا لأن والدتي كانت تريد أن أتواصل مع أعمامي.
- قبل أن تقرر الدخول إلى المغرب.. هل استدعتك والدتك شخصيا؟
لم تستدعني بشكل مباشر، وكان التواصل بيننا شبه منقطع، ولا أذكر أنها كانت تتصل بالدكتور قنيدل. ما دعاني إلى دخول المغرب بالدرجة الأولى هو الحنين. لم يكن سهلا أن أنقطع عن زيارة بلدي كل تلك السنوات التي عرفت فيها ظروفا صعبة للغاية، وكنت أفكر في العودة خصوصا وأنني أنهيت دراستي. كنت أحتاج إلى سماع صوت الأذان، وأن أعيد التواصل مع الناس الذين كنت أعرفهم منذ الطفولة، خصوصا الأشخاص الذين كانوا يشتغلون في الفيلا أيام طفولتي وبقوا فيها إلى آخر أيام عبد الفتاح كما علمتُ لاحقا. لقد ربطتني بهم علاقة مميزة وأمتن من علاقتي بأسرتي.
لقد ربطت علاقات مع العمال في حي السفراء أكثر من العلاقات التي ربطتها مع أبناء المسؤولين أو الوزراء ورجال الدولة الذين كانوا يسكنون في الحي نفسه. كنت أتذكر في الطفولة أنني أتسلل إلى محيط فيلا عبد الفتاح فرج، وتعرفت على عمال شركة الكهرباء الذين كانوا يأتون للصيانة وتفقد عدادات الكهرباء للإقامات الفاخرة لذلك الحي، وبعضهم لازالت تربطني بهم علاقات طيبة منذ مرحلة الطفولة إلى اليوم. والشخص الذي كان يراقب العداد في فيلا عبد الفتاح فرج، كانت تعرفه والدتي جيدا، وكانت تسأل عنه حتى وهي في ألمانيا، إلى أن توفيت هناك.
- هل شجعك الدكتور قنيدل على العودة إلى المغرب؟
نعم في الحقيقة شجعني على الذهاب إلى المغرب والوقوف على مشاكل الإرث هناك.
تدبرت أمر تذكرة السفر، ووجدت نفسي أدخل إلى المغرب لأول مرة بعدما غادرته صيف سنة 1999 دون أن أعلم يومها أن عبد الفتاح أصدر أمره بألا أعود نهائيا إلى المغرب. تأثرت كثيرا، وأحسست بأنني أعود إلى أصولي التي حرمت منها بسبب قرار عبد الفتاح قيد حياته.
- عندما جئت إلى المغرب، هل استقررت مع والدتك وأختك داخل الفيلا ذاتها؟
كان شبه استقرار، جئت إلى الفيلا التي قضيت فيها أغلب مراحل الطفولة، بينما أختي وأمي غيثة، كانتا تتنقلان بينها وبين الفيلا التي تحولت الآن إلى سفارة لدولة الإمارات.
- كيف كان أول لقاء لك بهم في المغرب؟
كان عاديا جدا. وبطبيعة الحال، خاليا من المشاعر. لم أكن أتحدث مع خديجة، والتواصل مع أمي غيثة كان بهدف معرفة مطالب أعمامي لأنها لم تكن على اتصال بهم.
كنت أسأل أمي عن الإرث، وكانت تقول إنها لا تعلم أي شيء بخصوصه، والحالة أنها كانت تخفي عني أمر الوصية التي تركها عبد الفتاح قبل موته. وكانت تريد أن تبعد نفسها عن المشاكل مع أسرة والدي لأنهم كانوا يطالبون بحقهم الشرعي، فأخبرتني أن أتصل بهم.
- هل وافقتَ؟
طبعا سأوافق. رغم أن علاقتي بهم في الحقيقة انقطعت منذ سنوات بعيدة، إلا أنني وافقت لأنني لم أكن أود الدخول في صراع مع أحد. توجهت إليهم وأخبرتهم أنني لا أتوفر على أي معلومات بخصوص إرث عبد الفتاح فرج، وأن وضعي مثلهم تماما.
- قبل ذلك.. كيف أخبرتك أمك بالأمر؟
قالت لي: حسن يجب أن تذهب إلى أعمامك وتعرف ماذا يخططون. «آشنو تحت راسهم» إن صح التعبير. ومنحتني سوارا كان يضعه عبد الفتاح فرج في معصمه، حتى آخذه معي إلى عائلة والدي، من باب استعطافهم.
ما وقع أن اللقاء لم يكن طيبا ولم تجر الأمور كما توقعتُ، وانصرفت دون أن أنجح في إقناعهم بأننا لا نتوفر على أي معلومات بخصوص الإرث. وحتى عندما رأوا السوار الذي كان يضعه عبد الفتاح فرج في معصمه، لم يعيروا أي اهتمام للأمر، وهكذا انصرفتُ، وعدت إلى أمي غيثة وأخبرتها بالأمر.
- أ كنت تعلم أنها تخفي عنك حقيقة ذلك الإرث؟
كانت لدي شكوك، خصوصا أمام الصمت المحير لأختي خديجة. وكنت أتلقى جوابا بالصد كلما سألت أمي غيثة عن الإرث ومشاكله. في إحدى الليالي، كنت مارا قرب إحدى الغرف، وسمعت أمي وخديجة تتحدثان بصوت منخفض عن «وصية» ولم أتبين تفاصيل الموضوع.
في الغد واجهت أمي، فأنكرت في البداية وجود أي وصية لتوزيع الإرث، لكن شكوكي بقيت قائمة، وأمام إلحاحي على معرفة الحقيقة، اعترفت أمي أمام أختي خديجة بأن هناك وصية فعلا تركها عبد الفتاح فرج. وفي الغد استدعت أمي السيد مولاي عبد الله العلمي، وقد كان مقربا من والدي قيد حياته، وكان حاضرا أثناء كتابة والدي لوصيته في المصحة بألمانيا، رفقة السيد Joseph Barzilai. وهذان الرجلان كانا من بين آخر من رآهم عبد الفتاح في أيامه الأخيرة، وهذا الأمر يعكس طبيعة علاقتهم الجيدة مع الأسرة عموما، ومع والدتي على الخصوص بعد وفاة عبد الفتاح.
المهم عندما جاء السيد العلمي إلى الفيلا، أخبرني ما يعرفه بأمر الوصية.
- أي أنهم وضعوك أمام الأمر الواقع..؟
نعم. أخبروني بالحقيقة، طالبتهم بإطلاعي على الوصية حتى أراها بنفسي لكنهم رفضوا رفضا قاطعا. هذه الأمور كلها وقعت سنة 2006، وأنا لم أطلع نهائيا على نسخة الوصية إلا سنة 2014، في ظروف أخرى سأحكي لك عنها في وقتها.
- هل وصلت معهم إلى الباب المسدود؟
حاولت مرارا إقناع أمي بأن القسمة يجب أن تتم وفق تعاليم الشريعة الإسلامية كما ينص على ذلك القانون، لكنها كانت تقول إن الوصية لا يمكن تجاهلها، وبالتالي لم أفلح في إقناع أحد بإعادة النظر في الوصية.
علمت أيضا أن إقامة كانت مسجلة باسمي في حياة عبد الفتاح، لكنه قام ببيعها عندما كان يهم بمغادرة المغرب، دون علمي، وقد تنازل عنها حتى يتم تسهيل خروجه من المغرب، لكنها في الحقيقة كانت في ملكيتي.
- هل سجلها باسمك؟
نعم. المهم حاولت أمي غيثة وأختي خديجة أن تصلا إلى تسوية معي، خصوصا وأنني لم أقبل أبدا أن يقسم الإرث وفق تلك الوصية التي تمنحهما كل شيء وتحرم الجميع.
قالت لي أمي إنها ستمنحني ومعها أختي خديجة بعض المال. وفعلا منحتاني مبلغا ماليا حتى لا أستمر في إزعاجهما.
كانت لدينا أيضا إقامة فاخرة في مدينة إفران، كان الملك الراحل الحسن الثاني قد منحها لوالدي عبد الفتاح فرج، وقضينا فيها بعض المناسبات في سنوات متقطعة، وكانت تجاور تماما إقامة الملك هناك، وقد منحها لوالدي حتى يكون قريبا منه، ولا أدري التفاصيل الأخرى، لكن الإقامة في الأخير كانت مسجلة باسمنا أنا وأختي خديجة.
بعد وفاة عبد الفتاح فرج، تزامن وجودي في المغرب سنة 2006، باتصال تلقته والدتي لتتلقى عرضا لبيع تلك الإقامة للقصر الملكي. عرضت علينا والدتي الأمر، وقالت لنا إن إقامة إفران يجب أن تعود إلى ملكية القصر الملكي، وأنه لم يعد لنا مكان في محيط القصر خصوصا بعد وفاة عبد الفتاح وانتهاء مهامه إلى جانب الملك الراحل. أنا وافقت على الفور لأني لم أكن أريد معارضة أحد ولم أكن أبحث عن المشاكل، لكن أختي خديجة تمسكت بتلك الإقامة ورفضت أن تبيعها.
- لماذا؟
كانت مزاجية جدا، وتظن نفسها ملكة أو أميرة، ولم تكن تريد بيع ملكية لا تفصلها إلا أمتار قليلة جدا عن الإقامة الملكية في إفران.