حسن فرج: «تخلى قنيدل عن عمله في السفارة لأجل سيدة روسية ورحلا إلى هنغاريا»
بعد الشقة الفاخرة اشتريت سيارة فاخرة أيضا، وليس لنفسك فقط ولكن للدكتور قنيدل أيضا.. ألا ترى أن هذه الهدايا «مبالغ» فيها نوعا ما؟
قد يبدو لك الأمر أنت كذلك، وللآخرين أيضا، لكن ليس بالنسبة لي. كنت أرى في الدكتور قنيدل الإنسان الذي وجدته عوضا عن العائلة رغم التوجس ورغم غموضه ورغم ما حدث بيني وبينه، إلا أنني وقتها، أي في 2007، رأيت فيه الشخص الذي يعوضني عن الحرمان العائلي الذي عشته.
وبما أنه حدث تقارب بيني وبينه، فهذا يعني أيضا بُعدا عن والدتي وأختي خديجة.. كلما اقتربت من قنيدل أبتعد عنهما.
عندما اشتريت له سيارة في ذلك اليوم الذي توجهنا فيه معا إلى محل بيع السيارات الفاخرة، لم يتوقع أن أقتني له واحدة، ورأيت أنه سرّ كثيرا.
- كانت بينك وأمك اتصالات في ذلك الوقت؟
نعم بين الفينة والأخرى نتواصل، أما أختي خديجة فلم يكن بيني وبينها أي اتصال، لكني كنت أعلم أنها تتجول في أوربا وتعيش حياتها بالطول وبالعرض لأن لديها من المال أضعاف ما تم تحويله لحسابي البنكي..
- (مقاطعا) طوال تلك الفترة ألم يتصل بك أحد لتوضيح الغموض بخصوص الجهة التي حولت المبلغ باسمك في سويسرا؟
لا أحد اتصل، وأنا من جهتي حاولت تفادي أي مشاكل، خصوصا وأن تركة عبد الفتاح فرج في المغرب كانت قد تعرضت للتجميد بفعل احتجاج أعمامي ومطالبتهم بالكشف عن الثروة الكاملة لعبد الفتاح وتقسيمها وفق ما يقتضيه الشرع.
أريد أن أوضح مسألة مهمة بخصوص إخباري بالتوجه إلى جنيف للحصول على ذلك المال. أولا اتصل بي السيد بارزيلاي، كما أخبرتك، وقال لي إنه يتعين عليّ التوجه إلى سويسرا وأخبرني بالزمان والمكان، ولكن عندما التقيت بالمدير الذي قالت لي والدتي إنه انتحر في ما بعد في ظروف لم أفهمها وبدت لي غامضة، أصر على ألا أعرف أي شيء عن الجهة التي حولت لي ذلك المال.
بحسن نية، اتصلت بالسيد «بارزيلاي»، صديق العائلة، لأشكره، مادام هو الشخص الذي أخبرني في البداية أن أتوجه إلى البنك السويسري، لكنه أنكر كل شيء، علما أنه لم تمض أكثر من 24 ساعة على آخر اتصال بيننا حيث طلب مني التوجه إلى البنك السويسري. عندما شكرته، أنكر معرفته بأي شيء، لا بالموعد ولا بالمال الذي تم تحويله لي، ووجدت نفسي أتحدث في موضوع لا يريد أحد فتحه.
- هل تظن أن المحيطين بك يعلمون الجهة التي حولت لك ذلك المال؟ أم يكونوا هم من حولوه؟
كل شيء وارد، لكني لا أظن أنهم سيعمدون إلى إخفاء الأمر، بل سيعلنونه لأني في النهاية كنت أطالب بحقي المشروع في الإرث، ولا أرى سببا يجعلهم يقومون بما قاموا به.
- هل استغل الدكتور قنيدل الهدايا التي قدمت له؟
استغل الشقة نعم، والسيارة أيضا لفترة، ثم باع كل شيء عندما قرر اعتزال عمله في السفارة والرحيل نحو هنغاريا ليستقر هناك. لقد لعبتُ دورا كبيرا في مسألة رحيله عن برلين، لكنه لن يستقر في هنغاريا مدة طويلة، ليدخل إلى المغرب لأول مرة منذ 40 سنة، أي منذ 1968 إلى سنة 2008.. دخل مفلسا وكان وضعه المادي صعبا للغاية.
- كيف يمكنك أن تقيم علاقتك به، فقط في الفترة التي حصلت فيها أنت على المال وأصبحت تعيش حياة الرفاهية؟
كنا متقاربين أكثر من أي وقت مضى، وسيزداد التقارب بيننا في المغرب، لكن بالنسبة للفترة التي سألتني عنها، فلا يمكنني أن أقول إلا أننا تقاربنا كثيرا، وكما كان هو يحوم حول موضوع تركة عبد الفتاح فرج ولغز الصندوق الحديدي ومحتوياته، كنت أنا أيضا أكتشف حياته الخاصة بالصدفة. أولا علمت بأمر البذلة العسكرية الألمانية التي كان يرتديها في الصورة، ثم بأمر أسرته التي لاحظت أنه لم يبادر إلى زيارتهم في كندا رغم أنه غادر وظيفته في السفارة ببرلين ولم يعد يعيش في ألمانيا بالمرة.. وهذه أمور لم يكن يريدني أن أطلع عليها نهائيا.
من خلال حديثه معي أجد دائما أنه كان يعلم جيدا عمّ يتحدث، ولم يكن يتحدث من فراغ أو يضع فرضيات، لقد كان يتابع قضية ثروة عبد الفتاح فرج عن كثب. وفي فترة من الفترات بدأت أشك في أنه يتعامل مع «الأجهزة» الألمانية، وسيتأكد لي هذا الأمر في المغرب.
- كيف بدأت تشك به في ألمانيا؟
أولا الصورة التي كانت مخفية بين الكتب، والتي يظهر فيها بزي عسكري ألماني. قدم لي حجة واهية وهي أن الصورة تؤرخ لاستعراض عسكري، وهو أمر غير منطقي، إذ لا يعقل أن يقوم مغربي بارتداء زي عسكري رسمي لألمانيا، وعليه العلم الألماني! علما أنه لم يكن حاصلا على الجنسية الألمانية.. رغم أنه قضى 40 سنة في ألمانيا، إلا أنه بقي مغربي الجنسية ولم يكن حاملا للجنسية الألمانية.
المسألة الثانية التي زادت في تقوية شكوكي، تعود إلى واقعة غريبة. فبعد أن اشتريت السيارة الرياضية، كنت أجربها على الطرقات، ومعروف أن ألمانيا تتوفر على طرقات تتيح سرعات غير محدودة، ويأتي إليها الناس من أماكن مختلفة من العالم لتجربة أداء محركات سياراتهم الرياضية.
كنت أظن أنني أمضي وسط تلك الطرق السريعة، إلا أنني لم أنتبه إلى أنني دخلت منطقة تكون فيها السرعة محدودة، وهكذا عندما توقفت في إحدى محطات الاستراحة، لاحظت أن شرطة المرور قد توقفوا بالقرب من سيارتي وبدؤوا يحومون حولها ويطلبون بالراديو معلومات عن ترقيمها. في الحقيقة لم أدر ما يتوجب عليّ القيام به في ذلك الوقت، فاتصلت على الفور بالدكتور قنيدل وجاء مسرعا إلى المكان، وعند وصوله تقدمت من الشرطة وبادر هو إلى الحديث إليهم ولم يستغرق الأمر إلا دقائق قليلة لينصرفوا.
- وأين يكمن شكك هنا في الدكتور قنيدل؟
لم يكن الأمر طبيعيا، لم يتحدث معهم مطولا، وأنا أعلم أن الشرطة الألمانية صارمة جدا في تطبيق القانون ولا يمكن أن ينجو أحد من الغرامة حتى لو كان وزيرا، لكن قنيدل همس للشرطي بكلمات قليلة في أذنه وغادر على الفور ليتوجه إلي قنيدل بابتسامة غامضة حتى أكمل طريقي دون حتى أن يسألني الشرطي أي شيء.
كنت متخوفا من أن يتم حجز السيارة، لذلك اتصلت به، لأنني أعلم جيدا أنني تجاوزت السرعة المسموح بها بكثير.
بعد هذا الحادث، حاولت مرارا أن أعرف منه ما دار بينه والشرطة في الطريق السيار لكنه كان دائما يجيب بابتسامة ويطوي الموضوع.
- هل كنت مرتاحا إلى نمط العيش في ألمانيا بعد حصولك على المال؟
لا بل كنت منهمكا دائما بالتفكير في المستقبل. كنت دائما أفكر في تأمين مستقبلي، وبدء الاشتغال وتوظيف المال الذي بحوزتي في مشاريع استثمارية.
والدتي لم تكن تخوض معي في هذا الموضوع إلى أن وقعت في مشاكل وتبدد المال، وبدأت تقرعني في الهاتف وتلومني وتتهمني بالتبذير رغم أنها لا تعلم أي شيء عما تعرضت له.. قبل ذلك كانت تتصل بي أو أتصل بها بين الفينة والأخرى، والحديث يكون عاديا، حيث أطمئن عليها وتطمئن عليّ. أحيانا كنا نتحدث دون حتى أن أسألها عن المكان الذي تُجري منه الاتصال، وما إن كانت في ألمانيا أو في المغرب. وعلمت لاحقا أنها جاءت إلى ألمانيا لتزور أقاربها في «أولم» وزارت برلين أيضا دون أن نلتقي، لكننا كنا على اتصال، دون أن تقحم نفسها في حياتي الخاصة أو تقترح علي طريقة مثلا لتوظيف المال الذي بحوزتي.
أختي خديجة كانت تعيش إيقاع حياة أسرع من الحياة التي كنت أعيشها، وكنت أسمع أنها كانت تسافر كثيرا وتتنقل بين المدن الأوربية بكثرة، مرة سألت عنها وعن المكان الذي توجد به فكان جوابها هو الآتي: «لا أوجد في مكان وأنا في كل مكان».
جوابا على سؤالك، لم أكن مرتاحا لنمط العيش الذي عشته في برلين، ورغم توفر المال إلا أنني كنت أفكر دائما في طريقة للاستثمار وتأمين حياتي وبدء حياة جديدة تختلف جذريا عن المآسي التي عشتها منذ الطفولة، لكني لم أتمكن من العودة إلى المغرب إلا في مارس 2007، وهناك سأفكر في الزواج. لكن قبل ذلك كنت أفكر أولا في استثمار أموالي، وحاولت بدء مشاريع تجارية في ألمانيا واقترح علي صديق الطفولة، رشيد الحرشي، أن أشتغل في مجال العقار بالمغرب لأنه مجال واعد، لكني أجلت النظر في الأمر إلى وقت لاحق، سيأتي بعد أن أتزوج، وسيجر عليّ مشاكل كثيرة سأشرحها في حينها أيضا.
لكني قبل أن أفكر في تأمين حياتي.. فكرت في تأمين حياة الدكتور قنيدل أولا.
- كيف؟
شجعته على الارتباط، لقد كنت دائما أشفق على حاله، خصوصا وأنه بدأ يتقدم في السن وقضى عقودا مغتربا ووحيدا، وقلت إن من واجبي أن أحثه على الارتباط، خصوصا وأنني منحته بعض المال وأصبحت لديه شقة باسمه وسيارة فارهة.
في إحدى الليالي توجهنا سويا إلى أحد الفنادق الفاخرة للاحتفال برأس السنة في برلين، لاحظنا وجود سيدة، بدا واضحا أنها من الأسر الروسية العريقة، انطلاقا من هيأتها، كانت تقف وحيدة في بهو الفندق، وكان الجو باردا جدا، وكانت بين الفينة والأخرى تنظر إلى ساعتها وكأنها تنتظر شخصا تأخر على الموعد..
أردت في البداية أن أمازح الدكتور قنيدل، وقلت له ما رأيك أن ندعوها للجلوس معنا ما دامت وحيدة، فضحك. قمت إليها واقترحت عليها أن تجلس معنا ما دامت لوحدها في ليلة رأس السنة، وما إن جلست معنا، حتى سرى بينهما «التيار» كما يقال وشرعا يتحدثان، وتحول ذلك العشاء إلى لقاء للتعارف بينهما ليقرر الدكتور قنيدل أن يتزوج بها بعد شهر واحد فقط من ذلك اللقاء!
- هذا يعني أنك ساهمت في زواج قنيدل الذي ظل وحيدا لأربعين سنة؟
ما شجعه على الزواج منها، أنه اكتشف أنها تعمل في وزارة الخارجية الروسية، وأنها تعيش وحيدة، مثله تماما، أي أنهما وجدا نقطا مشتركة بالجملة بينهما. وبعد شهر، كما قلت، قرر أن يتخلى عن عمله كملحق في السفارة المغربية ببرلين بعد أربعة عقود من العمل، ويبيع الشقة التي أهديته ويرحل معها إلى هنغاريا ليبدآ حياتهما هناك.
لقد تخلت هي الأخرى بدورها عن عملها في الخارجية الروسية، وقررا أن يقطنا في منطقة صغيرة وهادئة في هنغاريا، وتفتح هي متجرا صغيرا هناك وسيساعدها في الإشراف عليه.. لقد زرتهما مرات كثيرة هناك..