حسن فرج: «إخفاء المصدر الذي منحني المال كان بهدف منعي من معرفة المزيد عن ثروة والدي»
- دائما بخصوص لغز الثلاثة ملايين ونصف مليون أورو، والتي تم تحويلها إلى حساب أنشئ باسمك في سويسرا.. هل تلقت والدتك غيثة وأختك خديجة مبالغ مماثلة بالطريقة نفسها؟
لا.. أنا الوحيد الذي تلقى مالا بهذه الطريقة الغريبة. أنا متأكد من أنهما لم تتلقيا أي مبالغ مالية في بنك دون أن تعرفا الجهة التي حولتها على الأقل. لا تحتاجان أصلا إلى هذا الأمر، وكما أخبرتك فإن اللغز ظل قائما.
الدكتور قنيدل الذي فاجأني بعد سنوات وأكد لي، بعد أن وثق بي تماما، وجود الصندوق الحديدي بعد أن كان يحوم حول الموضوع فقط، هو نفسه لا يعلم أي شيء عن الجهة التي حولت لي المبلغ الضخم، واستفاد منه أيضا برغبة مني ودون ضغوطات من أحد.
- في آخر أيامها.. ألم تبح لك والدتك في اتصالاتكما الأخيرة بالمصدر الذي زودك بالمال؟
لم يحدث هذا أبدا، رغم أنني حاولت كثيرا في الحقيقة. مرة سألتها بإلحاح وطلبت منها أن ترفع اللبس المحيط بالموضوع، ولكنها لم تملك جوابا، وقالت لي: «اسأل أختك..». وتوجهت بالسؤال إلى خديجة وقالت لي: «اسأل أمك..». كلاهما أراد رمي الكرة خارج ملعبه. أعتقد أن أمي ومعها أختي لم تكونا تريداني أن أعلم أشياء إضافية..
- ماذا تقصد؟
أعتقد أن هناك فرضية في أن تكونا على علم بالمصدر الذي حول لي الثلاثة ملايين ونصف مليون أورو، لكنهما لم تريدا الخوض في الموضوع معي حتى لا أكتشف أمورا أخرى. ربما هناك حسابات بنكية أو خزانات حديدية في أبناك في أماكن أخرى من العالم، لم تريدا أن أعلم بشأنها، وقد أجد خيطا ما إن أنا علمت بالمصدر الذي فتح لي حسابا في البنك السويسري.
الصندوق الحديدي الذي خلق مشكل ثروة عبد الفتاح فرج، لم يتم فتحه، وهو سبب كل المشاكل التي وقعت..
- طيب.. نحن الآن في سنة 2007. قبل أن تقرر الدخول إلى المغرب للاستثمار كنت في برلين، والدكتور قنيدل طلّق زوجته الروسية والتحق بك هناك.. كيف عشت تلك الفترة؟
في الحقيقة لم تكن فترة طويلة، قبل أن أدخل إلى المغرب دون أن أتخلى لحظتها عن شقتي في برلين وسيارتي أيضا. أي أن وضعي المادي في الحقيقة كان ممتازا. والتحق بي الدكتور قنيدل بطبيعة الحال هو الآخر لأنه لم يتبق له أي شيء في ألمانيا.. خسر كل شيء هناك بسبب الطلاق من السيدة الروسية.
- لكن كيف عشتما في برلين أولا؟
أنا كنت أقضي وقتي في التجوال والبحث عن تحقيق مشروع الكتب القديمة في العاصمة برلين، وهو، أي قنيدل، كان يقطن معي، وكنت أتولى مسؤولية المصاريف. لم أتخلّ عنه في تلك الظروف التي مر بها.
- هناك سؤال مهم، في الحقيقة، لم نطرحه عليك إلى الآن.. هل سبق أن جلست مع أمك والدكتور قنيدل وجها لوجه.. يعني أنتم الثلاثة. دائما تتحدث عن لقاءات منفردة مع كل واحد منهما حتى في ألمانيا.
نعم.. التقينا ثلاثتنا لكن في مناسبات قليلة فقط، في برلين. مرات قليلة فقط التقيا عندي خلال الفترة التي زارتني فيها والدتي هناك سابقا. من خلال تلك اللقاءات.. كان لدي إحساس بأنها تعرف الدكتور قنيدل جيدا، وهو أيضا يعرفها. لكنهما كانا يتظاهران بأنهما لا يعرفان بعضهما البعض.
- كيف استنتجت أنهما يعرفان بعضهما؟
من طبيعة المواضيع التي كانا يتناولانها، كان هو مثلا يتحدث في مواضيع يعلم جيدا أنها تغضب والدتي، وكأنه يستفزها.. وكأن بينهما حسابا قديما. مثلا موضوع التبني المتعلق بي. أحسست أن الدكتور قنيدل لا يحب أن يثير هذا الموضوع إلا عندما تكون هي حاضرة، ويعلم جيدا أن الموضوع يحرجها ويغضبها كثيرا ولا تحب الحديث عنه، وكان هو يعلم مسبقا أنها لا تحب الخوض فيه، فيثيره كلما التقيا.
الموضوع الثاني الذي كان يغضبها، وكان يثيره دائما، هو المال. كان دائما يثير المشاكل المالية، وترد هي بالقول إنها لا تتوفر على المال، وتقول إنها تعيش فقط على مرتب تقاعد عبد الفتاح فرج وتأمين بسيط..
- وهل كان الأمر صحيحا؟
هي في الحقيقة استفادت من تقاعد زوجها كأي امرأة توفي زوجها، لكن الأكيد أنها ورثت عن عبد الفتاح فرج أموالا كثيرة. كان لديها أموال بطبيعة الحال شأنها شأن أختي خديجة.
قنيدل كان يغضبها بالخوض في هذه الأمور، وعندما كانت تصل إلى قمة الغضب كانت ترد عليه بالقول إنني يجب أن أكون شاكرا لها ولأختي خديجة لأنها منحتني المال في البداية، ولأنها اختارتني من مركز لالة مريم حتى يتبناني عبد الفتاح، وأنني بدونهما لن أعيش تلك الحياة التي كنت أعيشها..
- أفهم من كلامك أن هذا النقاش كان في السنوات الأخيرة فقط، أي بعد وفاة عبد الفتاح فرج وبروز خلافات الإرث؟
نعم في تلك الفترة بالضبط. وحتى أكمل لك.. لاحظت أنه يعرفها كثيرا وأن لقاءهما لا بد أنه يعود إلى ما قبل لقائي أنا به. الدكتور قنيدل كان يتعامل معها وكأنه يعلم عنها كل شيء. جوابها كان يثير غضب الدكتور قنيدل. أنا كنت أتفرج، وكان هو يرد على كلامها بالقول إن المال الذي حصلت عليه منها قبل بروز مشاكل الإرث، إن كان صدقة منها فيجب فعلا أن أشكرها لأنها أختي، لكن عليهما ألا تنسيا أنني أستحق لأنني أرث بموجب الشرع، وهو ما حُرمت منه أنا وأعمامي أيضا..
لم تكن تقبل أن يخوض معها هذه النقاشات وتغضب كثيرا. هكذا في آخر أيامها كانت تكره الدكتور قنيدل كثيرا.
- متى التقيا آخر مرة؟
(يصمت).. لا أستطيع تحديد التاريخ بالضبط، لكنهما التقيا سنوات بعد وفاة عبد الفتاح فرج والتطورات التي شهدتها قضية الإرث. التقيا بعد زواجي وطلاقي، بعد أن قررت الاستقرار بالمغرب. أي في آخر أيامها، لكن المناسبة بالضبط.. لا أستطيع الجزم بشأنها.
- طيب نواصل.. كيف جاء قرار دخولك إلى المغرب؟
ببساطة لأني لم أعد أطيق الحياة في برلين، وأردت أن أعود للعيش في المغرب، وأتردد على ألمانيا بين الفينة والأخرى أو أي مكان آخر في العالم، بهدف الاستكشاف فقط، وليس العيش. عدم نجاحي في تحقيق المشروع الذي حلمت به في ألمانيا، جعلني أراجع فكرة الاستقرار النهائي بها، بالإضافة إلى فشل الدكتور قنيدل في زواجه وعودته خالي الوفاض إليّ في برلين.. كلها أمور جعلتني أفكر في الدخول إلى المغرب، وبدء العمل جديا للاسقرار.. ومن هناك جاءتني فكرة تكوين أسرة.
- الأسرة كان بإمكانك تكوينها في ألمانيا.. والعمل أيضا.
لقد كانت تنقصني أشياء كثيرة هناك، أولها صوت الأذان في المساجد، والإحساس الدائم بالتيه والاغتراب. كنت أفكر دائما في العودة لارتباطي الكبير بالمغرب. القريبون مني يعلمون جيدا هذا الأمر، رغم الظروف العصيبة التي مررت بها في المغرب. لكن الحياة هناك بالنسبة لشاب في ظروفي، كانت صعبة للغاية.
- والدكتور قنيدل كيف اقتنع بالعودة إلى المغرب بعد أربعين سنة؟ أليس غريبا أن تتزامن عودته معك؟
لم نعد في اليوم نفسه. أنا عدت وحيدا، ولحق بي في ظروف خاصة به. ما جعله يعود هو الخسارة المادية التي لحقت به. هو لم يكن غبيا ليرحل مع السيدة الروسية التي ارتبط بها ويفتح متجرا في قرية صغيرة على الحدود، لقد كان يعد المشروع لأنه سمع أن جائزة كبرى للدراجات النارية تمر من هناك، وفكر في إنشاء متجر كمشروع سياحي صغير ما دامت المنطقة ستشهد رواجا بفضل ذلك النشاط الرياضي.. لكنه دخل دوامة من المشاكل الشخصية جعلته يوقف كل شيء.. هذا ما جعله يفكر في دخول المغرب، لأنه لم يتبق له أي شيء في برلين.
- أي أن الأمر لا علاقة له بقصتك..
ليس بشكل مباشر، هو اغتنم فرصة وجودي في المغرب، رغم أنني كنت أسافر بين الفينة والأخرى إلى ألمانيا وأماكن أخرى.
عندما جاء هو إلى المغرب، قال لي إنه ذهب أولا إلى الدار البيضاء لرؤية والدته وعائلته الذين لم يزرهم منذ 40 سنة إلى أن جاءت سنة 2008 ليعيد ربط الاتصال مع أصوله المغربية، وهو أمر بدا لي قاسيا. كان يتنقل بين الدار البيضاء، حيث قال إنه يقطن وقتها، والفيلا هنا في الرباط، حيث كنت أقطن أنا، ولاحظت منذ الأيام الأولى أنه كان يسعى إلى ربط الاتصال مع الذين كانوا يعملون هنا كالحارس والطباخ، ليعرف منهم ما يجري بالضبط.
كنت أوجه له السؤال: «واش جيتي تحضيني تاني؟».. وكان لا يرد بأي شيء مقنع، بل يكتفي بالضحك.
أريد هنا أن أشير إلى أن عودته إلى المغرب زادت من تضخيم مشاكله المادية، وكان يقيم هنا معي بشكل شبه دائم، ويغادر بين الفينة والأخرى.. يقول إنه ذاهب لرؤية عائلته، ثم يعود من جديد ليسكن معي.
- كيف تلقت أمك خبر رغبتك في الاستقرار نسبيا في المغرب؟
لم أخبرها في الحقيقة. هي كانت تنتقل بين الرباط و«أولم» لترى عائلتها هناك، وعندما أتيت إلى المغرب لم أجدها. دخلت في ليلة من ليالي مارس 2007. وجئت بسيارتي الرياضية إلى إسبانيا، ونزلت من الباخرة في طنجة، لأصل إلى الرباط. لم أخبر أحدا أنني قادم للعمل. دخلت إلى الرباط ليلا، وتوجهت إلى الفيلا.. وضعت سيارتي في مرأب صغير شيّد قرب المدخل، وصعدت لأنام.. كانت الفيلا خالية تماما. بعد ساعات قليلة فقط من دخولي الفيلا، استيقظت مذعورا على صوت تحطم، ظننت أن الفيلا تعرضت لهجوم وخرجت أهرول إلى الحديقة لأجد أن سقيفة المرأب الصغير قد تهدمت فوق سيارتي الرياضية الفاخرة!
- كيف؟
كان حادثا عاديا ولم يكن مفتعلا. المرأب كان قديما ومتهالكا. أتذكر وجوده هناك تحت الشمس منذ 30 سنة تقريبا، لكنه كان فألا سيئا بالنسبة لي لأنه تهدم في الليلة التي جئت فيها إلى المغرب لبدء حياة جديدة. لحسن حظي لم تصب السيارة بسوء، باستثناء بعض الخدوش الطفيفة الناجمة عن سقوط المواد الخفيفة للسقف فوق هيكل السيارة.
- في المغرب أصبحت تلتقي والدتك؟
.. تحسنت علاقتنا ربما نسبيا، وكنا نلتقي بين الفينة والأخرى. هنا لاحظتُ أنها فعلا قطعت مع حياتها السابقة وتفرغت لنفسها تماما.. لنفسها فقط ولا أحد آخر.