شوف تشوف

سري للغاية

حسن فرج”سماني والدي «الحسن» بتوصية خاصة من الحسن الثاني ولديّ وثيقة تثبت الاسم”

يونس جنوحي

لم تكن علاقتك بوالدك عبد الفتاح فرج طبيعية، وقلت إن أمك كانت تضغط عليه ليعاملك بشكل أفضل، ويتشاجران بسببك.. لكن هناك صور عائلية تجمعكم، يبدو فيها الجميع بغاية السعادة. كيف تشرح هذا التناقض؟

كل شيء كان صوريا..

هناك صور تتأبط فيها ذراع والدك.. وتبدو سعيدا، بالإضافة إلى أن عبد الفتاح يظهر مبتسما.

أشكرك على هذا السؤال. لكن أُنظر إلى الصور التي تتحدث عنها. كنا نلتقطها أمام خلفية كبيرة من الصور العائلية التي تزين الجدران. لن تجد صورة واحدة لي فيها.

كيف؟ اشرح لنا أكثر..

كان عبد الفتاح فرج يريد إخفائي. لم يكن يريد أن يعلم أحد من مقربيه أن لديه ابنا اسمه الحسن فرج. الصور التي نلتقطها سويا تكون غالبا بإلحاح من أمي.

حتى وأنت تبدو فيها سعيدا متأبطا ذراع والدك؟

الصور التي أبدو فيها متأبطا ذراعه، تكون دائما أمام جدار من الصور العائلية. أُنظر إلى كل تلك الصور المعلقة في الجدران، وستلاحظ أنه لا وجود فيها لصورة تجمعني به. صحيح أنه في سنوات طفولتي الأولى، كان يتم اصطحابنا معا، أنا وأختي خديجة، للسلام على الملك الحسن الثاني..

هذا أمر تحدثنا عنه..

وقلت لك إنني لم أكن أعرف الملك.. لكن بمجرد ما بدأت أميز الأمور، ويتشكل وعيي، قام عبد الفتاح بضرب الحصار عليّ، ولم أعد أظهر في الأماكن التي تشكل محيط عمله. وفي ما بعد قيل لي إنه لم يكن يتحدث أبدا لمحيطه، من وزراء وموظفين سامين في القصر ومحيط الملك الحسن الثاني، عن وجود ابن لديه.

طيب. أريد أن أفصل معك الحديث في مسألة اقتراح الملك الحسن الثاني على والدك أن يتبناك، حتى يستمر الاسم العائلي لعبد الفتاح فرج، كما تقول.. هلا أخبرتنا عن هذا الأمر؟

لم يكن عبد الفتاح يتحدث معي، وكانت تمر شهور طويلة قبل أن نتبادل كلمات مقتضبة، وتكون في الغالب ملاحظة سيئة منه أو تقريعا. لكني في سنوات الطفولة والدراسة كنت أتذكر أنهما، (أي والدي ووالدتي)، كانا يتشاجران بشأني. وكانت تقول له: «ماكان عليك أن تقبل».. وفي ما بعد علمت أن الحسن الثاني كان يرى أختي خديجة، وكانت في أسابيعها الأولى، واقترح على والديّ أن يحاولا تبني ولد، واقترح على والدي أن يسميه تيمنا باسمه: أي «الحسن».

من قال لك إنه تمت تسميتك تيمنا بالحسن الثاني؟

لدي ما يثبت هذا الأمر، وثيقة تحمل اسمي «الحسن»، رغم أنهم ينادونني «حسن» وكنية فرج بطبيعة الحال. والدي لم يكن يملك أن يقول لا للملك الحسن الثاني، وبالتالي جاؤوا بي إلى منزل والدي كما أخبرتك، وبدأت قصة معاناتي معه. والأحداث التي جاءت في ما بعد كشفت لي أن اسمه العائلي لم يجرّ عليّ إلا المشاكل.

طيب لنمر الآن إلى والدك عبد الفتاح، من كان يزوره في البيت الذي كبرت فيه؟

لم يكن يزوره أحد.

لا يمكن.. ألم يكن لديه أصدقاء؟ لم يكن يزوره مولاي حفيظ العلوي مثلا أو الجنرالات؟ عبد الفتاح فرج كان رجل علاقات.

كان يحيط حياته الشخصية بسور كبير من السرية، وحتى إذا حدث وزاره أحد في البيت فإن اللقاء سيكون معزولا وسريا أيضا.

هل تتذكر مثلا أنك قابلت شخصية مهمة في منزل والدك عبد الفتاح؟

لا.. كنت معزولا، حتى غرفة نومي كانت حقيرة للغاية.

رأيت عندك صورة لغرفة نوم محترمة جدا.. بدا أنها غرفتك، ولم تكن حقيرة كما تقول..

تلك كانت غرفتي في السنوات الأولى والمبكرة جدا من سن الطفولة. في ما بعد أُخرجت منها، وأصبحت أعيش في غرفة صغيرة جدا، هامشية. وكنت أثير شفقة العاملين لدينا في الفيلا، وأساتذتي أيضا، خصوصا أستاذ الموسيقى الذي كان يرى الوضع وقتها، وأصبح صديقا للعائلة في ما بعد.

لماذا كان عبد الفتاح فرج يعاملك بهذا الشكل؟

لا أعلم. شخصيته كانت كذلك، رغم أن علاقته بأختي خديجة كانت وطيدة جدا، خصوصا في سنواته الأخيرة قبل أن يموت متأثرا بالسرطان في ألمانيا.. هناك ازدادت علاقته بها توطدا.

بالمقابل.. كيف كان عبد الفتاح يعامل زوجته الألمانية؟ تزوجا عن حب، ولا شك أن علاقتهما كانت مميزة..

كانا يتشاجران بين الفينة والأخرى، بخصوص مواضيع كثيرة، من بينها موضوع المعاملة الباردة والقاسية التي كان والدي يعاملني بها.

من العادي جدا أن يتشاجر الزوجان ويتناقشا بشأن حياتهما الخاصة.. تزوجا عن حب، كيف كنت تنظر إلى زواجهما؟

صحيح أنهما تزوجا عن حب، لكن علاقتهما كانت باردة بسبب صرامتها من جهة، وبسبب صمته أيضا. أتذكر جيدا كيف أنهما لم يكونا ينامان في الغرفة نفسها، لكل واحد منهما غرفته المستقلة، وحتى المرات التي كنا نتوجه فيها كعائلة إلى مكان ما لقضاء عطلة، فإنه كان يكتب ما يريد في ورقة صغيرة كما أخبرتك.. أي أنهما حتى في العطل لم يكونا يعيشان معا كالأزواج.

هل كنتم تسافرون كثيرا كعائلة؟

لا. أغلب المرات التي سافرنا فيها كنا ثلاثتنا فقط (أنا وأمي وأختي خديجة)، وتكون الوجهة في الغالب إلى ألمانيا، في منطقة صغيرة جدا تدعى «أولم» حيث تعيش أسرة والدتي. ولم يكن عبد الفتاح يسافر معنا بحكم ظروف عمله.
أتذكر أنه في مناسبات كثيرة، من تلك المرات التي سافرنا فيها بدونه، التقانا في بهو المطار، ولم يدم لقاؤنا به إلا دقائق قليلة، لا يقول خلالها أي شيء ذا أهمية وينصرف. ولم يكن اجتماعنا به حميميا كما شأن العائلات العادية.

وماذا عن أصدقائه؟

لم يكن يريد أن يعرف أصدقاؤه أي شيء عن عائلته.

بالنسبة لأسرته الكبيرة.. أقصد إخوانه ومسقط رأسه.. كيف كانت علاقتكم بهم؟

كان يصطحبنا لرؤية والدته وإخوته. لكني لاحظت مبكرا أنه كان يقوم بالأمر مرغما، ومع تقدم السنوات، وبداية إدراكي للأمور، أيقنت أن تلك اللقاءات المتقطعة مع عائلته لم تكن إلا نفاقا اجتماعيا.

هل كان يستقبل أسرته في المنزل؟

كان يذهب إليهم حتى لا يأتوا هم إليه.

كان لديك عم، عمر فرج، يسكن قربكم في الرباط.. كيف كانت علاقة عبد الفتاح به؟

عادية.. علاقة أخ بأخيه. أعلم أنه ساعده، ولكنه كان متميزا عن إخوته الآخرين، بحكم مهنته، وقد زار عبد الفتاح في سنواته الأخيرة في ألمانيا.

سنعود إلى هذا التفصيل في حينه. أنفهم مما قلته الآن أن عبد الفتاح عاش حياته منغلقا؟ هل توافق على ما يقال بخصوص الغموض الكبير الذي ضُرب حول ثروته؟

أكيد.. غموضه لعب دورا كبيرا في هذا الأمر. كان غامضا، أقرب أصدقائه إليه لم يكن يعلم أي شيء عن أسرته الصغيرة. زوجته بدورها لم تكن تعلم أي شيء عن عمله، علما أنه كان يصطحبها للقاء الملك الحسن الثاني، وفي المناسبات التي كانت تنظم داخل القصر الملكي.

كيف علمت أنها لم تكن تعلم أسرار عمله؟

عندما توفي وجدنا أنها لم تكن تعلم أشياء كان مفروضا عليها أن تعلمها كزوجة. لكن الأمر لم يكن صادما بالنسبة لنا، لأننا نعلم يقينا أنه كان رجل أسرار، قليل الكلام.

ألم يكن أحد يأتي إليه في المنزل؟

قلت لك إن علاقاته المهنية كان يبقيها دائما خارج البيت.

ألم يأت إليه أحد بخصوص خدمة؟ أعني نحن نتحدث هنا عن سكرتير الملك، والدك شغل منصبا حساسا للغاية لسنوات طويلة. يستحيل ألا يأتي إليه أحد من أجل مصلحة أو وساطة أو تدخل حتّى.. ماذا تتذكر بهذا الخصوص؟

كان يأتيه أناس من أجل مصالحهم، لكن ليسوا أصدقاءه. كنت أراه يستمع إليهم مطولا إلى أن ينهوا سرد مشاكلهم، وينهي الجلسة ببرود ويخبرهم أن عليهم تحمل نتيجة تصرفاتهم.

هل تريد أن تقول إنه لم يكن يتدخل لأحد؟

أبدا. لم يكن يتدخل للناس الذين يأتون إليه طلبا للمعونة أو الوساطة لحل مشاكلهم. هذا الأمر جر عليه غضب إخوته أيضا، لأنه لم يقدم لهم أي مساعدة من هذا النوع.

ووالدتك؟

هي أيضا كانت تقوم بالأمر نفسه. والدتي في الحقيقة كانت ألمانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. صارمة ولا تُظهر عواطفها. كان يأتي إليها بعض الناس للغرض ذاته، لكنها كانت تنهي اللقاء، وتخبرهم بأن يتحملوا مسؤولية أفعالهم.

هناك نقطة أخرى.. كيف كانت والدتك تعامل الخدم داخل البيت؟

كانت تنظف الزجاج بنفسها وتطهو أيضا، وتقوم بأعمالها اليدوية ولا تترك هذه الأمور لأحد. لم تكن من ذلك النوع من السيدات في مثل وضعها الاعتباري بحكم أنها زوجة السكرتير الخاص بالملك الحسن الثاني.

لمست من خلال حديثك عنها أنها كانت تعاني من العزلة، هل هذا صحيح؟

نعم صحيح، لكنها كانت تفضل هذه العزلة. كانت تلتقي زوجات أصدقاء عبد الفتاح فرج بدافع الواجب فقط، لم تكن علاقتها بهم إنسانية لا قبل وفاة عبد الفتاح فرج ولا بعدها أيضا.. هي أيضا كانت معزولة ومنعزلة مثل زوجها
تماما.

هناك مسألة بخصوص محاولات عبد الفتاح أن يخفيك عن الأنظار. ألم تدرس في المدارس الخاصة التي كان يتردد عليها أبناء أصدقاء والدك أيضا؟

نعم هذا صحيح، لكني كنت أتنقل بينها بكثرة، والسبب أن عبد الفتاح لم يكن يريدني أن أنشئ علاقات مع أبناء الجنرالات وأصدقائه والذين يعملون معه في القصر.

هل كان يعطيك توجيهات بهذا الخصوص؟

لا، ولكن الأمر كان واضحا.

هل كان يسمح مثلا بأن يزورك أصدقاؤك في البيت؟

في المناسبات مثل أعياد الميلاد، خصوصا في مرحلة الطفولة. لكننا كأطفال لم نكن نعلم أي شيء عن السياسة ولا عن طبيعة عمل آبائنا. كما أن هناك أماكن أخرى، كانت تلك العائلات تقطن متقاربة فيها، من قبيل إقامة الصخيرات مثلا، التي باعها عبد الفتاح في آخر أيامه. قضينا فيها العطل الصيفية وكنت ألتقي فيها أصدقائي كابن الجنرال الحرشي.. درست أيضا مع ابنة إدريس البصري وأبناء آخرين.

ما الذي تتذكره بهذا الشأن؟

كنا متباعدين في المستوى الدراسي، لكن تجمعنا المدرسة نفسها، وتقريبا كنا نعرف بعضنا بعضا من بعيد. ولهذا السبب كان عبد الفتاح يعمل على تحويلي من مدرسة إلى أخرى كلما لمس أنني استقررت.

لم يكن يريدك أن تتواصل مع الآخرين؟

نعم بالضبط، لكنه أفسد عليّ طفولتي أيضا وحتى مراحل من مراهقتي. وكانت النتيجة أنني مزجت بين أنظمة تعليمية كثيرة، في المدرسة الأمريكية وفي النظام الفرنسي أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى