حزب الفيسبوك
هناك اليوم إشاعة مفادها أن أقوى حزب في المغرب هو حزب الفيسبوك الذي يبلغ عدد أعضائه 16 مليونا، وأنك تستطيع أن تنتزع بصفحة في الفيس ما لا يستطيع أقوى حزب بأقوى فريق برلماني أن ينتزعه من الدولة والحكومة.
إلى أي حد هذه الإشاعة صحيحة ؟
هل فعلا كل ما ينشر في فيسبوك يصدر بشكل اعتباطي وعفوي أم ثمة ماكنة سرية تضبط إيقاع ما يجب أن ينشر ومتى يجب أن ينشر ؟
قبل صعود حكومة بنكيران سنة 2011، والتي أتت بها رياح الربيع التي عصفت بالمنطقة، كان فيسبوك منبرا لكل الأصوات المغربية، إذ وجد فيه شباب هذا البلد ضالتهم في الحديث عما يشغلهم فعلا، كان هؤلاء من مختلف الإيديولوجيات وحتى بدون إيديولوجيات، وقبل فيسبوك برز عدد من المدونين والمدونات الذين خلقوا لهم قراء يتابعون من خلالهم أخبارا غير تلك التي ألفوها، وبزوايا رؤية غير معتادة، قبل أن تندحر المدونات بسبب فيسبوك وتويتر ويوتيوب أشهر المواقع الاجتماعية، والتي جعلت التدوين يتحول من التدوين المطول إلى التدوين المصغر «مايكرو بلوكينغ» وخلقت ثقافة التدوين بالصورة، والفيديو، وليس بالكلمة فقط.
مع رياح الربيع، وترويج الإعلام الغربي أن هؤلاء «الثوار الجدد» قدموا من وراء شاشات الحاسوب، فاطلقت أوصاف «الفيسبوكيين» «المدونين» و«النشطاء الرقميين» على هؤلاء الذين ألصقت بهم مبادرة إطلاق الربيع الذي اتضح أنه كان مدبرا، مع هذه الرياح بدأ اهتمام المغاربة وإعلام المغرب يزيد بفيسبوك بالضبط أكثر من تويتر الذي يعتبر منبر النخبة في دول الخليج ومصر وأمريكا مثلا، وكان فيسبوك وقتها منبرا لأصوات متعددة، وبعد صعود حكومة بنكيران حاول عدد من الوزراء والسياسيين والشخصيات، التي توصف بالعمومية، مجاراة الغرب في اقتحام هذا العالم الافتراضي وتحويله إلى وسيلة تواصل، ومنبر للتعبير عن المواقف، لكن أتباع بنكيران آثروا تحويل فيسبوك إلى منبر للصوت الواحد والوحيد، وحولوه الى أداة لتضليل الرأي العام عن أخطاء بنكيران ووزرائه، كما حولوه أيضا إلى منصة لحماية بنكيران وأداة للضغط، ورغم أن بنكيران أنكر قبيل انطلاق الحراك الفيسبوكيين ووصفهم بالأشباح وقال إنه لن يخرج في مسيرة فبراير مع أشباح، ورغم أنه أنكر بعد توليه الحكومة فيسبوك، وقال إنه لا يعرف ما هو وفي الوقت نفسه قال إنه يقول شيئا صباحا ليجد قوله ليلا مؤولا بشكل آخر على فيسبوك، وهنا نتساءل كيف يعرف بنكيران فيسبوك الذي يقول إنه لا يعرفه؟ إلا أن صفحة «فرسان الإصلاح» وإلقاء القبض على عدد من مسيريها بتهمة الإشادة بالإرهاب أخرج بنكيران وأحرجه و«جاب ليه الدوخة» حتى أنه وصف حوارييه بـ«المداويخ».
فيسبوك ما قبل حكومة بنكيران ليس هو نفسه فيسبوك ما بعد حكومة بنكيران، فالمنبر الذي كان يجمع كل الأصوات المغربية على اختلافها وكان واعدا بأنه سيتحول إلى منبر تواصل بين السياسي والمواطن، حوله حواريو بنكيران إلى منبر للون واحد هو لونهم، أسسوا له جيوشا إلكترونية تدافع عن بنكيران وحولته إلى نبي يهاجمونك إن أنت انتقدته، وينسون أن بنكيران رئيس حزب يقود الحكومة ومن حق المواطن بل من واجبه أن يراقبهم ويحاسبهم على رواتبهم التي تخرج من جيب هذا المواطن، لكن جيوش بنكيران، وأيضا إخوانه الذين تهافتوا على فيسبوك وجعلوه منبرا لهم وأحيانا كثيرة لتصفية حساباتهم ولتضليل الرأي العام، آثروا أن يتهموا كل من ينتقد بنكيران بأنه من العفاريت والتماسيح وأن يمطروا التدوينات التي تنتقد بنكيران وحزبه بتعليقات مهاجمة، ذلك أن أتباع بنكيران يعتبرون دفاعهم عن هذا الأخير على فيسبوك واجبا دينيا سيؤجرون عليه، إضافة إلى أنهم عملوا على استقطاب المغاربة غير المنتمين للحزب مستغلين الدين لجرهم إلى التعاطف معهم، وهاجموا كل من يعترضهم بل وصل الأمر إلى اتهام كل من يعترض على بنكيران بالإلحاد، وهم يعلمون جيدا أن المغاربة أغلبهم ذوو توجه محافظ وأن رمي المعارضين بالإلحاد يخرسهم ويجعل المعارضين على الحياد ويضيفهم إلى الأغلبية الصامتة التي لا تصوت والتي تعبر بصمتها عن تذمرها من فقر المشهد السياسي في المغرب ومن غياب ثقافة الحوار واحترام التنوع والاختلاف، هذا الاختلاف في الرأي والمواقف الذي لا يقبله ولا يتقبله إخوان بنكيران إلى درجة أن كل من لا يعجبهم أو يفضح أكاذيبهم أو ينتقدهم يعملون على إخراسه وإقصائه من العالم الافتراضي بالتبليغ عن حسابه لإدارة فيسبوك التي تقوم بإيقاف حساب الشخص المبلغ عنه، وهذا ما حول بالتدريج الفيسبوك المغربي الى مكان للون واحد وبطعم واحد.
الأخطر في الأمر هو بوصندالة وزير الاتصال السابق في حكومة بنكيران، الذي قاد صفقة أساءت للمشهد الإعلامي في المغرب حين أغرى المدونين بالدعم وبطاقة الصحافة وإدراجهم في خانة ما يسمى بالصحافيين الإلكترونيين مقابل إخراسهم عن انتقاد حكومة بنكيران وبالضبط عن إسلاميي الحكومة، وهو نفسه الذي هلل كثيرا لفيسبوك ولملايينه الستة عشر متناسيا أن نصف هذه الملايين التي يتحدث عنها هي حسابات وهمية بأسماء وهمية وصور وهمية.
المصيبة الأكبر هي أن الصحافة والصحافة الناطقة باسم حزب بنكيران المتنكرة في لبوس الصحافة المستقلة طبلت كثيرا لفيسبوك وحولته إلى مصدر للخبر وحولت تدوينات أصحاب بنكيران إلى مواقف سياسية، وهنا نتذكر الرميد الذي هاجم محمد حصاد في تدوينة على فيسبوك في الوقت الذي يعتبر حصاد وزيرا في نفس الحكومة التي كان فيها الرميد والذي كان يجدر به أن يناقش الأمر معه كزميل له في الحكومة لا أن يكون تصرفه صبيانيا باللجوء إلى «التشكام الفيسبوكي» والإساءة إلى الآخر من خلال حساب فيسبوكي دون أن يكون للآخر حق الرد، ما دام أنه لا يملك حسابا فيسبوكيا.
وما يجهله المواطنون في المغرب أنه في إدارة فيسبوك في أمريكا استطاع إخوان بنكيران إقناعها بأنهم أصوات صعدت بالديمقراطية ويتم اضطهادها مما يصفه إخوان بنكيران بالتحكم، وأن بكائياتهم هاته جعلت إدارة فيسبوك تحصن صفحات وحسابات انكشارية بنكيران الإلكترونية وتضعها خارج يد «السينيال» والتبليغ عنها، وبالتالي يصعب على المواطن المغربي على فيسبوك أن يحتج على ما يقوم به إخوان حزب بنكيران على فيسبوك بالتبليغ عنهم لإدارته لأنهم ببساطة استطاعوا ببكائياتهم وأكاذيبهم وادعاء المظلومية الحصول على وعد من فيسبوك بحمايتهم .
لكن في المقابل يجب ألا ننكر أن تراجع الأصوات الليبرالية واليسارية والعلمانية على فيسبوك المغرب، وضعف تواجد السياسيين المخضرمين على هذا المنبر، سمح لإخوة حزب بنكيران بالاستفراد بفيسبوك وتحويله إلى منبر لإيديولوجيتهم، حتى بات المغاربة يتوهمون خطأ أن المغرب والمغاربة ومواقف المغاربة يمثلها هؤلاء على فيسبوك.
والمصيبة أن عددا كبيرا من الصحافيين المغاربة شاركوا في هذه الجريمة التي باتت تنقل عن فيسبوك كمصدر موثوق للخبر، وشاركوا في تأليه بنكيران وأصحابه وحزبه، دون أن نتحدث عن الصحافة الإلكترونية التي قلنا ونقول إن هذا الوضع القبيح الذي تعيشه ما هو إلا نتيجة مباشرة لتلك الصفقة المشؤومة بين بوصندالة وزير بنكيران في الاتصال سابقا وبين تقنيين تحولوا بقدرة وزير إلى صحافيين.