حرية التعبير وموجة الإسفاف
زينب بنموسى
حسب آخر أرقام الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، فإن 30,6 مليون مغربي مشترك في الأنترنت، أي أن 30 مليون مغربي من أصل 36 مليونا لديهم ولوج لخدمات أنترنت تعتبر سريعة نسبيا.
في بلد آخر، بمكونات أخرى، وفي سياق مغاير من الممكن أن تكون هذه المعلومة عادية، وجيدة، وكاتبشر بالخير. ولكن ماشي عندنا!
هذه الإحصاءات التي تشير إلى ارتفاع نسبة السكان المستفيدين من خدمات الأنترنت، تشير بشكل اضطرادي إلى أن نسبة المغاربة لي غايخرجو على راسهم بسبب سوء استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في ارتفاع هي الأخرى، يشير إلى أن عدد فيديوهات روتيني اليومي سترتفع، وستتكاثر ممارسات التشهير والسب والقذف والشتم، ونشر صور الغير، وتصوير جثث الأموات، والتمثيل بأجساد ووجوه الأحياء، وإطلاق الكلام على عواهنه في التدوينات، والإخلال بالحياء العام في الفيديوهات إلى آخره من تمظهرات موجة الإسفاف المسيطرة حاليا على الويب المغربي، مما يعني أن هذا النزر الضئيل من حرية التعبير الذي تم انتزاعه على سنوات، سيقضي عليه الغباء المنتشر بين مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن منسوب العنف هو الآخر سيرتفع.
النتيجة الأولية أمام أعيننا، بعد فترة قصيرة من انخفاض أثمنة الهواتف الذكية، وجعل أثمنة الولوج إلى خدمات الأنترنت، حصلنا على شابة في مقتبل العمر تضيِّع 3 سنوات ونصف من عمرها بسبب تدوينة تحرف فيها القرآن، وأم تملك ما يكفي من «قصوحية الوجه» كي تصور جنازة طفلتها الرضيعة لحظة بلحظة بما فيها لحظة الدفن، وأبناء لا يجدون حرجا في جعل آبائهم الشيوخ بهلوانات في الستوريات، وعائلات تستمتع بنشر غسيلها الوسخ على الملأ وحل مشاكلها أمام الجمهور، ونوع جديد من الدعارة 2.0 عن طريق الروتينات اليومية، والهدف واحد ووحيد حصد المتابعات وفلوس الأدسنس.
لكن ما يحصل عليه هؤلاء في الحقيقة هو متابعات قضائية، والكثير من الشوهة والعنف.
خلاصة كل هذا العبث هي أن الجهل والفقر والهاتف الذكي لا يمكن أن تصنع إلا وحشا آدميا جشعا متجردا من الأخلاق والمشاعر ومليئا بالغباء، وأن انتشار الأنترنت في المجتمعات المتخلفة هو بمثابة انتشار للبؤس والرداءة، لأننا لسنا أهلا بعد لنعيش تحولا اجتماعيا وثقافيا مماثلا، ولا نمتلك الوعي الكافي لمعرفة كيفية استخدام الأنترنت ولا كيفية محاربة الظواهر السلبية المنتشرة فيها، ولا نعرف بحكم ثقافتنا إلا العنف سواء المادي أو المعنوي، لذلك تتم محاربة التافهين حاليا بالسينيال وأحيانا شرع اليد، رغم أنهم لا يعبرون عن ظواهر معزولة بقدر ما يعبرون عن توجه مجتمعي عام (وإلا من أين تأتي آلاف المشاهدات ومئات التعاليق التي تشجع هؤلاء على الاستمرار؟)، وبعدها ستجد الدولة نفسها مضطرة للتدخل من أجل منع الفوضى عن طريق ممارسة عنف آخر، عنف سيمس حرية التعبير بالدرجة الأولى كما يحدث في مصر التي يتزايد فيها يوما بعد يوم عدد «معتقلي الأنترنت»، وديك الساعة ما كاين لاش نوضو نبكيو حيت على نفسها جنت براقش!