شوف تشوف

الافتتاحية

حروب صغيرة

نادرا ما نجد في دولة أن الحزبين اللذين يقودان الحكومة والمعارضة على السواء، غارقان في حروب داخلية صغيرة لا يعلمان كيف يدبرانها ولا متى سينتهيان منها، ولا إلى أين ستقودهما تلك الخلافات الناشبة حول المصالح والمكاسب.
وفي كل بقاع العالم، ترتبط الصراعات الحزبية الداخلية للأحزاب الكبرى بسياق سياسي أو تنظيمي يساعد على نشوبها، وعادة ما تحدث خلال المؤتمرات الحزبية واللحظات الانتخابية وتشكيل الحكومات، أو نتيجة ضريبة السلطة، وهذا رد فعل عادي وطبيعي بل ومطلوب، لكن سرعان ما تنتهي تلك الصراعات بعد انتهاء السياقات التي تسببت فيها، وتعود الأمور إلى نصابها، إلا عندنا نحن داخل مشهدنا الحزبي المهترئ، الذي أصبح فيه الصراع الداخلي سلوكا دائما وبرنامجا سياسيا قائما بذاته، حتى أضحى تاريخ الأحزاب هو تاريخ صراعاتها وحروبها التنظيمية التي لا تنتهي.
لا تفهم طبقتنا السياسية أن أي خلاف داخل أحزابها، خصوصا إذا كانا يتصدران الأغلبية والحكومة، سيؤثر بقوة على أداء وظائفهما الدستورية، وسيتضرر من جراء ذلك المجتمع برمته وستتعطل مصالح دافعي الضرائب، لأن رئيس الحكومة أو الوزير، إن لم يجد دعما من حزبه وانهمك في حروب تنظيمية داخلية، سوف لا ننتظر منه تدبيرا جيدا للسياسات العمومية أو توفير حلول لمشاكل المواطن. لذلك، فإن أي خلافات داخلية وسط الحزب الذي يقود الحكومة سيكون لها تأثير سلبي على حقوق المواطنين، وسيكون لها أيضا تأثير على صورة السياسة في البلاد، وهي الصورة التي أصبحت مهزوزة..، فاليوم نعيش علاقة غير ودية للمجتمع مع السياسة والسياسيين.
طبعا الخلافات التي تجري داخل الحزبين القائدين للحكومة والمعارضة ليست خلافات فكرية أو مرتبطة باختلاف التقدير السياسي للمرحلة، هي خلافات براغماتية مرتبطة بالمصالح السياسية والمناصب العمومية والتنظيمية والحرب على الغنائم والمكاسب. فمن العبث أن يقتنع أحد بأن الصراع الذي يجري داخل حزب العدالة والتنمية بين تيار بنكيران وتيار العثماني، مرده إلى «بروباغندا» الموقف من قضايا المواطنين أو من مؤسسات الدولة، بل هي خلافات أفرزتها حروب الاستوزار ومن يقود الحكومة والحزب وتم تغليفها بعناية في قالب الدفاع عن الديمقراطية وحقوق المواطن ومحاربة «التحكم»، بينما كانت حكومة بنكيران أول من يبيع المواطن وحقوقه لربح بعض نفقات الدولة.
وها نحن نتابع صراع الديكة بين بنكيران، الذي يتفاخر بكون ما يحدث اليوم في ظل حكومة العثماني من تراجعات لم يحدث خلال عهده، ثم نسمع العثماني يرد عليه بأن تحرير أسعار المحروقات كان خطأ متسرعا.
والأمر نفسه بالنسبة للحروب التي يعيش على إيقاعها حزب الأصالة والمعاصرة، فهي حروب بئيسة لا تهم المواطن في شيء، بل تهم مصالح حزب ولد ليحكم، لكن القدر السياسي فرض عليه مصير البقاء في المعارضة والموت البطيء فيها.
خلاصة القول، نحن اليوم أمام صورة باهتة ومهترئة وتثير الاشمئزاز لحزبين يملكان نصف عدد نواب البرلمان، منشغلين طيلة ما يقارب السنة بمشاكلهما الداخلية على حساب المواطن. لذلك، لا يمكن أن يعول البلد الذي يعاني من قنابل اجتماعية على مثل هاته الأحزاب التي تضيع وقت المغاربة في حروب انتهازية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى