حروب الفيروسات
بعد الكوارث البشرية والاقتصادية التي أحدثها كوفيد 19 على مستوى دول العالم، ها هو فيروس جديد يطل برأسه مع بداية يناير 2025 على العالم، يشبه كورونا في الأعراض وسرعة انتشار العدوى، وسط مخاوف من انتشاره من جديد ليشل مناحي الحياة بالكوكب الصغير الذي نعيش فيه، وهواجس إجراءات الحجر الصحي والتبعات الكارثية على الصحة الجسدية والنفسية وانهيار الاقتصاد ضعيف المقاومة.
مع دخول مرحلة الأزمنة الرديئة والحروب الشرسة دون رحمة أو احترام أدنى معايير الإنسانية، يجب التحضير لأسوأ التوقعات المرتبطة بتطور الصراع الجنوني حول المصالح، وغموض مستقبل النزاعات المشتعلة بين القوى العظمى، وتسابق التسلح وتسخير العلم والمال للقتل أكبر من تسخيرهما للبحث عن سبل الحياة ومواجهة أمراض الفقر والجهل والتخلف.
كما توجد حروب تُدار بالدبابات من الجيل الجديد والطائرات الشبح وأنواع الأسلحة الفتاكة، هناك حروب الفيروسات التي تختفي إدارتها بالمختبرات السرية، ويتم توجيهها حسب الأجندات المطلوبة، وهي أشد فتكا من الجيوش الجرارة، وقادرة على تدمير البشر والاقتصاد واستسلام وانهيار أقوى المنظومات الصحية من حيث التجهيزات والجودة والتكوين والمواد البشرية.
إن حروب الفيروسات، التي كانت من الخيال العلمي في الأفلام السينمائية خلال التسعينات، أصبحت واقعا ملموسا الآن، وقدرة تدميرها تبقى أكثر من كل التوقعات وتتم بسرعة قياسية، لذلك لا مناص من تطوير المنظومة الصحية وتحديثها ما يمكن معه الاستعداد لكل الطوارئ، وتشجيع البحث العلمي وتقوية مناعة الصحة العمومية.
لقد شاهدنا كيف فاجأت المملكة المغربية العديد من شعوب العالم في مواجهتها لفيروس كوفيد 19، وتدبير أزمة الحجر الصحي والعمل على تنزيل إجراءات تعافي الاقتصاد وضمان استمرار الحياة بشكل عادي، والحصول على اللقاح بفضل العلاقات الملكية التاريخية، وهو الشيء الذي يجب الاستثمار فيه أكثر للرفع من درجة المناعة ضد حروب الفيروسات والتعامل معها علميا والرفع من التوعية والتحسيس بمخاطر الفوضى، والتعامل بحكمة مع الأحداث المتسارعة للمساهمة في تقوية الجبهة الداخلية والتشبث بالهوية خلف الملكية لربح تحديات القرن.
في حروب الفيروسات، التي تهدد صحة وحياة البشرية، يكون التسابق نحو اكتشاف اللقاح الهدف الأسمى، مع اتخاذ التدابير التي تمكنها حماية الاقتصاد وضمان التموين، والحفاظ على الأمن العام، وهو الشيء نفسه الذي ينطبق على حروب الفيروسات الإلكترونية التي يمكنها أيضا شل خدمات حساسة واختراق أنظمة معلوماتية في غاية السرية، ما يحيل على أن البقاء سيكون للأقوى مستقبلا في مجالات البحث العلمي والابتكار والفوز في السباق التكنولوجي وفي هذا يجب توجيه التنافس والنقاش العام، عوض موجات التمييع والمعارك الجانبية والهامشية التي تزيد من تعطيل العقل وركونه للتبعية والانقياد.