حروب الحلفاء
ما أن وضعت الحرب المفتوحة بين العدالة والتنمية والأحرار بعضا من أوزارها حتى انطلقت مواجهة أخرى بين الحزب الحاكم والاتحاد الاشتراكي الحليف الآخر داخل الأغلبية الهشة، التي مازال العثماني دون غيره من المغاربة يعتقد أن عافية تحالفه بخير ومستمر في العمل بكل تؤدة. المواجهة الجديدة التي انطلقت رحاها بين إدريس لشكر و”البيجيديين” الموالين لبنكيران والذين ذهب بهم الحماس إلى التهديد بفضح المستور في معاشات البرلمانيين الاتحاديين كما جاء في تدوينة خالد بوقرعي، تؤكد أننا أصبحنا أمام أغلبية تعيش يوميا على إيقاع حرب الجميع ضد الجميع، وللأسف المغاربة مجبرون على تحمل هاته التفاهات في انتظار أن يمن الله عليهم بفرج سياسي ودستوري.
الجميع يدرك أن هذه الحروب السياسية الشرسة داخل الأغلبية، التي تدور رحاها منذ 26 يناير 2012 تاريخ حصول حكومة بنكيران على التنصيب البرلماني، هي نتاج تراكمات سياسية ودستورية، فهي خليط من التسلط السياسي للحزب الحاكم ومحاولة فرض تصوره للتدبير المنفرد للسلطة التنفيذية والعمل التشريعي، وهي تعكس تناقض المرجعيات السياسية والتضارب في المصالح وغياب الثقة بين المتحالفين، فضلا عن هفوات النظام الانتخابي والأساس الدستوري الذي لا يساعد على إنتاج حكومة متجانسة يمكن التعويل عليها لتدبير شؤون العباد والبلاد. ولهذا السبب فإن الخروج من هذا المأزق السياسي لن يكون بمحاولات تغطية أشعة الشمس بالغربال أو تسويق ادعاءات كاذبة بكون التحالف منسجم ويعاني فقط من موجات التشويش الخارجية، بل بإعادة النظر في الأسباب التي جعلتنا منذ عقد نعيش تحت رحمة حكومات هجينة مشتتة.
وبطبيعة الحال لا يمكن لبلدنا أن تنال شرف تشكيل حكومات ائتلافية يربطها الكثير من أواصر التجانس السياسي دون إعادة النظر على الأقل في مجالين أساسيين. أولهما، تقييم الممارسة الدستورية بعد مرور 8 سنوات من تعاقد المغاربة على دستور 2011، وبدون شك فإن أي تقييم موضوعي سيقود إلى ضرورة مراجعة العديد من مواده، خصوصا تلك المتعلقة بتشكيل الحكومة وعلى رأسها الفصل 47 من الدستور الذي أصبح مصدر إنتاج المشاكل المعيقة للإصلاح وليس فصلا مدعما للممارسة الديمقراطية. وثانيهما، إعادة النظر في النظام الانتخابي سواء على مستوى التقطيع الانتخابي أو على مستوى نظام الاقتراع اللائحي، حيث أصبح واضحا للعيان أن النظام الانتخابي الحالي الذي نشتغل به منذ أكثر من عقدين وصل إلى درجة الإشباع وأصبح ينتج أمراضا جانبية تؤثر كثيرا على سير المؤسسات الدستورية وفعالية أدائها.
وبلا ريب، لا يمكن تجاوز الحكومات الفاشلة دون إعطاء معنى سياسي وقانوني للتحالفات الحزبية القبلية، التي ينبغي أن تنال شرف تشكيل الحكومة في حالة تصدرها للاستحقاقات الانتخابية.
غير ذلك فسنظل نسبح في النهر نفسه لمرات ومرات ونعيد تكرار نفس المشهد السياسي الرديء الذي سيقودنا يوما إلى ما لا يحمد عقباه.