أحمد مصطفى
بدأت روسيا الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، بسبب ما قالت إنها اعتداءات النازيين الجدد الأوكرانيين على سكان مناطق شرق أوكرانيا ذوي الأصول الروسية. وتداعت مواقف الغرب في دعمها لكييف وفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، على اعتبار أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يريد استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق، حيث كانت أوكرانيا خاضعة لسلطة موسكو. وبما أن الضحية الأولى في أي حرب هي الحقيقة، فلا يمكن أن يؤخذ كلام الروس، أو الأمريكيين وحلفائهم الغربيين، على عواهنه.
فالرئيس الأمريكي جو بايدن، وقبل انتخابه في عام 2020 عرض بالتفصيل استراتيجية إدارته الديمقراطية للسياسة الخارجية، وفي القلب منها وقف صعود الصين وروسيا. على أن يكون ذلك الصراع أساسا لتشكيل تحالف غربي واسع تقوده واشنطن.
ومن الصعب أيضا تصور أن القيادة الروسية من السذاجة، لأن تقع في فخ أمريكي/ غربي يستهدف وقف تطور بلادها. إنما وجدت أن «الاستكانة» ستعني أن ينفذ الأمريكيون والغرب غرضهم بإضعاف روسيا، وفي الوقت نفسه زيادة التهديد على حدودها لردعها. كل تلك المبررات والحسابات لا تلغي حقيقة أن موسكو تجد في استعادة – على الأقل – شرق أوكرانيا، رسالة ضرورية بأنها لا تتنازل في تحدي علاقتها بالغرب.
حرب أوكرانيا هي، إذاً، بالإجمال حرب استعادة: استعادة أجزاء من أوكرانيا وضمها إلى روسيا، كما حدث مع شبه جزيرة القرم في 2014، واستعادة روسيا دورا فقدته بانهيار الاتحاد السوفياتي، أو على الأقل ضمان علاقة ندية مع الغرب إن لم تتمكن من استعادة نفوذ إقليمي في أوروبا، واستعادة أمريكا مكانتها في قيادة الغرب وربما العالم.. إلى آخره.
حرب الاستعادة في أوكرانيا جددت عزم الصين على استعادة شبه جزيرة تايوان إلى «الوطن الأم». ولا شك في أن الصين منذ البداية ترى في تطورات حرب أوكرانيا استهدافا غير مباشر لها. بل إن أمريكا وحلفاءها ربما يريدون إطالة أمد الحرب، لاختبار مدى تأثير العقوبات في روسيا، ليس لخنق موسكو فقط، بل أيضا لتقدير ما سيكون عليهم فعله مع الصين في ما بعد.
تفكير الصين في استعادة تايوان لم يتوقف أبدا.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الاقتصاد الصيني الذي أصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يهدد مكانة أمريكا كصاحبة أكبر اقتصاد في العالم. وإذا استمر في النمو بمعدلات أكبر من الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، فسيزيح الولايات المتحدة من على عرش الاقتصاد الأكبر، ما ينال من مكانتها كقوة عظمى وحيدة. وفي المواجهة مع الصين حرب استباقية أمريكية/ أوروبية لمنعها من تجاوزهم اقتصاديا، أي أنها «استعادة استباقية»، إذا جاز التعبير.
ويبدو أن حروب الاستعادة تلك، شجعت آخرين على القيام بالمثل. فالتوتر الحالي على الحدود بين صربيا وكوسوفو، ينذر بحرب تستعيد فيها صربيا كوسوفو الذي ترى بلغراد أن الغرب فرض استقطاعه منها في الحرب التي شنها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في نهاية القرن الماضي.