يونس جنوحي
أزمة بين روسيا وبريطانيا ذوبتها سفيرة المملكة في موسكو، عندما تدخلت لتشرح لوزيرة الخارجية البريطانية، خلال نقاشها مع نظيرها الروسي، حول تداعيات التوتر بين روسيا وأوكرانيا.
كانت وزيرة الخارجية البريطانية تتحدث إلى الروس عن منطقة تعتبرها روسيا أرضا روسية، نشرت فيها قواتها البرية. وزير الخارجية لم يقبل بطبيعة الحال «هذا التدخل» الأجنبي في شأنه الداخلي، كما شرحت ذلك صحف روسية، قبل أن تتدخل السفيرة البريطانية في موسكو لتنقذ الموقف، وتشرح أن موضوع اللقاء بينهما أصلا لنقاش نقطة أخرى من نقاط التوتر. وبعد ذلك رأينا جميعا كيف أن التصريحات تهاطلت لتعلن بداية أزمة بين البلدين، وأن بريطانيا لن تتردد في «الرد».
ليست هذه المرة الأولى، بالنسبة للذين يعرفون مسار الخلافات بين روسيا وبريطانيا، التي يتم فيها التلويح باحتمال التدخل من خلال قوات «الناتو». لكن هذه المرة تحديدا، هناك شرارات تتطاير في الأفق قد تؤدي إلى حرب بين روسيا وأوكرانيا، بحضور قوات أجنبية.
هناك طلبة مغاربة في أوكرانيا، لا يهمهم من كل هذا السيناريو إلا أن يجدوا طائرة نحو مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، ومنه إلى حيث تقطن أسرهم التي تقشفت وغرقت في الديون، لكي ترسلهم إلى أوكرانيا للدراسة. وكل ما تبقى مجرد تفاصيل تعرض في التلفزيون، بالتزامن مع وجبة الغداء.
آخر هذه الأخبار، جاءت من لندن وليس من «كييف». بريطانيا باتت متأكدة أن العمل العسكري وشيك جدا. والموقف الرسمي المعلن، يوم أمس الاثنين، يؤكد أن بريطانيا ما زالت على موقفها الداعم لأوكرانيا، وأنها لن تتخلى عنها، حتى لو قرر الأوكرانيون عدم الانضمام إلى حلف الناتو.
الأمر يشبه درسا من دروس مادة الاجتماعيات لتلاميذ البكالوريا. لا يزال العالم يعيد الحماقات نفسها. لا أحد في القصور الرئاسية استفاد من عشرات الأفلام الوثائقية وأوراق الأرشيف، التي أوضحت وفصلت وحللت أسباب الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومدى «سخافة» بعض الأسباب التي أدت إلى فظاعات وأهوال أعنف حربين في تاريخ البشرية.
الولايات المتحدة تتابع هذا المسلسل المشوق، وأنظار العالم كلها مشدودة إلى البيت الأبيض، ليس في انتظار ما سوف يقوله «بايدن»، بل في ما سوف تُقدم عليه الولايات المتحدة في قادم الأيام.
هناك جيل كامل من البريطانيين يتابعون اليوم تصريحات وزيرة خارجية بلادهم، ويستعيدون الذكريات المؤلمة لمشاركتهم في الحرب العالمية الثانية، وكيف مات أصدقاؤهم بين أيديهم في خنادق القتال، وكيف دفع آخرون حياتهم في لحظات بطولية لكي يعيشوا هم وبقية الآخرين.
كانوا كلما رأوا سيارة فاخرة ألمانية تتجول في لندن، أو جارة ألمانية جديدة في الحي انتقلت إلى بريطانيا، لتقضي تقاعدا مريحا بعيدا عن المدن التي اشتغلت فيها سابقا، يتساءلون عن جدوى الحرب القاتلة التي خاضوها ضد الألمان، وغامروا خلالها بأرواحهم وتدربوا في الجيش على القضاء على كل ما هو ألماني. وبقيت تلك الكراهية بين الشعبين حتى مع سقوط النازية، وتبادل الطرفان النكات السمجة أحيانا، واللاذعة في الغالب في انتقاد بعضهم البعض. وفي النهاية عندما أرادت بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، صوت المسنون لصالح قرار الانسحاب، وكانوا الأغلبية، في مقابل جيل جديد لم يعش الحرب العالمية الثانية ولم يعرف أهوالها. وهذا الجيل هو الذي صوت لبقاء بريطانيا في دول الاتحاد، بحكم مصالحه المالية والمهنية في الشركات الألمانية.
في النهاية، الحرب لا تصنع سوى العاهات ولا تخلف سوى المآسي. إذا ما حدث فعلا عمل عسكري بين روسيا وأوكرانيا، فإننا سوف نكون أمام سيناريو مؤسف تتوفر فيه كل عناصر اندلاع حرب، سوف تُجر إليها جيوش دول عظمى ومؤثرة. إذ إن العالم لا يزال قادرا على إنتاج الموت، وتصديره أيضا.