حرب بالوكالة
تعيش ليبيا، هذه الأيام، على إيقاع صوت المدافع وقعقعة الأسلحة الثقيلة الرامية لفرض لغة القوة في رسم الخريطة السياسية المقبلة، مما ينذر باحتمالات الانهيار التام للتوافقات السياسية التي رعاها المغرب والأمم المتحدة. وبطبيعة الحال فإن سيادة منطق الفوضى داخل هذا البلد الشقيق يمثل لدول شمال إفريقيا، وبالأخص المغرب، مزيدا من الأعباء الأمنية، وسيكون من السذاجة اعتبار التطورات العسكرية الخطيرة التي تعرفها ليبيا بعيدة عن الأمن القومي لبلدنا، وأن التناحر بين الفصائل لن يكون له امتداد على حدودنا، فما يشهده الوضع في ليبيا من تطورات في اتجاهات غير متوقعة سيساهم بدون أدنى شك في تمدد خطر الخلايا الإرهابية وازدهار نشاط الجريمة المنظمة واتساع رقعة الاتجار بالبشر والسلاح والهجرة غير الشرعية.
إذن، من الواضح أن الوضع المقلق في هذا الجزء من الدول المجاورة يجب أن يُراقب بشكل مستمر من طرف صناع القرار الديبلوماسي والعسكري والأمني المغربي، وأن توضع لذلك الخطط الأمنية الاستباقية، للحيلولة دون أي نوع من أنواع المخاطر التي يمكن أن تصدرها ليبيا لدول الجوار.
إن ما يزيد من تفاقم الوضع في هاته البقعة من شمال إفريقيا هو وجود مصالح متضاربة بين الفصائل المتقاتلة، وهو ما يدفع كل فصيل متصارع إلى الاحتماء بدولة خارجية واستقدام الدعم الإقليمي، ما زاد من تعقد الملف وتزايد المخاوف من تفاقم الأزمة الليبية.
فما يجري من محاولة فرض الواقع السياسي بلغة السلاح من طرف الأطراف المتنازعة ومحتضنيها الخارجيين هو في العمق محاولة بعض الدول “الشقيقة” إفشال الأطروحة المغربية التي قامت منذ انهيار نظام معمر القذافي على دعم الانتقال السلمي وبناء الدولة المدنية على خيار التوافق الديبلوماسي والسياسي، بدل أطروحة حرب الجميع ضد الجميع، حيث تتحول الفصائل الليبية المتناحرة إلى أدوات في حرب بالوكالة لتنفيذ أجندة إقليمية ودولية تتسابق للظفر بخيرات البلد الغني بالثروات البترولية والغازية .
ولا يشك أحد، أن من أسباب شدة المواجهة بين اللاعبين الليبيين تتجلى في تعدُّد اللاعبين الخارجيين الذين يجعلون مربع التوافق بين الإخوة يضيق إلى أقصى الحدود، وعليه فالصراع الفرنسي القطري الإيطالي والإماراتي والسعودي الجزائري والأمريكي الروسي على بسط النفوذ في ليبيا لم يعد خافياً على أحد، وبدأ يأخذ أبعاداً خطيرة، ويبقى الخاسر الوحيد من هذا الصراع هم الليبيون أنفسهم الذين يخربون بيوتهم بأيديهم.
على أية حال، فإن ليبيا في أمس الحاجة إلى وسيط محايد مثل المغرب يعمل على التخفيف من حدة الأزمة ولديه القدرة على لعب دور مهدئ للتوتر، وليس الارتماء في أحضان دول غير مستعدة أو راغبة في انخراط هذا البلد في مسار توافقي، من شأنه أن يسد مداخل الفراغ التي تسمح لقوى أخرى بالتواجد والتأثير السلبي في بناء دولة ما بعد معمر القذافي.