بعد سنتين من توتر العلاقات التجارية بين أمريكا والصين، اعتبرت إدارة ترامب الصين أكبر خطر يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، لذلك سعت إلى تشديد الخناق على التجارة الصينية في أمريكا. كما أن القوتين دخلتا في حرب باردة أشد خطورة من الحرب التجارية من خلال تزويد أمريكا تايوان بالمزيد من المعدات العسكرية، الشيء الذي أغضب الصين باعتبارها أن تايوان مقاطعة منشقة وتتعهد بإعادة توحيدها مع البر الرئيسي بالقوة إذا لزم الأمر.
سهيلة التاور
شن ترامب حربا تجارية غير مسبوقة على الصين واتهمها بكل المشاكل التي عانى منها الأمريكيون، ومنها العجز التجاري. فمنذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين، مر الاقتصاد الأمريكي بعملية تحول صناعي لم يسبق لها مثيل، حولت البلاد من دولة مصدرة إلى مستوردة، وجعلتها تعتمد على الصين، أكبر مصنع في العالم.
واندلعت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة منذ نحو عامين وتسببت في تباطؤ الاقتصاد العالمي، وقد فاقمت جائحة «كورونا» «كوفيد – 19» من حدة الصراع التجاري بين عملاقي الاقتصاد العالمي بعد أن فتح اتفاق الجانبين في مطلع العام الجاري على تعديل الميزان التجاري بينهما والذي يميل لصالح الصين، حيث تعهدت الأخيرة بشراء سلع أمريكية المنشأ بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين القادمتين، غير أن تعثر تنفيذ الاتفاق مع توقف المبادلات التجارية على المستوى العالمي، ألغى ما اعتبره المراقبون هدنة في الحرب التجارية بينهما وعلى ضوء ذلك استأنف الرئيس الأمريكي مساعيه للضغط على الشركات الصينيّة التي بدأها بشركة هواوي في 2018.
المعركة ضد «هواوي»
أطلقت أمريكا المعركة ضد شركة «هواوي» الصينية منذ 16 ماي 2019. واختار ترامب هذا التاريخ للتوقيع على أمر تنفيذي بحظر شركة «هواوي» من بيع منتجاتها في الولايات المتحدة. واستفاد الرئيس الأمريكي من قانون صدر عام 1977، يسمح له بتنظيم التجارة وحظر بيع السلع والخدمات في الأراضي الأمريكية طالما تمثل «خطرا غير مقبول» على الأمن القومي.
وهذا القرار الخطير المتمثل في منع شركة مصنعة من بلد آخر من بيع منتجاتها، يرتبط بشكل كبير بالدور المهيمن الذي تلعبه الصين في صناعة التكنولوجيا. أوضح مثال على ذلك يتمثل في أن أكبر ثلاث شركات مصنعة للهواتف المحمولة تعتبر آسيوية الجنسية. في المقابل، تسيطر الشركات الأمريكية العملاقة الأربع -غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون- على مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات.
و في هذا السياق، أعلنت إدارة ترامب عن تشديد إضافي للقيود على شركة «هواوي» بهدف تضييق الخناق على وصولها للرقاقات المتاحة تجاريًا من دون ترخيص خاص، ومن ضمنها الرقاقات التي تصنعها الشركات الأجنبية التي تم تطويرها أو إنتاجها باستخدام برامج أو تكنولوجيا أمريكية.
وقال ويلبر روس وزير التجارة الأمريكي في بيان «عملت هواوي والشركات التابعة لها من خلال أطراف خارجية لتسخير التكنولوجيا الأمريكية بطريقة تقوّض الأمن القومي الأمريكي ومصالح السياسة الخارجية».
وتأتي هذه الخُطوة بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكي عزمه بحث حظر شركة «علي بابا» الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية، ولسبب ربما يقترب من سبب ضغطه لتصفية أعمال شركة «بايت دانس» المشغلة لتطبيق (تيك توك) وهي مخاوف بشأن سلامة البيانات الشخصيّة لمُستخدميه.
وأيضًا على غرار شركة «هواوي» حيث وضعتها وزارة التجارة الأمريكية في العام الماضي على قائمة الكيانات المحظورة بسبب ما وصفته الوزارة بالمخاوف الأمنية.
فيروس ««كورونا»«
وفي ظل أزمة فيروس ««كورونا»«، دخلت العلاقات الأمريكية-الصينية مرحلة شديدة التوتر حيث يُلقي كلا البلدين باللوم على الآخر حول انتشار الفيروس وكيفية إدارة الأزمة. وبدأت إدارة «ترامب» في التصعيد مع الجانب الصيني، من خلال حث الشركات الأمريكية على إعادة توجيه سلاسل التوريد الخاصة بها بعيدًا عن الصين.
كما اتخذت إدارة «ترامب» بعض الإجراءات الانتقامية ضد بكين، بما في ذلك تقليل مبيعات أشباه الموصلات الأمريكية إلى الصين، والحد من استخدام المعدات الصينية في شبكة الكهرباء الأمريكية، والحد من الاستثمارات في بكين من خلال خطة توفير الادخار، وهو برنامج تقاعد وادخار للموظفين الفيدراليين، فضلًا عن حظر «تشاينا تليكوم» من شبكات الاتصالات الأمريكية.
ووصل الأمر إلى أن «ترامب» وكبار مستشاريه يبحثون عن وسائل لإجبار الصين على تعويض واشنطن ماليا، عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الأمريكي بسبب الوباء. وكان من بين الأفكار المطروحة في هذا الصدد، حجب مدفوعات الفائدة لبكين على حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية، ولكن ذلك من شأنه أن يجازف بمكانة الدولار كعملة احتياطية للنظام الدولي. وتم طرح مقترح لإلغاء الحصانة السيادية للصين حتى يمكن مقاضاتها في المحاكم الأمريكية لاسترداد الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوباء، وهو أيضًا مقترح غير قابل للتطبيق نظرًا لتعارضه مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي.
الحرب الباردة
وفي خطوة أشد خطورة، يمضي البيت الأبيض قدماً بمزيد من مبيعات المعدات العسكرية المتطورة إلى تايوان، حيث تكثف الصين الضغط على الجزيرة الديمقراطية التي تزعم أنها ملكها، وهي التي حكمها نظام مناهض لبكين منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949.
فقد أبلغ مسؤولون الكونغرس، يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2020، بأن إدارة ترامب تخطط لبيع طائرات مسيرة من طراز MQ-9 ونظام صاروخي دفاعي ساحلي إلى تايوان. وهذه الصفقة المحتملة أدت إلى إثارة غضب الصين.
وإجمالي المبيعات قُدرت بنحو 5 مليارات دولار. وغالباً ما تتضمن أرقام المبيعات العسكرية الخارجية للولايات المتحدة تكاليف التدريب وقطع الغيار والرسوم ، ما يجعل من الصعب تحديد القيم.
وفي شتنبر الماضي، ما يصل إلى سبعة أنظمة أسلحة رئيسية كانت تشق طريقها إلى تايوان عبر عملية التصدير الأمريكية مع تكثيف إدارة ترامب الضغط على الصين في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية التي عقدت في 3 نونبر الماضي.
ويعد الإخطار المسبق إلى الكونغرس بشأن الطائرات بدون طيار MQ-9 من صنع شركة General Atomics هو الأول منذ أن مضت إدارة الرئيس دونالد ترامب قدماً في خطتها لبيع المزيد من الطائرات بدون طيار إلى المزيد من البلدان، من خلال إعادة تفسير اتفاقية دولية للحد من الأسلحة تسمى نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ (MTCR).
وكان الإخطار المسبق الآخر للكونغرس يوم الثلاثاء الماضي يتعلق بصواريخ هاربون الأرضية المضادة للسفن، والتي تصنعها شركة بوينغ، لتكون بمثابة صواريخ كروز للدفاع الساحلي. وقال أحد المصادر إن قرابة 100 صاروخ كروز التي تم إخطار الكونغرس بها ستكلف حوالي ملياري دولار.
وليس من المتوقع أن يعترض المشرعون الأمريكيون على مبيعات السلاح، وهم بشكل عام قلقون مما يعتبرونه عدواناً صينياً ومؤيدون لتايوان.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: «كسياسة عامة، لا تؤكد الولايات المتحدة الصفقات الدفاعية المقترحة أو عمليات النقل، ولا تعلق عليها، قبل إخطار الكونغرس رسمياً بها».
كما تم بالفعل إرسال إخطارات غير رسمية إلى الكونغرس بخصوص قاذفة صواريخ قائمة على شاحنات تُعرف باسم نظام صاروخ المدفعية عالي الحركة (HIMARS)، وصواريخ جو أرض بعيدة المدى تسمى SLAM-ER، وتقنيات استشعار خارجي لطائرات F-16 التي تسمح بنقل الصور والبيانات في الوقت الفعلي من الطائرة إلى المحطات الأرضية.
رد الصين
ومن المرجح أن تثير هذه الخطوة غضب الصين التي تعتبر تايوان مقاطعة منشقة وتتعهد بإعادة توحيدها مع البر الرئيسي بالقوة إذا لزم الأمر.
وبنبرة تهديد وغضب، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان بياناً، قال فيه إن مبيعات السلاح الأمريكية لتايوان تمس سيادة الصين وتلحق الضرر الشديد بمصالحها الأمنية، وإن بلاده تحث واشنطن على الاعتراف صراحة بالضرر الذي تتسبب فيه مبيعات السلاح، وإلغائها. مضيفاً أن «الصين ستتخذ رداً شرعياً وضرورياً وفقاً لكيفية تطور الوضع».
وتعتبر الصين تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي جزءاً من أراضيها ولا تستبعد استخدام القوة للسيطرة على الجزيرة. لكن الولايات المتحدة تعتبر تايوان حليفاً وموقعاً هاماً يحظى بالديمقراطية، ويجب تزويدها بوسائل الدفاع عن نفسها.
وقال رئيس تايوان تساي إنغ إن الحكومة ستواصل تحديث القدرات الدفاعية للجزيرة وتعزيز قدرتها على الحرب غير المتكافئة، وإنها «ستتعامل مع التوسع العسكري والاستفزاز من الجانب الآخر من مضيق تايوان». وتعمل تايوان على تصميم الحرب غير المتكافئة لجعل أي هجوم صيني صعباً ومكلفاً، على سبيل المثال، باستخدام الألغام الذكية والصواريخ المحمولة.
وتعمل بكين على تصعيد الضغط على تايوان منذ انتخاب تساي لأول مرة في عام 2016، لكنها كثفت أنشطتها منذ إعادة انتخابه في يناير الماضي.
وقالت وزارة الدفاع التايوانية إن الجيش التايواني أطلق حتى الآن في عام 2020 طائرات لاعتراض الطائرات الصينية، أكثر من ضعف معدل العام الماضي بأكمله. وفي تقرير إلى البرلمان، قالت وزارة الدفاع التايوانية إن القوات الجوية نفذت طلعات 4132 مرة حتى الآن هذا العام، بزيادة 129% مقارنة بعام 2019 بأكمله.
بينما حذر مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة روبرت أوبراين الأسبوع الماضي، الصين، من أي محاولة لاستعادة تايوان بالقوة، قائلاً إن عمليات الإنزال البرمائية صعبة للغاية كما لا يمكن توقع رد الولايات المتحدة.
وأشار أوبراين إلى أن الصين تعكف على حشد قوات عسكرية بحرية ضخمة بشكل ربما لم يحدث منذ محاولة ألمانيا منافسة البحرية البريطانية قبل الحرب العالمية الأولى. وأضاف المستشار الأمريكي: «يستهدف ذلك في جانب منه منحهم القدرة على دفعنا للخروج من غرب المحيط الهادي والسماح لهم بتنفيذ إنزال برمائي في تايوان.. المشكلة في ذلك هي أن عمليات الإنزال البرمائية صعبة للغاية»، مشيراً إلى مسافة 160 كيلومتراً بين الصين وتايوان وقلة الشواطئ الصالحة للإنزال على الجزيرة.
موقف جو بايدن
وفي إطار العلاقات التي تزداد توترا، أشار الرئيس المنتخب جو بايدن إلى أنه يدعم سياسة صارمة بشأن علاقة الولايات المتحدة مع الصين مع تأييده لفتح حوار صريح مع بكين حول قضايا مثل مكافحة فيروس «كورونا».
وقال جو بايدن إنه لن يزيل على الفور الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على الصين كما سيتّبع سياسات تستهدف «ممارسات الصين المسيئة»، مثل «سرقة الملكية الفكرية، وإغراق الولايات المتحدة بالمنتجات الصينية، والإعانات غير القانونية للشركات» وفرض قوانين جديدة تحد من «عمليات نقل التكنولوجيا» من الشركات الأمريكية إلى نظيراتها الصينية.
وشدد بايدن على الحاجة إلى تطوير إجماع من الحزبين في الداخل الأمريكي حول ملف «الصين» وتركيز جهود الحكومة الأمريكية على الاستثمارات في البحث والتطوير والبنية التحتية والتعليم التي من شأنها السماح للشركات الأمريكية بالتنافس بشكل أفضل مع الصين.