حرب المواقع بين أتباع العثماني وبنكيران
لم تضع الحرب أوزارها داخل حزب العدالة والتنمية، بين تيار الاستوزار، الذي يقوده الأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، وأتباع الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، بعد الإطاحة بهذا الأخير من قيادة الحزب في مؤتمره الأخير، وإحالته على التقاعد السياسي. وبرزت معالم استمرار هذه الحرب من خلال تصفية داخلية قوية بين الطرفين، حيث انتقلت معركة تكسير العظام بين التيارين المتصارعين إلى الجهات والأقاليم، بمحاولة كل طرف تعزيز موقعه التنظيمي على رأس الهياكل الجهوية والإقليمية للحزب، بعد سيطرة العثماني وأتباعه على جهاز الأمانة العامة، وسيطرة أتباع بنكيران على المجلس الوطني، فماذا ربح كل تيار وماذا خسر من مواقع تنظيمية؟
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
يعرف حزب العدالة والتنمية، منذ ترؤسه للولاية الحكومية السابقة، هزات تنظيمية قوية، لكن مع بداية الولاية الحكومية الحالية التي يقودها الأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، بعد عزل عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، والإطاحة به من قيادة «البيجيدي»، وصل الحزب الحاكم إلى مفترق الطرق، ما قد يهدد بانقسامه، إثر اندلاع حرب حقيقية بين أتباع بنكيران وتيار «الاستوزار»، الذي يقوده العثماني، حول المواقع التنظيمية بالكتابات الجهوية والإقليمية للحزب، بعد انطلاق المؤتمرات الجهوية التي ستليها مؤتمرات الكتابات الإقليمية والمحلية خلال الأسابيع المقبلة. ويراهن تيار الوزراء على إبعاد كل المحسوبين على بنكيران من مواقع المسؤولية التنظيمية على صعيد الجهات والأقاليم.
معركة تكسير العظام
انطلقت المؤتمرات الجهوية لحزب العدالة والتنمية، قبل أسبوعين، وستمتد طيلة شهر كامل، يتم خلالها تجديد انتخاب الكتابات الجهوية للحزب، ثم ستتبعها عملية تجديد الكتابات الإقليمية ثم مكاتب الفروع. ويراهن الأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، على هذه المؤتمرات لتطهير الحزب من إرث الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، وتقديم المقابل المقرر أن يدفعه تيار الاستوزار لمن دعموه في صراعه ضد تيار بنكيران، لأن جزءا كبيرا من حطب المعركة التي شهدها المؤتمر الأخير، كان مدفوعا بإغراء الامتيازات التي سيحصل عليها والمكاسب المادية والتنظيمية التي سيفوز بها بعد الإعدام السياسي للأمين العام السابق، وانتخاب العثماني أمينا عاما جديدا، لأن العشرات ممن رفعوا «الفيتو» في وجه التمديد لبنكيران وساهموا بقوة في رحلة الصعود السياسي لتيار الاستوزار، لم يفعلوا ذلك محبة في العثماني أو الرميد أو يتيم أو الداودي أو رباح.. بل للحصول على مقابل سياسي وتنظيمي، وخاصة التموقع في الكتابات الجهوية والإقليمية، لأن دورها سيكون حاسما في تحديد وترتيب اللوائح الانتخابية الجماعية والتشريعية المقبلة.
وبالطبع، سيؤدي «أيتام بنكيران» الفاتورة غالية، بعدما أصبحوا يشعرون بالضعف والهشاشة داخل الحزب، وفطنوا إلى خطة أتباع العثماني الهادفة إلى تتريكهم من المكاسب والامتيازات التي حصلوا عليها في عهد «زعيمهم»، وبدؤوا المعركة مبكرا، خلال أول دورة عقدها المجلس الوطني بعد المؤتمر، عندما وقفوا سدا منيعا أمام إدخال تعديل على النظام الأساسي، كان سيلغي حالة التنافي بين تحمل مسؤولية حزبية وتحمل مسؤولية انتخابية على رأس مجلس جهة أو مجلس عمالة أو إقليم، ومجالس الجماعات والمقاطعات. وبموجب هذا التعديل، كان تيار العثماني يراهن على تمكين رؤساء الجماعات من المسؤوليات الحزبية، نظرا لقوة تأثيرهم وعلاقاتهم المتشعبة مع قواعد الحزب. وخلال المؤتمرات الجهوية والإقليمية المقبلة، سيجد رؤساء الجهات والأقاليم والجماعات أنفسهم ممنوعين من تحمل أي مسؤولية حزبية.
وبدأ العثماني حرب تصفية أيتام بنكيران من معقله الانتخابي، وكان أول قرار اتخذه بعد انتخابه أمينا عاما للحزب، يتعلق بحل هياكل الحزب على مستوى إقليم المحمدية، بعدما تعذر على قيادة الحزب التوصل إلى حل للصراعات الطاحنة بين القيادات المحلية للحزب حول المناصب الانتخابية والتنظيمية، حيث ظل بنكيران، طيلة فترة تحمله مسؤولية الأمانة العامة، يدعم أتباعه في مواقعهم، ما تسبب في إشعال صراعات طاحنة بين القيادات المحلية للحزب حول المناصب والامتيازات التي توفرها لهم، نتيجة «الكولسة» والصراعات حول المناصب والتزكيات منذ الانتخابات الجماعية، وزادت حدة خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، عندما ترشح العثماني بهذه الدائرة.
وبسط تيار الاستوزار داخل حزب العدالة والتنمية سيطرته على المؤسسات الحزبية ذات العلاقة بالاستحقاقات الانتخابية، ومنها الهيئة المشرفة على تدبير عمل منتخبي الحزب بالجماعات الترابية والغرف المهنية، التي تولى رئاستها عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن، وعضو الأمانة العامة للحزب، خلفا لإدريس الأزمي الإدريسي، الذي يتولى منصب رئاسة المجلس الوطني، فيما حصل مصطفى بابا، مستشار رباح، على رئاسة اللجنة الوطنية للانتخابات، التي تتولى الإشراف على كل الاستحقاقات الانتخابية سواء الجماعية أو التشريعية، فيما خرج أتباع عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب، منهزمين من معركة المناصب على المستوى المركزي، ويراهنون على المؤتمرات الجهوية والإقليمية لتعزيز تواجدهم على مستوى التنظيمات المجالية للحزب.
«الكولسة» تحسم الصراع
بعد انعقاد المؤتمرات الجهوية لحزب العدالة والتنمية، خلال الأسبوع الماضي، بدأت تتسرب بعض المعطيات حول الكيفية التي حسمت بها معركة مناصب المسؤولية التنظيمية بالكتابات الجهوية، حيث اندلعت معركة حامية الوطيس وسط تبادل الاتهامات بـ«الكولسة» بين أتباع الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، وأعضاء الحزب الموالين لما أصبح يعرف بـ«تيار الوزراء» الذي يقوده الأمين العام الحالي، سعد الدين العثماني.
ويواجه العثماني أول زلزال تنظيمي يضرب حزب العدالة والتنمية، بعد لجوء أعضاء بالحزب إلى تقديم استقالاتهم من هياكله التنظيمية، أغلبهم محسوبون على «تيار الاستوزار»، بعد فشلهم في الحصول على مناصب بالكتابات الجهوية، وخاصة بجهات فاس- مكناس، والرباط- سلا- القنيطرة والدار البيضاء- سطات. وتحدث الغاضبون عن حملة «كولسة» قام بها الموالون لتيار بنكيران، من أجل حسم جل مناصب المسؤولية التنظيمية على مستوى الجهات، وعرفت جهة الرباط تقديم أول استقالة بعد انتخاب المستشار البرلماني، عبد العالي حامي الدين، كاتبا جهويا للحزب، قدمها عضو ديوان عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن، ونائبه الثاني بالمجلس الجماعي، عبد الحق عبروق، الذي أعلن عن تجميد عضويته بحزب العدالة والتنمية بصفة نهائية والاستقالة من الكتابة المحلية ومن عضوية فريق المستشارين للحزب بمجلس مدينة القنيطرة، ملمحا، في استقالته، إلى وجود «كولسة» في انتخاب الكتابة الجهوية للحزب بجهة الرباط- سلا- القنيطرة.
وبجهة الدار البيضاء، شكك البرلماني مصطفى الحيا، في مصداقية مسطرة انتخاب الكاتب الجهوي المقترح من طرف الأمانة العامة للحزب، محسن مفيدي، بعدما حسم المؤتمرون في أسماء ثلاثة مرشحين للمنصب عبر صناديق الاقتراع في المرحلة الأولى. واعتبر البرلماني الحيا أن ما وقع في الدار البيضاء لا يعدو أن يكون سيناريو شبيها بما وقع في روسيا. والأمر نفسه ينطبق على جهة فاس، بالرغم من الإنزال القوي الذي قام به رئيس الحكومة والأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، رفقة وزراء وأعضاء بالأمانة العامة لحزبه، تلقى تيار الاستوزار هزيمة قاسية خلال انعقاد المؤتمر الجهوي لجهة فاس- مكناس، حيث تمكن تيار عبد الإله بنكيران من الفوز بالكتابة الجهوية، بانتخاب خالد البوقرعي كاتبا جهويا للحزب، والذي كان مدعوما من طرف رئيس المجلس الوطني، إدريس الأزمي الإدريسي.
وكشفت نتائج المؤتمرات الجهوية حقيقة ما يدعيه الحزب بخصوص احترام الديمقراطية الداخلية في اختيار المرشحين لمختلف الاستحقاقات التنظيمية والانتخابية، ويسوق لنفسه على أنه الحزب الوحيد الذي يعتمد مساطر داخلية معقدة لاختيار المرشحين ومنحهم تزكية الترشح للانتخابات وكذلك لمناصب المسؤولية الحزبية، لكن تبين، من خلال الممارسة أخيرا أثناء المؤتمرات الجهوية، أن «الديمقراطية الداخلية» مجرد شعار للاستهلاك فقط، وأصبحت جل المناصب تحسم بالإنزالات وبـ«الكولسة» الداخلية، وهو ما أقر به بنكيران سابقا، عندما تحدث عن وجود صراعات حول المناصب داخل حزب العدالة والتنمية. وقال في هذا الصدد: «هناك إشكاليات وصراعات وكولسة، أصبحت تتولد داخل الحزب»، مشيرا إلى أنه في بعض المدن وقعت مشاجرات وصراعات بين أعضاء حزبه حول المقاعد والمناصب والتعويضات والسيارات والهواتف، كما تحدث عن وجود اختلالات أخلاقية وتصرفات غير مسؤولة.
وبخصوص ما وقع بالمؤتمر الجهوي لجهة الدار البيضاء- سطات، أكد نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سليمان العمراني، أن من حق «الأمانة العامة» للحزب أن تقترح على أي مؤتمر جهوي مرشحا، يُضاف إلى قائمة المرشحين، لنيل صفة كاتب جهوي. وأوضح العمراني، في تصريح نشره الموقع الرسمي للحزب، أنه يمكن الحديث في هذا الموضوع من ثلاث زوايا مختلفة، أولها الجانب القانوني، حيث إن مسطرة صادرة عن المجلس الوطني (برلمان الحزب) نصت في مادتها الرابعة على أنه «يمكن للهيئة التنفيذية الأعلى مباشرة أن تقترح مرشحا على المؤتمر، يضاف إلى لائحة المرشحين المحتفظ بهم»، مؤكدا أن الأمانة العامة من حقها أن تقترح على المؤتمر الجهوي مرشحا، يضاف اسمه إلى لائحة المرشحين الذين حصلوا على نسبة 10 في المائة على الأقل من الأصوات»، ويكون مرشّح الأمانة العامة على غرار باقي المرشحين، مشمولا بالتداول، بحيث قد يحظى بثقة المؤتمرين، وقد لا يحظى بها»، مؤكدا أن «الأمانة العامة بموجب تلك المسطرة» لا تملك أن تُعين كاتبا جهويا بل إن حقها لا يتجاوز حدود الترشيح، والمؤتمر هو صاحب الحق في الانتخاب أو عدمه».
وأوضح العمراني أنه إذا كان هذا حقا كفله قانون الحزب للأمانة العامة، بناء على المسطرة المذكورة، فإن هذه الأخيرة استعملت هذا الحق مرة واحدة، في حالة الكاتب الجهوي للحزب بجهة الدار البيضاء- سطات، في حين أحجمت عن استعماله في باقي المؤتمرات التي مرت إلى حدود الآن، مشيرا إلى أنها قد لا تلجأ إلى استعماله في باقي المؤتمرات الجهوية المقبلة، لكن، بالمقابل، يضيف العمراني: «لماذا امتنعت الأمانة العامة عن استعمال هذا الحق في جهة فاس- مكناس وفي جهة سوس- ماسة وفي جهة العيون- الساقية الحمراء؟»، قبل أن يجيب بأن «القاعدة العامة هي أن رؤساء المؤتمرات الجهوية من أعضاء الأمانة العامة يتركون للمؤتمرين الجهويين كامل الحرية في اختيار الكاتب الجهوي ولا يستعملون في الغالب حقهم في التداول لترجيح مرشح على آخرين»، مؤكدا أن «الهيئة القيادية العليا الأعلى مسؤوليةً في الحزب أمام المؤتمر الوطني والمجلس الوطني، عن تسيير الحزب، خصوصا على المستوى المجالي هي الأمانة العامة، لذلك من حقها أن يكون لها تقدير مؤسساتي معين في جهة ما، بحيث قد يبدو لها في جهة من الجهات، – كما هو الشأن بالنسبة للدار البيضاء- سطات – أن هناك شخصية أكثر أهلية لتحمل مهمة الكاتب الجهوي، ومسؤولية قيادة عمل الحزب على مستوى تلك الجهة».
بنكيران ممنوع من الكلام
قبل التوقيع على ميثاق الأغلبية المشكلة للحكومة، عقد الأمناء العامون لأحزاب التحالف اجتماعا بمنزل رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، التزم خلاله هذا الأخير، بمنع رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، من إلقاء كلمات داخل الأنشطة الرسمية التي تنظمها مؤسسات حزب العدالة والتنمية والمنظمات الموازية التابعة له.
وجاء قرار العثماني، حسب المصادر ذاتها، بعدما تحفظ على إصدار بلاغ استنكاري باسم هيئة الأغلبية للتصريحات التي أدلى بها بنكيران في مؤتمر شبيبة حزبه، وذلك تفاديا لإحراجه رفقة باقي أعضاء الأمانة العامة للحزب. وبالمقابل، التزم العثماني، في اجتماع رسمي للحزب، بالإعلان عن موقفه بخصوص تماسك الأغلبية وإعلان براءته من تصريحات بنكيران، واعتبارها لا تلزم هيآت ومؤسسات الحزب الرسمية. كما عبر الأمناء العامون لأحزاب الأغلبية عن رفضهم لاستمرار الهجوم عليهم من طرف بنكيران داخل مؤسسات الحزب الرسمية، وطلبوا من العثماني إعلان موقف صريح من ذلك باعتباره الأمين العام للحزب ويتحمل مسؤولية كل ما يقال داخل اجتماعاته الرسمية، وتساءلوا عن الصفة التنظيمية التي تحدث بها بنكيران داخل مؤتمر الشبيبة لكي يعطي التعليمات للحكومة ومهاجمة حلفاء حزبه داخل الأغلبية، متجاوزا الأمين العام، ورفضوا تحويل بنكيران إلى مرشد أعلى للحزب.
وأوضح زعيم حزب مشارك في الحكومة، في حديث سابق مع «الأخبار»، أن الأمناء العامين يرفضون تحويل بنكيران إلى مرشد أعلى لحزب العدالة والتنمية ويصرف مواقف تتجاوز رئيس الحكومة والأمين العام لحزبه، وأضاف: «بأي صفة يتكلم بنكيران ويعطي التعليمات لأعضاء وبرلمانيي حزبه ويهاجم حلفاء حزبه في الأغلبية الحكومية، هل يتحدث بصفة أعلى درجة من الأمين العام لحزبه، وكأنه مرشد للحزب؟». وأعرب المتحدث ذاته عن رفض الأغلبية لهذا الأسلوب بقوله: «نحن لسنا في إيران حتى يكون لدينا مرشد أعلى للأغلبية يرضى على من يشاء ويسب ويشتم من يشاء، لذلك قررنا عقد الاجتماع مع رئيس الحكومة لوضع حد لمثل هذه التصرفات التي تشوش على عمل الحكومة، ونتمنى من الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن يحسم هذا الأمر حفاظا على وحدة الأغلبية، بإصدار موقف موحد حول هذه