شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

حرب الشتاء والصيف

يونس جنوحي

شتاء عصيب جدا ينتظر القارة الأوروبية. بعد أقل من أربعة أشهر، سوف يعيش الأوروبيون الذين كانوا دائما رمز ترف فوق الكوكب، أصعب موسم برد في القرن الحالي.

والسبب أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وصلت إلى الاقتصاد الأوروبي. ومنذ الآن، يحذر الاقتصاديون من أزمة كبيرة في الغاز، ويُعدون الأوروبيين نفسيا لكي يتقبلوا الفواتير المرتفعة التي سوف تتركها لهم أجهزة التدفئة.

القرن الماضي كانت الصحافة الأوروبية تبيع عناوين من قبيل «شتاء في المغرب»، وهو العنوان الذي اختير لعشرات المذكرات وكتب الرحلات والمغامرات، وحكى فيه أصحابه عن مواسم الشتاء والبرد التي قضوها بين المغاربة، ما بين سنتي 1880 و1920. وتحدثوا عن المجاعة والأوبئة وموجات البرد القارس وبرودة المنازل وانقطاع الطرق، بسبب السيول.

ولعل أقوى تلك المذكرات، مؤلف يعود لمغامرة بريطانية اسمها «آميليا»، حيث تحدثت عن شتاء قاس جدا في المغرب، وتحدثت عن ذكرياتها داخل فندق تديره وتملكه سيدة إسبانية، وتعمل فيه سيدة مغربية، ويرتاده المسافرون القادمون من الدول الأوروبية، حيث يعيشون أيام الشتاء داخل غرفهم الدافئة، بينما كان المغاربة لا يملكون حتى ثمن حزمة من الحطب. وخلال سنوات المجاعة، كان صنع الحساء في الشتاء حكرا على الأعيان والمحظوظين وموظفي الدولة، بينما كان الفقراء يقلبون الأرض الجافة بحثا عن جذور النباتات لحفرها وطبخها إلى أن تفقد بعض مرارتها، ثم يتناولونها لإسكات الصوت المزعج الذي تصدره المعدة، خلال مواسم الشتاء القاسي.

وعندما جاءت الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، عاش سكان القارة العجوز مواسم شتاء عصيبة جدا، تجمد الناس خلالها بردا وجوعا، وصارت التدفئة فيها مجرد ذكرى قديمة، المحظوظون فقط يستطيعون إحياءها.

وهذا ما ذهب المحللون في أوروبا إلى تذكير الأوروبيين به هذه الأيام. إذ إن العادات الاقتصادية الجديدة في الدول الأوروبية، خصوصا الدول التي تعرف رخاء اقتصاديا، مثل ألمانيا والنرويج وسويسرا والدانمارك، أصبحت لا تمت بصلة للتاريخ العصيب الذي عاشته أوروبا قبل 70 سنة فقط. تعوّد أزيد من جيلين على الرخاء، حتى أن كلمة «أزمة» باتت نادرة في لائحة الكلمات التي يستعملونها في أحاديثهم اليومية، أو الأبحاث التي يقومون بها على شبكة الإنترنت. وهو ما جعل هذه الدول تثقل كاهلها بعادات استهلاكية ثانوية جدا، وتنعكس سلبا على أداء الاقتصاد.

وقبل أسابيع فقط نشرت الصحافة الألمانية دراسة مهمة جدا، مفادها أن كل مواطن ألماني، لو أضاف درجة حرارة واحدة فقط إلى جهاز التدفئة داخل منزله، فسوف توفر ألمانيا 7 في المائة من طاقة التدفئة، وهي نسبة مهمة جدا لا بد أن تشكل فرقا في فواتير التدفئة. وقس على ذلك لو تم تعميم الأمر في أوروبا كلها. وقد يوفر الأوروبيون ما يفوق 20 في المائة، لو أنهم استحضروا الأزمة التي يمر بها العالم وليس أوروبا وحدها فقط، وأضافوا ثلاث درجات مثلا إلى أجهزتهم، أو اقتصروا في استعمالها على الفترات التي يكونون فيها داخل المنزل، أو إذا قلصوا من عدد الأجهزة داخل المنزل.

المعروف في الاقتصاد العالمي أن أوروبا وأمريكا هما القارتان الأكثر استهلاكا للموارد، بحكم الرفاهية وارتفاع جودة العيش لتلك الشعوب، بينما الدول الأخرى تدفع الفواتير. واليوم، جاء الدور على أوروبا لكي تفكر قليلا في قيمة ما سوف تستهلكه في الشتاء المقبل، وإلا فإنهم سوف يعودون إلى زمن الحرب. لكن الأجيال الجديدة من الأوروبيين لا يشبهون أجدادهم، وليسوا مستعدين لخوض الحرب نيابة عن أحد، إذا تراجعت درجات الحرارة عندهم ولم يجدوا غاز التدفئة، فإنهم سوف يحزمون أمتعتهم ببساطة ويركبون أول طائرة إلى البرازيل مثلا، حيث يبدأ موسم الصيف عندهم في عز يناير. بهذه البساطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى