حسن البصري
قال شكيب بن موسى، رئيس مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، وهو يودع اثنين وعشرين رياضيا معتزلا، من المنعم عليهم من طرف الملك محمد السادس بأداء مناسك الحج: «أدعوكم إلى التحلي بالنبل لتمثيل المغرب أحسن تمثيل، فأنتم سفراء لهذا البلد ولحضارته».
أسر لي أحد اللاعبين المنعم عليهم بالحج بأن شعورا غريبا انتابه وهو ينصت لتوجيهات شكيب بن موسى، فقد عادت به الذاكرة إلى أيام الجد والنشاط، واللقاءات التي تسبق رحلات المنتخب الوطني، وما يتخللها من تعليمات لطالما تزود بها اللاعبون قبل الإقلاع صوب تظاهرة دولية.
المتغير الوحيد هو عامل الزمن الذي فعل فعلته في أبطال اشتعلت رؤوسهم شيبا ونحتت التجاعيد على وجوههم خطوط الذبول والإنهاك، وزحفت عوامل التعرية على رؤوسهم، دون أن تجهز على عزيمتهم ووطنيتهم وإصرارهم على الفوز بالأجر والثواب.
في زمن مضى، كان لاعبو المنتخبات الوطنية يستعدون للمشاركة في تظاهرات رياضية بالديار المقدسة، ففيها منافع شتى، تنافس رياضي وتعبئة روحانية.. أما اللاعبون المغاربة المحترفون في السعودية، فإن نجحوا في تجربتهم كسبوا المال وإن أخفقوا عادوا إلى بلدهم وهم يحملون لقب «الحاج».
حج مبرور وسعي مشكور لحجاجنا الرياضيين الذين لن يفوتوا الفرصة دون أن يرفعوا أكف الضراعة إلى الله، داعين بالنصر لفرقهم قبل ذويهم، خاصة وأن موسم الحج تزامن مع ختم المنافسات.
حين اختار رئيس الحكومة الجزائرية وزيرا للرياضة من خارج محيط الكرة، وجيء بعبد الرزاق سبقاق من وزارة الشؤون الدينية، ليتسلم حقيبة الرياضة بعدما شغل منصب مدير عام للحج والعمرة، استبشر اللاعبون الجزائريون المعتزلون خيرا، واستعدوا لرحلات منتظمة إلى الديار المقدسة، لكن الوزير انكب على تنظيم رحلات للمشجعين كلما حل فريق مغربي بأرض الجزائر.
في موسم الحج من كل سنة، يتذكر القنيطريون مدربهم أحمد الصويري، الذي قدر له أن يلقى ربه في الأراضي المقدسة ويدفن بمكة المكرمة. في عز تألق «الكاك» افتقدت عائلة الصويري الاتصال بمعيلها، ومع مرور أيام الاختفاء تحول الفقدان إلى لغز محير.
في شهر يناير من سنة 1980، تناقلت قصاصات الأنباء خبر وفاة اللاعب الدولي المغربي مصطفى شكري الشهير بلقب بيتشو، وكان حينها محترفا بنادي الوحدة السعودي. قدر لهذا اللاعب الأسطوري أن يموت في مصحة بخش المختصة في الطب الباطني، ويعود جسده إلى الوطن داخل صندوق مشمع، قبل أن يلتحق به رفيقاه في رحلة الاحتراف اللاعب بكار والمدرب صبري.
من المفارقات العجيبة أن تعين الإذاعة الوطنية الصحافي عبد الفتاح الحراق لمرافقة المنتخب المغربي لكرة السلة المشارك في البطولة العربية بالسعودية، لكن زميله الإذاعي محمد الزوين ود لو وقع الاختيار عليه، فالتمس من الحراق السماح له بالقيام بالمهمة بدلا عنه، لأنه كان يرغب في أداء مناسك الحج، فلم يتردد الحراق في تلبية رغبة «سي محمد» الذي بدا أكثر رغبة في زيارة قبر الرسول صلوات الله عليه. عاد أفراد المنتخب المغربي ولم يعد الزوين الذي مات قبل أن يحقق حلم العمر، وبعد أيام سيعود «سي محمد» في جوف صندوق مشمع، أما الحراق فقد مات وفي رصيده أجر الإيثار.
كثير من الرياضيين المغاربة دفنوا في المدينة المنورة وفي جدة، بل إن العلامة عبد الرحمن شعيب الدكالي كان قد اقتنى كفنا ظل يتأبطه طيلة أداء شريعة الحج، ليلقى ربه غير بعيد عن قبر الرسول الأعظم. حتى السفير السابق، عبد الكريم السمار، قدر له أن يفارق الحياة أو تفارقه في إحدى مصحات الرياض. «وما تدري نفس بأي أرض تموت».