طنجة: محمد أبطاش
على بعد 23 كيلومترا، عن مدينة طنجة، توجد قرية تجمع بين سحر الطبيعة ومآثر تاريخية. القرية، التي تسمى حجر النحل، تقع بين جبال البوغاز، وتعتبر ملاذ المئات من السياح الذين يفضلون التوجه إليها للاستمتاع بمسالكها وطبيعتها الخلابة. جمال هذه المنطقة المميزة جعلها نقطة جذب للسياح من داخل المغرب وخارجه، والذين يحب عدد منهم أن يطلقوا عليها لقب جنة هواة المشي، الذين يفضلون السير على الأقدام لكيلومترات دون كلل بين أشجارها وجبالها الشاهقة.
يتوافد المئات من الزوار على قرية حجر النحل بطنجة. المنطقة التي لا تفقد لونها الأخضر حتى في أوج الحرارة المرتفعة، خلال فصل الصيف، واحدة من المواقع السياحية الفريدة التي تحتضنها المدينة. قربها من البوغاز ومن أصيلة، التي لا تبعد عنها سوى بـ21 كيلومترا، جعل القرية الجبلية نقطة جذب لسكان المدينتين الساحليتين والسياح الوافدين عليهما. الطريق الرابطة بين طنجة والعاصمة الرباط تخترق القرية والطرق المعبدة تسهل الانتقال إليها.
تنتمي المنطقة إداريا إلى الجماعة القروية حجر النحل، التابعة لعمالة طنجة-أصيلة، وتمتاز بأنها لا تفقد جمالها سواء في فصل الصيف أو الشتاء، خصوصا وأنها قريبة من محمية تهدارت الخلابة، كما توجد بها غابة من أكبر الغابات في الشمال تصل إلى حدود إقليم تطوان تدعى بغابة المديار. وفرة المياه والعيون العذبة والوديان الجارية، وسط الغطاء الغابوي الأخضر، والخنادق العميقة وسلاسل الأحجار الكبيرة، تشكل مشاهد متنوعة توفر أماكن جميلة للنزهة والاستجمام بعيدا عن ضجيج المدينة .
تقول بعض المصادر التاريخية إن سبب تسمية القرية بحجر النحل يعود إلى كلمة حجرة التي هي الاسم الأول لهذه القرية، إضافة إلى اسم ثان أطلق عليها في عهد الحماية الإسبانية وهو العقبة الحمراء Cuesta Colorada أو العقبة الملونة، والكويسطا شكل جيولوجي لونه أحمر .
في عهد الاستعمار كانت القرية هي المنطقة الحدودية بين نفوذ الإسبان ومنطقة طنجة الدولية، وكانت تضم مركزا للمراقب العسكري التابع لتطوان وثكنة عسكرية بالقرية باعتبارها مدخلا استراتيجيا والبوابة الرئيسية من الجهة الجنوبية لمدينة طنجة.
دار ضيافة.. مشروع ذاتي وتقاليد جبلية
توجد بقرية حجر النحل دار ضيافة مميزة تستقبل الزوار وترشدهم لزيارة أجمل معالم هذه المنطقة عن طريق رياضة المشي. وتقترح دار الضيافة بحجر النحل أثمنة مناسبة لزوارها، تنضاف إليها بعض المصاريف المتعلقة بالمرشد ووسائل نقل خاصة بالمسالك الطرقية الوعرة، كما تمنح للسياح أطباقا من فطور بلدي جبلي وغداء وفواكه محلية طازجة.
يقول حسن ازبيدة، مسير تعاونية دار المضياف حجر النحل للسياحة القروية، في تصريح لـ”الأخبار”، إن مشروع دار الضيافة انطلق في 2007، حيث استقبلت مدرسة حجر النحل أساتذة فرنسيين لتقوية اللغة الفرنسية بالعالم القروي، ومن ثم جرى «اختيارنا لإيواء الفرنسيين واستقبالهم مدة شهر وتكررت العملية كذلك سنة 2008. وخلال سنة 2009 جاءت جمعية العلوم والحياة والأرض بطنجة، واقترحنا عليها أن نقدم طلبا إلى مندوبية السياحة لترخيص مأوى قروي، ومنذ تلك اللحظة ونحن نحاول جاهدين توسعة المشروع». ويضيف حسن أن «تأثيث الدار تم بعدما استفدنا من تمويل للأفرشة من طرف إحدى الجمعيات، وتلا ذلك استقبالنا لبعض المدارس الخصوصية من طنجة». وبخصوص الخدمات المقدمة من قبل الدار، قال ازبيدة: «نقوم بتحضير وجبتي الإفطار والغداء في المأوى ونقوم، كذلك، بجولة بمحمية تهدارت للتعريف بها وبمناظرها الطبيعية حيت توجد طيور مهاجرة كالنحام الوردي (Flamingo/Flament Rose) وكذلك طائر مهدد بالانقراض يسمى الحبارة الملتحية».
وأكد هذا المسؤول المشرف على تسيير دار الضيافة أنه «خلال سنة 2012 قمنا بإنشاء جمعية تهتم بالقطاع السياحي، وفي سنة 2015 قدمنا طلبنا إلى مندوبية السياحة بحيث حصلنا على التصنيف من الدرجة الثانية، وفي الوقت نفسه أخذنا رخصة من الجماعة لاستغلال مأوى مرحلي، وأكدت علينا مندوبية السياحة لتطوير الدار القيام بتعديل من أجل حيازة شركة مصغرة»، وأضاف «استطعنا في 3 يوليوز 2020 القيام بإنشاء تعاونية سميت دار المضياف حجر النحل للسياحة القروية، ولحدود اللحظة ما زالت هذه الدار تواصل استقبال الزوار، وفي عز الجائحة فإن كل التدابير تم اتخاذها سواء من حيث التعقيم أو التباعد أو غيره، مع احترام شامل للتدابير المتخذة في هذا الإطار»، بحسب حسن ازبيدة.
تقدم التعاونية كل الخدمات بما فيها الفندقة والسياحة والمحافظة على البيئة والاستقبال والإرشاد والمرافقة، كما تخصص لزوارها بيوتا تقليدية من الثقافة والإرث الجبلي الأصلي، الأمر نفسه ينطبق على الخدمات المقدمة من إيواء ومأكل ومشرب، كما تقدم لزوارها دليلا سياحيا كاملا لزيارة المناطق التي تزخر بها المنطقة من جبال ووديان وأشجار ومحميات طبيعية.
مآثر تاريخية..من عبق الزمان
بالإضافة إلى ما تتمتع به قرية حجر النحل من مناظر طبيعية خلابة، فإن ثمة واجهة أخرى غير معروفة تمتاز بها المنطقة، وهي وجود إرث تاريخي ضخم، وأبرزه حمامات الرومان، المتواجدة بالضبط بمزارع حجر النحل، حيث تؤكد بعض المصادر التاريخية أن أطلال هذه الحمامات تعود للفترة الرومانية، حيث كانت توجد مدينة تحت الأنقاض غمرتها الأتربة وممتدة من مزارع حجر النحل حتى حدود ساحل البحر.
تقول مصادر متتبعة إن عددا من السياح يفضلون التوجه إلى هذه المآثر التاريخية التي تمتاز بها المنطقة، ومن ضمنها، كذلك، موقع الأقواس القريب من القرية، حيث تشكلت البقايا الأثرية التي تم الكشف عنها من آثار تجمع سكني وأخرى لمصانع للخزف يعود للفترة البونية المورية والتي تواجدت بالمنطقة منذ القرن السادس الميلادي، وقد كانت تصنع في أفرانه، بالإضافة إلى الأواني الخزفية، الأمفورات لتخزين ونقل المواد الغذائية، وخاصة نقيع السمك المملح التي عثر على بعض منها في بلاد اليونان، وخاصة بمدينتي أولامبيا وكورنتيا. كما كشفت التنقيبات عن بقايا أثرية تعود للفترة الرومانية، تتكون من قناة مائية يتجاوز طولها 400 متر وأحواض تعتبر جزءا من مصنع لتمليح السمك يرجع تاريخ تشغيله إلى نهاية القرن الأول قبل الميلاد والقرن الثالث بعد الميلاد، حسب بعض المصادر التاريخية.
أثمنة في المتناول وبرنامج متنوع
يقول مسيرو تعاونية دار الضيافة إن برنامجهم ينطلق الاثنين ويمتد إلى الجمعة، حيث يتضمن المبيت ثم العشاء والفطور والغداء بثمن 200 درهم للفرد، أما ثمن المبيت مع العشاء والفطور فمحدد في 150 درهما للفرد، بينما في يومي السبت والأحد، فإن سعر المبيت والعشاء، إضافة إلى وجبة الفطور محدد في 200 درهم للفرد، في حين أن ثمن المبيت، العشاء، الفطور والغداء فمحدد في 250 درهما للفرد.
أما بخصوص برنامج الرحلات، فهناك مسار ثلاث ساعات يسمى الملاحات، ومسار خمس ساعات يسمى بانوراما تهدارت، ثم مسار ست ساعات يسمى جبل الحبيب حيث يزور السياح أهم المعالم المتواجدة بجبل الحبيب، أما حول مسار ثماني ساعات فيسمى سد 9 أبريل نسبة إلى أكبر سد بالشمال، لما يتمتع به من جمالية في المنظر.