شوف تشوف

الرأي

حجابوفوبيا

غداة  الرجة السياسية التي أحدثها فوز الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان بست جهات خلال الدور الأول من الانتخابات الجهوية٬ عرفت فرنسا حدثين يترجمان تسيبا إسلاموفوبيا غير مسبوق. ففي السابع من ديسمبر٬ طرح  الصحافي بجريدة «ليبيراسيون»٬ ليك لوفايان مقالا في عنوان «امراة الميترو المحجبة»، أرخى فيه العنان لفانتزمات وإرهابوفوبيا ساقطة. في المساء استقل الصحافي الميترو ليلتحق ببيته وفي العربة لاحظ سيدة محجبة تقف في ركنية من عربة القطار. «تملك هذه السيدة قوة  النساء اللائي يخلقن الجاذبية والاشمئزاز على حد سواء. تملك الصحافي شعور رهيب بان السيدة طوقت خاصرتها بحزام  متفجرات وأنها على أهبة نسف نفسها داخل العربة. مما دفعه إلى مغادرة القطار في المحطة التالية». إنها فحوى الورقة التي كتبها هذا الصحافي المكلف داخل الجريدة بصفحة بورتريه. نزلت ردود الفعل كثيفة وعنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بهذا المقال العنصري وبلؤم وخبث الصحافي الذي غلف كراهيته في استعارات مثخنة بالكثير من التكلف. كما نددت نقابة صحافيي «ليبيراسيون» بالمقال فيما اكتفى مدير التحرير بالإشارة إلى زلة عابرة. المهم أن سيدة الميترو تابعت مشوارها ولم تقع أية عملية إرهابية. المرهب والمرعب في الأمر أن هذه السيدة ستبقى بحجابها وعبايتها مثلها مثل ملايين المحجبات بفرنسا تهديدا فانتازميا من ابتكار عقول مريضة.
في الغد٬ عاشت فرنسا واقعة ثانية لا تقل إسلاموفوبية عن سابقتها: احتفاء باليوم الوطني للعلمانية٬ دعيت لطيفة بن زياتن٬ مغربية الأصل٬ فقدت ابنها في العمليات الإرهابية التي قادها محمد مراح بتولوز في الحادي عشر من مارس 2012 ٬ دعيت من طرف البرلمان للإسهام في مناقشة حول موضوع «من أجل عيش مشترك». وللسيدة خبرة في الميدان بحكم معاشرتها لحالات صعبة في أوساط الشباب وبحكم ترددها على المستشفيات٬ السجون والمساجد من أجل توعية الشباب ودعوتهم إلى قيم التعايش السلمي والعيش المشترك.. تقدمت لطيفة بن زياتن إذن إلى المنصة للإدلاء برأيها وما إن أخذت الكلمة حتى ارتفع الصراخ والصفير في بعض الصفوف بسبب ارتدائها للحجاب! أجهشت لطيفة في البكاء ولم تكمل كلمتها.  وكان الفريق الاشتراكي أول من أطلق الصفارات في وجهها.
للتذكير٬ يحق للسيدة قانونيا ارتداء الحجاب بما أنها ليست موظفة في الوظيفة العمومية كما ينص على ذلك القانون. الاعتداء الذي تعرضت له هذه الأخيرة التي انسحبت من الجلسة٬ باكية٬ من شأنه زعزعة ثقة امرأة تنشط يوميا على أرضية الساحة من أجل إحلال السلم وغرس قيم التعايش. تركيز هؤلاء النواب على الرمز الاستيهامي للحجاب في يوم العلمانية أكثر من تركيزهم على الرموز التي خلقتها لطيفة بن زياتن وذلك من خلال نشاطها الدؤوب في السجون٬ المساجد٬ المدارس والجمعيات…٬  وهي الأنشطة التي نالت عليها جائزة مؤسسة جاك شيراك في التاسع عشر من نوفمبر الماضي٬ دليل ساطع على جهل النخبة السياسية.
هكذا فليست الإسلاموفوبيا كداء حداثي٬ وقفا على العامل البسيط أو الفلاح العتيق٬ أي على فرنسا العميقة تلك التي ترى نفسها في «قيم» الجبهة الوطنية العنصرية٬ بل تسللت إلى شرائح عريضة من الفرنسيين لإشباع وعيهم وسلوكاتهم كراهية ونبذا لكل ما هو إسلامي.. أصبحت قناعة تسمن خطاب الصحافي والكاتب والمثقف. من آلن فينكلكروت إلى إيريك زمور مرورا بكارولين فوريست٬ رونو كامي٬ ريشار ميي٬ دون الحديث عن الإسلاموفوبيين العرب من أمثال محمد السيفاوي٬ بوعلام صنصال٬ كمال داوود٬ مدلعي الإعلام الفرنسي.
لا يمكن طبعا عزل هذين الحدثين عن السياق السياسي والثقافي والاجتماعي العام الذي تعيشه فرنسا منذ عدة سنوات، والذي يعتبر اختراق الجبهة المتطرفة في الانتخابات الجهوية التي أقيم الدور الثاني منها بالأمس٬ أحد تجلياته الساطعة. فقد انتكصت الثقافة٬ اندحر اليسار٬ لم يعد الفرنسي يهتم بالسياسة٬ وأصبحت الثقافة بيد «المثقف بيبول». فمنذ أن اندلعت «قضية الحجاب» لأول مرة في فرنسا٬ منذ أكتوبر من عام 1989 ٬ لما قامت مدرسة كراي بالضاحية بطرد تيلمذتين رفضتا  نزع الحجاب٬ أي منذ 26 عاما٬ استفحلت الأوضاع ليتحول الحجاب إلى شاشة عمياء لا يرى فيه أغلبية من  الفرنسيين غير «الظلامية» و«الاستعباد» إلخ.. النتيجة اليوم هو انتشاره على نطاق واسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى