حتى لا ننسى.. من سرب الباكلوريا؟
ما زال الرأي العام الوطني ينتظر نتائج التحقيقات التي تم فتحها على أكثر من صعيد، لمعرفة حقيقة ما وقع في حادثة تسريب امتحان مادة الرياضيات السنة الماضية. فإذا كان مسؤولو وزارة التربية الوطنية، وعلى رأسهم رشيد بلمختار، يعتقدون أنه سيتم نسيان هذه الجائحة التي زلزلت آخر قلاع المصداقية في منظومتنا التربوية، بمجرد حديثهم عن وجود الملف في يد القضاء، فإن هذا وهم كبير، وسيظل الجميع يطالب بالحقيقة. لأن ما حدث في السنة الماضية يعد فضيحة حقيقية، ليس فقط، لأن الحادثة كانت، لولا العناية الإلهية، ستسقط البلد في فوضى هائلة. ولكن لأن ما تلاها أيضا يعد جزءا من مشهد الفضيحة ذاته. ففضلا عن وجود مشاكل منهجية ومعرفية في الموضوع الذي تم طرحه بديلا للموضوع المسرب، لكون هاجس الوزارة كان هو امتصاص غضب التلاميذ والآباء أكثر من أي شيء آخر، فإن عدم إطلاع الرأي العام على المعلومات التي تم تحصيلها من التحقيقات يعد جريمة في حد ذاته. وإلا لا معنى لكل ما يقال عن ربط المسؤولية بالمحاسبة في مغرب ما بعد 2011. لذلك نحن أمام سيناريوهين لا ثالث لهما، إما أن الوزارة تعلم الجهة التي سربت هذا الموضوع. وهذا أمر مرجح جدا، سيما وأن التداعيات الأمنية للحادثة فرضت تدخل مختلف الأجهزة الأمنية على الخط. واستمرار الطابع الأمني للباكلوريا، يقوي فرضية أن وزارة التربية الوطنية تعلم الجهة التي ارتكبت هذا الجرم، بهذه النية أو تلك ولكنها لا تريد الإعلان عن ذلك.
الفرضية الثانية هي أن الوزارة المعنية لم تتوصل قط للجناة. وهذه أسوء من سابقتها، والسيناريو الأقرب لهذه الفرضية هو حدوث فجوة ما في العمليات الكثيرة التي يتم بها تأمين مواضيع الامتحانات، بدءا من تنقيلها من القاعات المحصنة بالمركز الوطني للامتحانات، مرورا بأسابيع «السبات» في الأكاديميات، ووصولا إلى لحظة تسليمها لمراكز الامتحان. وفي هذه الحالة فإن الوزارة مطالبة بطمأنة الرأي العام بضمانات أكثر صدقية عن عدم تكرار ما حدث. والخطوة السليمة هي فصل التقويم والامتحانات عن وزارة التربية الوطنية، كما نص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والإسراع بإحداث الوكالة الوطنية للتقويم، والتي يؤكد المثياق على أنها «مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال الإداري والتقني والمالي وبالشخصية المعنوية»، وهو السبيل الوحيد لتنقية نظام التقويم والإشهاد من أزمات التدبير المزمنة التي تلوث الإدارات المركزية والجهوية بالوزارة. وفي نفس الوقت تطوير هذا النظام ليكون في مستوى رهانات المدرسة العمومية. والتي حولت شهادة الباكلوريا إلى هدف في حد ذاته، يسمح بكل أشكال السلوكيات، المشروعة وغير المشروعة.
إن قوة الفرضية التي تقول إن الوزارة تعلم بالجهة التي تقف وراء حادثة التسريب، ولا تريد الإعلان عنها، تأتي من استمرار هيمنة ثقافة بئيسة حولت الإفلات من العقاب والمحاسبة إلى امتياز يفتخر به ذوو النفوذ في كل الإدارات العمومية، مهما كان حجم الكوارث التي يقترفونها. لكن على الأقل، وفي انتظار تحقق كامل لدولة شفافة بكل معنى الكلمة. يحق للرأي العام أن يعرف ما حدث. لذلك يتوجب على الجميع أن يستمر في مطالبة الوزارة المعنية بالكشف عن الحقيقة.