في هذا الزمن الذي نعيش فيه أصبح هدف كل الناس هو الشهرة، فهم يحاولون بكل الطرق وشتى الوسائل القيام بأشياء، وأحيانا اقتراف حماقات، لكي يتصدروا واجهة الأحداث.
والجميع يبحث عن الشهرة لأن الشهرة تفضي حسب الاعتقاد السائد إلى الثراء.
ربات بيوت عاديات قررن فتح قناة خاصة في اليوتيوب يعرضن فيها حياتهن اليومية، «هانا حبيباتي كانعجن لمسمن، هانا كانخمل، هانا كانصوب كيكة».
شابات اخترن تعليم النساء طريقة وضع الماكياج، وصرن يحصلن مجانا على مواد ومعدات الماكياج من شركات المواد التجميلية، وأخريات يجمعن بضعة آلاف من المعجبين في حساباتهن بالأنستغرام ويبعنها للفنادق والمطاعم بحيث ينزلن مجانا بها ويحصلن على خدمات مقابل تصوير ذلك وعرضه على حساباتهن.
ومن كثرة انتشار هذه الفصيلة ممن يسمون أنفسهم بالمؤثرين أصبحت كل من وصل حسابها في الأنستغرام ألف متابع تعتبر نفسها مؤثرة، ومؤخرا ذهبت إحدى هؤلاء إلى مطعم مشهور في الرباط و«عركاتها حتى عركاتها» وعندما شبعت أرادت أن تغادر دون دفع الفاتورة بذريعة أنها مؤثرة وأنها نشرت صورة الأطباق التي التهمتها في حسابها بالأنستغرام، فأكلت بالإضافة إلى وجبة العشاء علقة ساخنة ستجعلها تفكر جديا في إغلاق حسابها والبحث لها عن مهنة حقيقية تأكل منها الخبز عِوَض الهرماكة.
وإلى جانب هؤلاء المؤثرين ديال الماكياج والتخمال والكوزينة هناك فئة أخرى يعتبرون أنفسهم مؤثرين سياسيا، ومنهم فصيلة كان قد استدعاها مصطفى الخلفي، عندما كان وزيرا للاتصال تأكل المواقع وأصحاب الصفحات الفيسبوكية من يديه، للغداء حول صحن المرقة بالبطاطا، وهؤلاء من فرط ثقتهم في أنفسهم يعتقدون أنهم قادرون على تحويل أنظار الرأي العام بمجرد تغميسة في صحن المرقة.
ثم هناك كائنات أخرى طفت على السطح فجأة، تجسد تشوهات المجتمع وأعطابه، وأحيانا مسوخاته، أغلبهم يعانون من أمراض نفسية وعقلية لكنهم يجهلون ذلك.
وشخصيا لا أعاتب هذه الكائنات الاجتماعية التي ظهرت فجأة وأصبحت بفضل شبكات التواصل الاجتماعي شخصيات مشهورة يتابعها الناس بالملايين ويتفاعلون مع تفاهاتها وحماقاتها وشتائمها البذيئة.
فهذه الكائنات توجد في كل المجتمعات الحديثة، وكانت دائما موجودة بطرق مختلفة في العصور السالفة ووجد لها أجدادنا تسميات مختلفة كالرويبضة، أي الجاهل والتافه من الناس الذي يتحدث في أمور العامة.
المأزق النفسي الخطير الذي يجد فيه هؤلاء «المشاهير» أنفسهم بعدما تخبو نجوميتهم هو كيف يتقبلون نهاية النجومية.
أحد أجمل الدروس التي شاهدتها حول «صعود وسقوط النجوم» كان في فيلم «بابيلون» الذي أثار الكثير من الجدل حين نزل للقاعات.
تحدث الفيلم عن عالم السينما منذ بداياتها إلى اليوم. وقد سمعت فيه واحدا من أعمق الحوارات التي دارت بين الصحافية إلينور جون غوسيب Elinor St.John Gossip كاتبة عمود مجلة فوطو بلاي، والممثل النجم جان كونراد الذي لعب دوره «براد بيت» في الفيلم.
الحوار جاء على الشكل التالي:
«هل تساءلت يوما لماذا عندما يحترق بيت يموت الناس بينما تنجو الصراصير؟
مشكلتك أنك تعتقد أن البيت بحاجة إليك، لكن لا، البيت ليس بحاجة لا إليك ولا إلى الصراصير، الصراصير تعرف ذلك فتلوذ بجحر في العتمة وتعيش، بينما أنت تريد أن تبقى تحت دائرة الضوء. الذين يبقون في الظل، الذين يراقبون، هم من ينجحون في البقاء على قيد الحياة.
سيكون المئات منك جان كونراد، لكن ما يبقى في النهاية هو الفكرة. وهذا يتجاوزك يا عزيزي. أعرف أن هذا مؤلم، لا أحد يحب أن يظل في المؤخرة، لكن بعد قرن عندما سنكون قد متنا في كل مرة سيتم وضع قرص من أحد أفلامك على آلة عرض ستعود مجددا إلى الحياة.
لقد انتهت الرحلة بالنسبة إليك اليوم، لكنك ستمضي الأبدية برفقة الملائكة والأشباح».
وهو يغادر صالة الفندق بعدما قال لزوجته إنه ذاهب لكي يشتري السيغار صادف كونراد النادل في الدرج فقال له برقة:
«أنت تقوم بعمل ممتاز، ما هو أعلى بوربوار حصلت عليه؟».
فأجاب النادل :
«خمسون دولارا».
«من منحك إياه؟.
«أنت».
فأخرج كونراد كومة نقود من جيبه ووضعها في يد النادل وقال له:
«المستقبل من نصيبك».
قبل أن يدخل غرفته ويطلق رصاصة على رأسه ويموت منتحرا.
الدرس الذي يستفاد من هذه الحكاية:
لا تبق تحت دائرة الضوء أكثر من اللازم، احتمي بالعتمة، حتى الصراصير تعرف ذلك.