حاشية على الانتخابات الجزائرية
معن البياري
كأن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أراد أن يستبق حرجا مؤكدا سيغشى النظام الذي يمثله، عندما قال، بعد أن أدلى بصوته في اقتراع الانتخابات النيابية في بلاده، يوم السبت الماضي، إن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات لا تهمه، وإنما الشرعية الناتجة عن الصندوق، وما تفرزه من نواب يمثلون السلطة التشريعية. ومساء، أعلن رئيس الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرقي، أن النسبة بلغت 30,20 في المائة عند إغلاق صناديق الاقتراع، وأنها تمثل 5 في المائة من الجزائريين في الخارج. ولو سلمنا بدقة هاتين النسبتين، اللتين يجدر بهما أن تكونا محرجتين، فإن من الأهمية عدم إغفال أن قرى ونواحي وأريافا ومدنا صغرى في الجزائر شاسعة المساحة قد لا تصل نسبة الإقبال فيها إلى 2 في المائة في أحسن الأحوال. وتعرفنا عودة إلى الأرشيف بأن نسبة التصويت في انتخابات عام 2017 بلغت 38,25 في المائة، في هبوط عن سابقتها في 2012 التي بلغت 43,14 في المائة، وفي تحسن طفيف عما بلغته النسبة في انتخابات عام 2007، وكانت 35,65 في المائة. وبذلك نكتشف، من دون عناء، أن «انتخابات فجر التغيير»، على ما سمتها السلطة، دلت على أن ثقة الجزائريين بالمؤسسة التشريعية تسرع القهقرى، وأن التغيير الماثل في مسمى اقتراع السبت يعني أن السلطة لم تفلح في ترميم هذه الثقة، في الذي أحدثته بعد وقف عهدات (ولايات) الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتدشين مسار ما بعد انتخابات الرئاسة في دجنبر 2019، ونجح تبون فيها بتصويت 58 في المائة من الناخبين، والتي لنا أن نرى في نسبة التصويت فيها وهي 41,13 في المائة، مقدارا بينا من إحراج الشعب السلطة.
ولما كانت تشريعيات يوم السبت الماضي هي الأولى بعد انتفاضة حراك الجزائر الشعبي العريض الذي ما زال يطالب بكثير من التغيير، ولم يقتنع بالقليل الذي بادر إليه النظام، وبنسبة التصويت الرسمية المعلنة، الفاضحة بحسب نعت ذاع، أو المحرجة بحسب وصف أدق، فإن هذه الواقعة تضيف شاهدا مستجدا ومهما، على النقصان الوفير في ثقة المواطن العربي في المؤسسات التشريعية (البرلمانية) في بلاده، الأمر الذي ما تنفك سنويا تؤكده نتائج «المؤشر العربي» الذي ينتظم في إصداره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. والجديد منها، لعام 2019/ 2020، أن 32 في المائة من الجمهور العربي (العينة المستطلعة في 13 بلدا عربيا بينها الجزائر) لا يثقون إطلاقا بالمؤسسات البرلمانية في بلادهم، و17 في المائة لديهم عدم الثقة «إلى حد ما»، فيما ثقة 21 في المائة كبيرة، و26 في المائة ثقة «إلى حد ما». والنسب هذه تختلف، تراجعا وتقدما، عن سابقتها في استطلاع 2017/ 2018، حيث عدم الثقة إطلاقا 31 في المائة و23 في المائة عدم ثقة «إلى حد ما»، فيما الثقة الكبيرة 14 في المائة، والثقة «إلى حد ما» 28 في المائة. وبشأن الجزائريين، لا يظهرون تطرفا في مواقفهم من برلمانات بلادهم، فهم في المنزلة السادسة بين مواطني الدول العربية الـ13 من حيث هذه الثقة، 18 في المائة يعارضون أن المجلس التشريعي يؤدي واجبه في الرقابة على الحكومة، و8 في المائة يعارضون بشدة، و55 في المائة يوافقون (النسبة عالية)، و14 في المائة يوافقون بشدة. مع الانتباه إلى أن الاستطلاع نفذ ميدانيا بين نونبر 2019 ويوليوز 2020.
مؤكد أن ثمة شرعية للبرلمان الجزائري الجديد، فلا جدال مع الرئيس تبون في هذا الخصوص، غير أن هذه الشرعية مصابة بعوار من نوع خاص، لنا نحن أصحاب التعاليق المرتجلة في الصحافة أن نؤشر إليه، فيما متروك لأهل الاختصاص في القانون الدستوري ونظم الانتخابات الإفادة بغير هذا. والعوار أن المواطن الجزائري سيرى نفسه غير ممثل تماما في البرلمان المتوقع، أيا كانت معالم هذا البرلمان، وقد قاطعت الأحزاب انتخابه، وأوصى أنصار الحراك بالمقاطعة أيضا، سيراه برلمانا غير مؤهل في النيابة عن الشعب في الرقابة على الحكومة، وتشريع القوانين، وتطوير المنظومة السياسية.. تماما كما هي النظرة المؤكدة، الراهنة، المتحققة في غير بلد عربي، وفي الصدارة لبنان والأردن… أما كيف سيكون في وسع النخبة السياسية العريضة في الجزائر، وتمثيلات المجتمع المدني الناشطة «معالجة» هذا الحال، فهذا موضع الانتباه والاهتمام في تفاصيل جزائرية مقبلة، من الأنسب عدم التنبؤ بشأنها، والاكتفاء بانتظارها.