حادث بدون شهود
يونس جنوحي
لا أحد يستطيع فهم ما وقع في الصحراء أول أمس. بما أن الجزائريين أنفسهم، وهم يكتبون البيان الذي اتهم المغرب صراحة بالوقوف وراء عملية اغتيال مزعومة لسائقي الشاحنات الجزائرية، ناقضوا أنفسهم. ففي الوقت الذي لم يقدموا فيه أي معلومات دقيقة بشأن الاعتداء المزعوم، انتقلوا مباشرة إلى اتهام المغرب وذكروا ملابسات الحادث. رغم أنه من المفروض ألا يعلم أحد أي شيء عنه إلا بعد فتح تحقيق.
وإذا كان سائق شاحنة ما في الجزائر، ومعه مساعدوه الذين يكون دورهم أساسا حمل الصناديق أو طهي الطعام في المقعد الخلفي، يعرفون جنسية طائرات الدرون ويستطيعون تحديد المواقع وأنواع الطائرات المسيرة، فهذا كلام آخر.
ورغم أن البيان الأول الذي أصدرته الجزائر وعممته على كل وسائل الإعلام الدولية والوكالات لينتشر بسرعة مساء الأربعاء الماضي، لم يحدد نهائيا مكان الحادث، إلا أن المنابر الجزائرية الرسمية ذكرت أن الحادث وقع في منطقة حدودية بين المغرب وموريتانيا وأشاروا إلى عين بنتيلي وواد الحلو، ويقعان في منطقة لا يصلها المدنيون على اعتبار أنها منطقة عازلة وتقع ضمن المناطق «الحساسة».
لكن رصاصة الرحمة التي وجهتها الجهات الرسمية في موريتانيا إلى الجزائر أنها عملت على نفي خبر وقوع أي حادث في المنطقة التابعة لنفوذها. وهكذا سوف يكون الجزائريون مطالبين بتقديم ما يفيد بصحة مزاعمهم وتكذيب النفي الموريتاني. وهو ما لم يقع طوال هذه الساعات.
وكالة الأنباء الفرنسية نقلت بدورها الخبر، وفرنسا تعلم أكثر من أي دولة أخرى أن مخابراتها ومنذ سبعينيات القرن الماضي رصدت حوادث اختفاء مواطنين فرنسيين في الصحراء، وحاول الجزائريون إلصاق التهمة بالجيش المغربي، ليكتشفوا لاحقا أن صور شبان فرنسيين كانوا يقضون عطلتهم في الصحراء، وبينهم أبناء مسؤولين فرنسيين ورجال أعمال، وُجدت في جيوب ملابس مرتزقة البوليساريو بعد اعتقالهم على يد قوات الجيش المغربي قبل أربعين سنة من اليوم.
وعموما، ليست هذه المرة الأولى التي تتهم فيها الجزائر المغرب بعمليات في الصحراء. إذ إنه في أكتوبر 1963 قام مجندون جزائريون لا يتوفرون حتى على أحذية عسكرية باقتحام الحدود الشرقية وأطلقوا النار على البدو، وعندما رد المغرب على تلك الاستفزازات أصدرت المؤسسة العسكرية الجزائرية بلاغا دخل التاريخ تشتكي فيه من اعتداء المغرب على حدودها.
داء العطب ليس قديما وحسب، وإنما مغرق أيضا في القتامة.
لا يستطيع الجزائريون اليوم مواجهة منظمة الصليب الأحمر التي فضحت لأول مرة منذ أربعين سنة ما يقع في مخيمات تندوف. إذ إن الصليب الأحمر كان أول مؤسسة تنقل شهادات محايدة لسكان المخيمات الذين اتضح أنه جيء بهم بالقوة إلى المنطقة الحدودية لاستفزاز المغرب وافتعال الصراع. وبفضل تلك الشهادات استطاع مواطنون مغاربة كانوا مساجين في المخيمات، العودة إلى بلادهم. وعاد معهم تائبون كانوا قد غُرر بهم سابقا، أو تم الضغط عليهم للانضمام إلى الانفصاليين.
وطوال سنوات هذا الصراع الذي يدخل عقده الخامس، لم يسجل أبدا أن قام المغرب باستهداف مدنيين جزائريين في الصحراء، سواء في المناطق العازلة أو حتى مناطق وجود الألغام. أما الجزائريون فتدينهم تقارير منظمة الصليب الأحمر وتتهمهم صراحة بالمسؤولية وراء اختطاف مغاربة مدنيين في أكثر من مناسبة، وبعد ضغوطات من هذه المنظمة استطاع هؤلاء المواطنون المغاربة العودة إلى أهاليهم وحكاية ما وقع في المخيمات.
الجزائريون الآن مطالبون بإثبات حيثيات العملية. وعليهم أيضا أن يخبرونا كيف استطاعوا تحديد الجهة التي كانت تقف وراء القصف، رغم أنهم لم يحددوا مكانه ولم يوفروا للرأي العام المحلي أو الدولي أي أدلة على ما وقع.