مع اقتراب الأعياد الدينية، يزداد حجم وحدة عدوانية محترفي «مهنة» التسول، ويصبحون أكثر عنفا وهم يتحرشون بالمواطنين والسياح في الأماكن العامة، وعلى أرصفة المقاهي والمطاعم، من أجل إجبارهم على الدفع لتركهم لحالهم. فأينما حل المواطن والسائح أو ارتحلا في شوارعنا يجدان بانتظارهما فيالق من المتسولين من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين، إلى درجة أصبح معها التسول نقطة سوداء قاتمة تشوه سمعة البلد أمام الأجانب الوافدين.
ورغم إقرار الدولة قوانين ضد التسول واتخاذها لقرارات الدعم المباشر لأكثر من ثلاثة ملايين أسرة فقيرة، فإن المتجول في الشوارع والساحات العمومية، يحاصر بجيوش من المتسولين، مغاربة ونساء من جنسيات إفريقية وعربية يحملن أطفالا صغارا ورضعا، في مشهد يثير الشفقة تارة على حال هؤلاء النسوة، والغضب والاستنكار تارة أخرى لاستغلال أطفال في التسول وتعريض مصيرهم للضياع.
المؤسف في الأمر أن كل مشاهد التسول التي أصبحت تغزو شوارعنا وتسيء إلى صورة بلدنا، لا تحرّك ساكنا في السلطات العمومية بما يتناسب مع حجم الظاهرة، ولم تستطع السلطات المعنية إيجاد الطريقة الناجعة الكفيلة بوقف ظاهرة كسب الأموال بدون بذل جهد يذكر، اللهم بيع الوهم وقلة العفة.
ولو أن ظاهرة التسول انحصرت في الأماكن العمومية لهان الأمر، ذلك أننا اليوم أصبحنا نعاني من التسول الرقمي كذلك.
وما أصبح يهدد استقرارنا المجتمعي بشكل خطير هو التسول الإلكتروني الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء وداس على كل القيم من أجل ربح أموال الأدسنس وعائدات التكبيس. آخر تلك المشاهد المستفزة ما قامت به إحدى «التيكتوكرات» تدعى «سارة» عندما عملت على توثيق لحظات وفاة سيدة مسنة ظلت تستغل هشاشتها الذهنية والجسدية لسنوات، والغريب في الأمر أنه لا أحد تدخل لاتخاذ ما يلزم ضد هذا المسخ الإلكتروني الذي يدخل في نطاق المتاجرة بمعاناة البشر.
إن استمرار سياسة التجاهل أو اللجوء لمنطق الحملات الظرفية في مواجهة التسول التقليدي والإلكتروني لن يحقق أي شيء وسيسيء إلى بلادنا المقبلة على تنظيم مونديال 2030 إذا لم تتخذ الدولة منذ اليوم كافة التدابير الاجتماعية والأمنية والقضائية والتربوية لوقف زحف مهنة التسول.