جيرمينال طبعة مغربية2/2
عمال الساندريات قد يموتون اختناقا بسبب انعدام التهوية داخل الآبار، أو بسبب التدفق المفاجئ للماء، أو بسبب انهيار الساندرية فوق رؤوسهم، أو يموتون بعد سنوات بمرض السيليكوز القاتل والذي يتسبب فيه غبار الفحم.
والمفجع في هذه القصة هو أن كل هذا الموت والدموع والدماء تعود بالثراء على أباطرة الفحم الحجري على حساب بؤس شباب يفنون زهرة عمرهم تحت الأرض.
هؤلاء الأباطرة يسيطرون بالاتفاق بينهم على سوق الفحم، فهم يملكون تراخيص استغلال أو امتياز مسلمة لهم من وزارة الطاقة والمعادن التي يسيرها حزب العدالة والتنمية منذ ست سنوات، وعوض القيام بالتنقيب عن الفحم واستغلاله وفقا للضوابط التي أقرها الظهير الشريف للمناجم، فهم يكتفون فقط بالتسويق بعد شراء الفحم من عمال الساندريات عبر وسطاء ينصبونهم على رأس مستودعاتهم وبالثمن الذي يرتضونه ما داموا قلة يحتكرون السوق، ليتم تسويقه على أساس أن المقاولة صاحبة الرخصة هي من استخرجته، دون أن تكلف نفسها عناء حفر آبار للفحم وتشغيل عمال والتصريح بهم والتأمين عليهم، وكل هذا على عينيك «يا ابن الرباح» وقبلك يا «ابن عمارة»، في انتهاك صارخ لما ينص عليه الفصل الثاني من المرسوم 2/ 57/ 1949 بشأن تحديد بعض القواعد الخاصة بالظهير الشريف المنظم للمناجم، حيث يؤكد هذا الفصل على ما يلي «يجب على كل صاحب امتياز أو رخصة بحث عن المعادن أو استغلالها أن يوجه إلى مدير المعادن في أثناء الشهرين الأولين من كل سنة تقريرا مفصلا عن الأشغال التي أنجزها.
وينبغي أن يبين أيضا في ذلك التقرير بيانا مدققا حالة الأشغال المنجزة، والحد الذي وصلت إليه الأشغال كل شهر، وعدد المهندسين ورؤساء المصالح أو المستخدمين من العملة المغاربة من جهة والأجانب من جهة أخرى.
كما ينبغي بيان المرتبات والأجور والفوائد المضافة التي دفعت أو منحت لهم مدة السنة المذكورة، وقدر الأطنان المستخرجة من المعادن، والحوادث الهامة التي طرأت خلال السنة نفسها والنتائج الجوهرية التي نجمت عن الأشغال».
الظهير الشريف المنظم للمعادن يلزم أيضا، في فصله الثامن والتسعين مكرر، كل صاحب امتياز أو عدد من رخص البحث أو الاستغلال بأن يكون لديه بصفة مستمرة أخصائي جيولوجي مجاز من مدرسة مغربية أو من مدرسة عليا أجنبية، وإلا سقط حقه في الرخصة المنجمية.
كما أنه ملزم بالقيام بدراسات جيولوجية أو جيوفيزيائية أو جيوكيميائية تكون موضوع بيان سنوي يوجه إلى مدير المناجم.
كل هذه القوانين يتم ضربها عرض الحائط في غياب تام لأي جهة تلزم هؤلاء الأباطرة باحترام القانون.
على الرباح وزير الطاقة والمعادن أن يتحمل مسؤوليته بإجبار هؤلاء الأباطرة على تطبيق القانون، كحل جزئي لمشكل العمل في الساندريات، حيث يجب أن يقوم مالكو الرخص بتشغيل الشباب العامل في الساندريات والتصريح بهم لدى الضمان الاجتماعي وتوفير سبل الاشتغال الآمن لهم، بدل استغلالهم والزج بهم في ساندريات الموت من أجل أن يحصلوا هم على الفحم على طبق من ذهب.
قد يقول قائل إن الشباب العامل في الساندريات يشتغل ضدا على القوانين، لأن الاستخراج العشوائي للفحم يجرمه الظهير الشريف المنظم للمناجم، لكن أباطرة الفحم جرمهم أفظع فهم يشتغلون خلافا للقانون الذي منحهم رخص استغلال بما لها وما عليها وليس مجرد رخص تسويق.
كما أن دافع شباب الساندريات غياب البديل والفقر الذي يحاصرهم، ودافع الأباطرة الجشع وطلب الثراء الذي لا ينضب، ومسؤولية الوزير الرباح وقبله الوزير عمارة ثابتة، وإذا كان هناك من مسؤول يجب أن يحاكم بسبب موت الشقيقين فهمًا هذان الوزيران بالضبط.
فوزارة الطاقة والمعادن لا عذر لها في ما حدث، وإلا اعتبرنا صمتها غضا للطرف من طرفها ومحاباة لأباطرة الفحم بجرادة وتنكيلا بشباب المدينة.
عليك أسي الرباح، عِوَض شتمنا وسبنا في لقاءاتك مع السكان وجرجرتنا في المحاكم بسبب فضحنا لـ«خماجك»، أن تضطلع بدورك الذي أوجبه القانون عليك، فالظهير الشريف المنظم للمناجم في فصله السابع والتسعين ينص على أنه «تجري على البحث عن المعادن واستغلالها مراقبة الإدارة في كل ما يرجع إلى الأمر العمومي وسلامة العملة ونظافتهم وسكناهم وتعليمهم المهني والمحافظة على المنجم واستعمال معادنه على أحسن وجه ممكن ووقاية الينابيع والطرق العمومية والأبنية المشيدة على سطح الأرض»، كما أن الفصل الثامن والتسعين يؤكد على أنه «يجب على صاحب الرخصة أو الامتياز أن يدير الأشغال إدارة فنية وعلى طريقة واحدة مبنية على الكفاءة وأن يخضع للتدابير التي يأمر باتخاذها رئيس مصلحة المناجم، وإذا لم يسلك منهج التدابير المقررة بعد أن يكون قد أعلم بها فيمكن تنفيذها رأسا وعلى نفقته. وبعد إعلام ثان يبقى بدون جواب يجوز لرئيس مصلحة المناجم أن يصرح إما بنزع رخصة البحث من يد صاحبها… وإما بإسقاط حق صاحب الامتياز بموجب ظهير شريف».
كل هذه التدابير لا تعرف طريقها إلى أرض الواقع، والسي الرباح وقبله توأمه عمارة في دار غفلون ووزارته غائبة بشكل فاضح مشرعة السبل لتنامي الخروقات الميدانية في قطاع الفحم الحجري بجرادة.
والأخطر أن هذه الخروقات تشمل أيضا التهرب الضريبي، حيث يفترض أن القانون يفرض على مستغلي الفحم الحجري الضريبة على الاستهلاك بالنسبة للمواد المستخرجة من باطن الأرض، ولأنه يصعب تحديد كميات الفحم المستخرج فإن القانون يفرض على من يملك رخصة الاستغلال أن يضع تصريحا تقديريا بداية كل شهر يحدد فيه كمية المنتج المحتمل، ليأتي نهاية الشهر بالتصريح الحقيقي مع الإدلاء بالتواصيل التي توثق عمليات البيع التي قام بها، حيث يتم احتساب الواجبات كي يؤديها وهكذا.
لكن واقع الحال يؤكد أن أغلب مالكي الرخص لا يقومون بهذه العملية، ولا يصرحون بالكميات الحقيقية المنتجة ولا يدفعون شيئا لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، في تهرب ضريبي واضح مسكوت عنه.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بحدة هو التالي: هل هي مصادفة عفوية أن الجهات التي يسيرها حزب إلياس العماري، خصوصا جهة طنجة- تطوان التي يسيرها شخصيا وجهة الشرق التي يتحمل فيها المقاول المحظوظ عبد النبي بعيوي منصب رئيس مجلس الجهة، هي نفسها الجهات التي تعرف مشاكل اجتماعية تتحول إلى كرة ثلج تهدد الاستقرار بالمملكة