جيران «برانسون»
يونس جنوحي
الملايين عبر العالم الذين يتابعون رجل الأعمال والثري الأمريكي «ريشارد برانسون»، تابعوا هذه الأيام رحلته إلى منطقة الأطلس حيث يقضي عطلته السنوية.
سكان منطقة أسني ونواحي مراكش تعودوا على رؤية الرجل الذي أشرف قبل أسابيع على إطلاق أول رحلة فضائية سياحية وتابعه العالم بأسره، وهو يركب دراجة هوائية يتجول بها بين الدواوير ويحيي جيرانه من القرويين البسطاء، ويقضي يومه متجولا بين التعاونيات النسائية التي تبيع الأركان والتفاح المحلي والمنسوجات.
هذا الرجل أحد أكثر رجال الأعمال المؤثرين في العالم في مجال الطيران، ومجموعته المالية تنفذ مشاريع في أقوى دول العالم وميزانيتها تفوق الميزانيات السنوية لدول مجتمعة، ورغم ذلك يفضل قضاء عطلته في مكان لا يزال مسؤولون مغاربة يدافعون باستماته عن تقاعد البرلمان وتعويضات الأواني الفضية لا يعرفون أي شيء عن هموم ساكنته ولا انتظارات شبابهم.
حجم الدعاية التي يقوم بها الآن هذا الثري الأمريكي لمنطقة الأطلس ونواحي مراكش وأسني في اتجاه تارودانت لا يُستهان به. خصوصا وأنه يشارك ملايين الناس عبر العالم يومياته بما فيها لقاءاته مع السكان البسطاء وما يدور بينه وبينهم من أحاديث وحتى تجارب بعضهم، حيث ينقل إلى العالم صورة مشرفة عن الإنسان المغربي البسيط. وكان «برانسون» أحد كبار المدافعين عن منطقة الأطلس في عز جريمة ذبح السائحتين الاسكندنافيتين وتحدث عن تجاربه الإنسانية مع سكان المنطقة.
واللافت أن «برانسون» الذي يعتبر أحد أهم المستثمرين في الأفكار يشيد دائما بمبادرات الشباب المغربي، خصوصا في ما يخص جانب المشاريع الذاتية.
إذ زار الأسبوع الماضي قصبة «تامادوت»، ونشر أن زوجته وابنه انضما إليه بدورهما خلال تلك التجربة، حيث سبق له التعرف على عدد من القرى المغربية المنسية رفقة والدته التي كانت تستقر بشكل شبه دائم في الأطلس إلى أن توفيت.
زيارة «برانسون» للقصبة يسلط الضوء على ثروة حقيقية نتوفر عليها في المغرب، حيث إن آلاف القصور التقليدية والقصبات في عموم الجنوب المغربي وصولا إلى الصحراء، تحمل تاريخا كبيرا من المعمار المغربي الذي يعود إلى عهد المرابطين.
ومن أطرف ما يحكيه السكان المحليون عن «برانسون» أنه يتمتع بذاكرة قوية جدا ويتذكر الوجوه التي يراها كل سنة عندما يأتي إلى الأطلس ونواحي مراكش. وحتى عندما يطلق مشاريع كبرى في مجال الطيران، فإنه لا ينسى موعده السنوي المغربي ويأتي ليسأل المارة الذين يصادفهم عن تطور مشاريعهم الخاصة التي تتعلق أحيانا بتسويق المواد الطبيعية أو الفواكه الموسمية. كما أنه يحرص على التجول إما على دراجته الهوائية أو مشيا على الأقدام، لاستكشاف المنطقة والدردشة مع السكان المحليين. بعكس بعض رؤساء الجماعات الذين عمروا في كراسي المسؤولية لسنوات، ومنهم من يدبر جماعات ترابية منذ عقود ولم يغير شيئا من واقع سكانها. ويقضي السنة كلها في مراكش وأكادير للإشراف على مشاريعه الخاصة ولا يزور الذين أوصلوه إلى المسؤولية إلا في حملات الانتخابات، بل إن بعض الجماعات الفقيرة في الأطلس، يقود رؤساؤها سيارات فارهة رباعية الدفع مملوكة للدولة، أي تم اقتناؤها لسيادة الرئيس من أموال الجماعة، رغم أن السكان لا يتوفرون حتى على سيارة لنقل الموتى ولا يزالون يحملون النساء الحوامل على ظهور البغال لاجتياز الوديان والوصول إلى مستشفيات ورززات ومراكش. لا تجوز المقارنة أساسا بين ما يقوم به «برانسون» وما يمارسه بعض المؤثرين المغاربة الذين يستغلون بؤس الأطفال في القرى خلال مواسم الثلوج، حيث يشدون الرحال إلى هناك لالتقاط الصور للسكان المحليين وهم يرتعدون بردا لحصد الإعجاب وزيادة النقرات. لذلك رد عليهم سكان إحدى الجماعات الفقيرة بتمزيق وإتلاف الإعانات التي جاؤوا لتوزيعها عليهم وتصويرهم وهم يتلقونها. وقديما قيل في أبيات أشعار أمازيغية: «لا تعبث أبدا بكرامة سكان الجبال».