جوائز نوبل وهيمنة الجامعات الأمريكية
جمال أكاديري
ثمانية من الحائزين على جائزة نوبل، البالغ عددهم 13 هذه السنة، من أصل أمريكي، مما يدل على هيمنة الولايات المتحدة على قائمة هذه الجوائز، والتي يمكن تحليلها مبدئيا، من خلال قوة جامعاتها وقدرتها على إغراء العقول، ذوي الكفاءات على الهجرة إليها، فعادة ما يكون الدافع وراء الانتقال إلى أمريكا، هو تحسين الفرص لزيادة الإنتاجية والتأثير العلمي، وضمانات الارتقاء الوظيفي..
وبذلك العمل الوظيفي، إذن، الذي توفره كبريات مؤسساتها العلمية، تجذب الولايات المتحدة ألمع الباحثين من العالم كله، علاوة على فتح أبواب جامعاتها المرموقة، التي تحتل دائما المراتب الأولى، لكل من يستحق، مع تمويل سخي للبحوث الوافدة، وتشجيع مادي ومعنوي، خاصة للمتدربين، أصحاب الشهادات العليا من فئة الشباب.
وهكذا، تتصدر الجامعات الأمريكية باستمرار التصنيفات العالمية، مع ملحاقتها، من المؤسسات الخاصة المنتقاة للغاية التي تستفيد من التبرعات الاستثنائية، الشيء الذي يتيح لها تمويلا سخيا للبحوث الأساسية المختبرية، أي البحث التجريبي، الذي يهدف على المدى المتوسط، إلى تحسين وغربلة النظريات العلمية. إنه معطى هيكلي مهم، لأنه على عكس البحث العلمي التطبيقي الموجه للصناعة، يمكن أن يستغرق العائد على الاستثمار في مثل هذا النوع من البحوث سنوات.
أحد التحقيقات البيانية الصادر، أخيرا، أثبت استنادا إلى إجمالي عدد الحائزين على جائزة نوبل في العلوم من عام 1901 إلى عام 2017، أن صعود أمريكا كقوة عالمية في ابتكار العلوم، بدأ في عشرينيات القرن الماضي. فبعد فترة انتقالية (من الأربعينيات إلى الستينيات)، تم تعزيز هيمنتها العلمية في السبعينيات. ومع ذلك، منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعرضت القيادة العالمية لأمريكا، في مجال العلوم، لضغط المنافسة. في ذلك الوقت، انخفض نصيبها من الفائزين عبر التخصصات، على الرغم من احتفاظها بجاذبيتها كوجهة للفائزين المستقبليين من أوروبا ومنطقة آسيا.
بالإضافة إلى ذلك، وجدت أمريكا نفسها على ما يبدو أقل فعالية منذ عام 2010 في نقل القدرات لإجراء البحوث الرائدة من جيل من العلماء إلى جيل آخر. بالإضافة إلى تمتع كل من أوروبا وآسيا، بحصص عالية مماثلة من دعم المنظمات البحثية الوافدة، في ما يتعلق بمكان إجراء تلك الأبحاث المهمة الحائزة على جوائز، مما يشير إلى أن هاتين المنطقتين نشطتان للغاية في المنافسة بين مؤسساتها العلمية على جذب المواهب العلمية .
أمست أمريكا المركز العالمي للأبحاث العلمية الناجحة، خلال القرن العشرين. جامعاتها التي تعتمد على الأبحاث التجريبية بشكل مكثف، أصبحت قادرة على المنافسة عالميا في عشرينيات القرن الماضي. لكن التحول الضخم تحقق بعد الحرب العالمية الثانية، والذي ساهمت فيه الهجرة الكبيرة للعلماء الأوروبيين البارزين، في مستهل الثلاثينيات، الفارين من خناق الأنظمة الشمولية (النازية والفاشية والستالينية)، وكذلك التطور غير المسبوق للعلوم التجريبية التي ترعاها الحكومة وقتها .
فكما جاء في إحدى الدوريات المتخصصة في تاريخ العلوم، يعود التركيز على البحث الأساسي بأمريكا إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مع إنشاء مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية في بداية الخمسينيات، والتي لا تزال تنسق الأموال الفيدرالية للجامعات، بالإضافة إلى التبرعات والمنح الخاصة التي لعبت دورا متزايد الأهمية في هذا التمويل .
وأدى النمو الهائل للبحث العلمي بآسيا منذ التسعينيات، خاصة بالصين، إلى إثارة مناقشات حول التراجع الوشيك لهيمنة أمريكا الشمالية على العلوم.. فإذا كانت الصين تلحق تدريجيا بالولايات المتحدة من حيث إجمالي تمويل البحوث (ما يصل إلى خمسمائة مليار دولار)، فإن الحرية الأكاديمية في إنجاز البحوث، والقدرة على إغراء العقول الأكثر تفوقا بعدم الهجرة، تظل تحديا للسلطات الصينية. لأن أمريكا تستغل أيضا بريقها الخارجي، ووضعها المتميز كأكبر اقتصاد في العالم لترسيخ هذا الفرق الطفيف.
هناك المزيد من فرص العمل، ليس فقط في الأوساط الأكاديمية، ولكن أيضا في القطاع الصناعي أو المختبرات الحكومية أو غيرها، وغالبا ما تكافئ الجامعات الأمريكية الباحثين الشباب الواعدين، من خلال تزويدهم بما يعينهم على إنشاء مختبرهم الخاص، على عكس الإنكباب البحثي الجماعي الممركز، والذي يقوده شخص واحد أكبر سنا وقريب من الإحالة على التقاعد، كما هو جار به العمل في النظام الصيني، منذ انطلاق الحقبة الشيوعية.
وعلى الرغم من أن أمريكا كانت فعالة في نقل القدرات لإجراء البحوث الرائدة، من جيل واحد من العلماء إلى آخر لفترة طويلة، يبدو أن جامعات أوروبا ومنطقة آسيا تلحق بها. وغالبا ما تُعزى الهيمنة العلمية لأمريكا، إلى التصميم التنظيمي لجامعاتها البحثية (والتي تتنافس داخليا بنشاط أكبر على احتواء العقول العلمية، وتعتمد الابتكارات العلمية الجادة، بشكل أسرع من الجامعات والمؤسسات البحثية بأوروبا، وأماكن أخرى من العالم)، وعلى الأخص مزيج من الأقسام الأكاديمية الجماعية، وكليات الدراسات العليا الموجهة نحو البحث، دون نسيان دور القيادة الاستراتيجية لرؤساء الجامعات.
نافذة:
تُعزى الهيمنة العلمية لأمريكا إلى التصميم التنظيمي لجامعاتها البحثية والتي تتنافس داخليا بنشاط أكبر على احتواء العقول العلمية وتعتمد الابتكارات العلمية الجادة بشكل أسرع من الجامعات والمؤسسات البحثية بأوروبا