لا تسلط عليهم الأضواء، ولا يحضرون الندوات الصحفية. لا يلتفت إليهم رجال ونساء الإعلام، ويفضلون الجلوس في المقاعد الخلفية للحافلة. يقضون أغلب أوقاتهم في غرفة الفندق، خلف جهاز حاسوب هو خير جليس في حياتهم.
إنهم محللو الأداء في طاقم المنتخب المغربي. لا يعرف الناس سر وجودهم ضمن كتيبة الركراكي، ويود المشجعون لو سمعوا أصواتهم حتى يخيل إليهم أنهم في مهمة سرية.
ضمن الطاقم التقني الموسع للناخب الوطني، يوجد عنصران نادرا ما نسمع أصواتهما، لكنهما يتأبطان على الدوام حاسوبا وأجهزة اتصال وهاتفا ذكيا.
موسى الحبشي، واحد من جنود الخفاء في المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، يشغل منصب محلل الأداء بـ«الفيديو»، ضمن الطاقم التقني للمدرب وليد الركراكي، وواحد من أبرز المساهمين، خلف الستار، في فوز المنتخب على كثير من خصومه. قبل مواجهة المنتخب البلجيكي، اختلى بالركراكي وقال له ضع «النية» جانبا واسمع كلامي جيدا.
ولأنه اشتغل طويلا محلل أداء ضمن منتخب بلجيكا، فقد كشف أسرار هذا المنتخب وأحاط المدرب بنقط القوة والضعف. كان وليد يصغي لكلام الحبشي باهتمام كبير كتلميذ أمام مدرس في حصص الساعات الإضافية.
حين كان الحبشي محلل أداء ضمن المنتخب البلجيكي، على امتداد أربع سنوات، كان مجرد «فريلانس» تلجأ إليه الجامعة البلجيكية خلال مباريات منتخبها ويصبح حرا طليقا بمجرد نهاية المباريات.
ولكي نعطي لقيصر ما لقيصر، فقد كان المدرب السابق للمنتخب المغربي، وحيد خاليلوزيتش، وراء ضم الحبشي للمنتخب الوطني، سنة 2020، وفق عقد يمتد إلى 2025، حينها قال موسى: «وجدت وظيفة بدوام كامل، بينما كنت أعمل بدوام جزئي مع بلجيكا».
لا يحمل موسى عصا سحرية، لكنه تمرس مع فرق عالمية، أبرزها أندرلخت البلجيكي ولوكرين والزمالك المصري، وفي لحظات استرخائه يفضل الاستماع لموسيقى هادئة تعفيه من متابعة مباريات صاخبة.
في منتخبنا رجل إنجليزي يشبه نجوم الأفلام البوليسية، اسمه هاريسون كينغستون، لا يتكلم، لا يناقش، لا يفرح ولا يحزن، كان مسؤولا في قسم التحليل بنادي ليفربول الإنجليزي لمدة ثماني سنوات، إلى أن تم تعيينه في منصب مدير تحليل الأداء داخل المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، بتوصية من الويلزي روبرت أوشن، المدير التقني السابق للمنتخبات الوطنية. حين قبل هاريسون العرض المغربي احتفل به أوشن بتدوينة وهامبورغر. كان شرطه الوحيد: صبيب أنترنت عالي التدفق.
حين يرتدي هريسون بذلته السوداء ويخفي عينيه خلف نظارة دكناء، تخاله يمثل دور المخبر، والحال أنه يقضي ساعات في جمع معلومات تقنية وتكتيكية عن خصوم منتخبنا، لكنه، واحتراما للتخصصات، اختار أن يوزع المهام مع زميله الحبشي في «قسم الاستخبارات الكروي»، حيث عهد للحبشي بالتحليل القبلي لأداء الخصوم، فيما تكلف كينغستون بالتحليل البعدي، في احترام تام للتخصصات.
يملك المنتخب الجزائري محلل أداء يدعى فاتح بريني، يمارس هذه المهمة مع كل المنتخبات «جملة وتفصيلا»، وحين أقصي جيراننا أمام الكاميرونيين مسحوا في تلابيبه الهزيمة. ويعتمد المصريون على محللي قنواتهم الفضائية في تقمص مهنة «محلل أداء» في حين تصرف الفرق النظر عن هذه المهمة وتعتبرها «خضرة فوق طعام».
قبل الثورة الرقمية، كان منتخبنا يرسل مبعوثا سريا إلى الدولة التي سنواجه منتخبها، فيعد تقريرا سريا عن آخر مبارياته التي تابعها بقناع، وتقريرا عن حالة الفنادق ووضعية الملعب والتغذية والمناخ، وحين يعود إلى المغرب سالما يسجل ملاحظاته التي قد يأخذها المدرب مأخذ جد أو يعتبرها مجرد انطباعات سائح يهوى جمع الصور.
قال المدرب التونسي فوزي البنزرتي: «اعطوني محلل أداء بحس استخباراتي أعطيكم كتيبة قادرة على القتال».. فلم يصدقه أحد.
حسن البصري