جنسية للبيع
حسن البصري
حين كان لاعبو المنتخب المغربي يتناولون وجبة الغذاء بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، داهمت هواتفهم أخبار قادمة من مقر محكمة التحكيم الرياضي بسويسرا، تعلن رفض المحكمة السماح للاعب المغربي منير الحدادي بحمل قميص المنتخب المغربي في الاستحقاقات القارية والعالمية. كانت وجبة الغذاء عسيرة الهضم على اللاعب والناخب الوطني وزملاء الحدادي الذين لا يملكون سوى عبارات المواساة لزميل كان يحلم باجتياز دورة استدراكية مع المنتخب المغربي.
لمنير قصة تستحق أن تروى على مسامع قضاة محكمة التحكيم الرياضية في سويسرا، قصة كفاح بطلها والده محمد الحدادي الريفي الجذور، الذي اختار سنة 1984 الهجرة السرية في قوارب «الموت» من ضواحي الفنيدق إلى سواحل الجزيرة الخضراء، لكنه هاجر نحو شمال إسبانيا هروبا من الحرس الإسباني، وفي مدينة بيلباو قرر الاستقرار واشتغل في مطعم يقدم لزبنائه وجبات السمك، عرف الحدادي في الأوساط الباسكية بلقب خايمي نسبة لطباخ شهير، وحين عاد إلى مدريد اشتغل في مطاعم الأسماك.
وراء خايمي المغربي زوجة مكافحة هي الأم التي أنجبت اللاعب منير واسمها سعيدة حدو، تنتمي لحي شعبي في مدينة مليلية، وكانت تحرص على قضاء شهر رمضان في هذا الثغر المحتل، لذا نالت سعيدة الجنسية الإسبانية قبل زوجها محمد الحدادي وبعدها أصبح الأب والأبناء يحملون الجنسية المزدوجة المغربية والإسبانية.
حين كان منير يركض وراء الكرة وهو طفل صغير، كان لقب خايمي يطارده ويلتصق به حتى ظن رفاقه أن الولد إسباني الجذور، لكن لا أحد كان يعلم أن منير سيجد يوما عسرا في استحضار جنسية اكتسبها «جينيا» قبل أن يحرم منها «كرويا».
ولأن منير كان يعشق الكرة والسمك، فقد شاءت الصدف الماكرة أن ينضم في طفولته وشبابه لفرق تشبه أسماؤها أنواع الأسماك «كوربينا» «سانتانا» «جالاباجار» وكأن الفتى كائن بحري. لكن ازدواجية العشق ظلت تسكن وجدانه حين عشق ريال مدريد ولعب لبرشلونة.
ليس منير هو ابن المهاجر المغربي الوحيد الذي سطع في سماء الكرة الأوربية، فقد برزت مواهب عديدة استفزت جمهور الكرة المغربي حين تابعها وهي تصنع أفراح الآخرين، فانتفض الراسخون في الكرة رافضين أن يكون «خيرنا من نصيب غيرنا».
هناك لاعب أبهر الإيطاليين والإنجليز يدعى آدم مسينا، عاش قصة عذاب حقيقية، فقد ولد في مدينة خريبكة سنة 1994 هاجر رفقة والديه إلى إيطاليا وهو رضيع، وعند وصوله إلى الضفة الأخرى فارقت والدته الحياة، فعاش طفولة صعبة في كنف الجمعيات الخيرية إلى أن تبنته أسرة إيطالية في بولونيا ومنها استمد اسم «ماسينا». وبفضل هذه الأسرة فتحت له أبواب التألق في ملاعب الكرة إلى أن حمل قميص المنتخبات الإيطالية.
هناك لاعب مغربي تألق مع نادي ألكمار الهولندي، وشغل بال المغاربة والهولنديين والليبيين، زكرياء بوخلال من أم مغربية وأب ليبي وفي جيبه ثلاث جنسيات، لكن والدته أقنعت زوجها بجدوى حمل قميص المنتخب المغربي بالنظر للظرفية الأمنية الحرجة في ليبيا، فحصل الوفاق الوطني وانتقل زكرياء إلى المغرب تلبية لنداء الوطن.
في زمن غير بعيد كان إقناع لاعب مغترب بحمل قميص المنتخب المغربي يتم بطرق تقليدية، حيث يتوجه المدرب ومسؤول من الجامعة وأحد أقارب اللاعب إلى أوربا محملين بهدايا من الصناعة التقليدية، يجالسون والد اللاعب ووالدته ويحاولون إقناعه بجدوى الانضمام للمنتخب المغربي، يبدو المشهد كخطبة فتاة ينتظر الجميع ردها الحاسم، وغالبا ما تفشل المفاوضات ونخسر الهدايا والكلام الضائع.
اليوم نحتاج أولا لإقناع وكلاء أعمال اللاعبين المغتربين قبل آبائهم وأمهاتهم، نحتاج لخطة استقطاب لا مكان فيها للعار و«التحزار» و«المرفودة»، ونحتاج أكثر لمن يستوعب المغزى الحقيقي لـ«هب فتاك لبى نداك».