جنرالات حولوا أرباح آبار البترول إلى حساباتهم الشخصية
يونس جنوحي
بدا واضحا أن الموظفين، مدنيين وعسكريين، المحيطين بالجنرالات الجزائريين، بل وحتى الذين كانت أدوارهم لا تتعدى تأبط حقائبهم أو تنظيم «جلساتهم» وسهراتهم، كانوا يغرفون من الامتيازات. حدث كل هذا خلال الفترة ما بين 1980 و1999، وهي المرحلة التي تغول فيها دور هذه «المافيا»، وتاجرت في السلاح والإرهاب وخيرت الجزائريين بين الرضوخ للأمر الواقع أو تسليط شبح انفلات الأمن على الجميع.
فيلم رديء
يقول هشام عبود إن أحمد المراني، الذي ترقى واستفاد من دعم الجيش وأصبح مستشارا لرئيس الحكومة الجزائرية السابق أحمد غزالي، كان من الذين اغتنوا من خلال السيطرة على مشاريع السكن الاجتماعي في الجزائر.
بل وأعطى هشام عبود معلومات دقيقة بهذا الخصوص، حيث قال إن أحمد المراني وضع يديه على خمسة تجمعات سكنية اجتماعية في منطقة باب الزوار، ضاحية العاصمة الجزائر، حيث باعها بما يناهز 12 مليونا ونصف مليون دينار جزائري.
بل إن الجنرالات، يواصل هشام عبود، قاموا بالسيطرة على بعض قنوات البترول وباعوه خارج الإشراف الحكومي، كما لو أنهم صاروا يملكون بعض الآبار، حيث كانت تعويضات البراميل التي يتم بيعها، تضخ مباشرة في حسابات بنكية في الخارج.
أثار هشام عبود مسألة البترول الجزائري في أكثر من موضع في هذه المذكرات المثيرة والملتهبة. وسبق له أيضا أن تناول الموضوع في تصريحات للصحافة الفرنسية. وأكد أن بعض الجنرالات في الجزائر كانوا يستغلون سلطتهم وتخوف السياسيين والإداريين منهم، ويشرفون بأنفسهم على بعض آبار البترول ويتولون بيعها بأنفسهم في السوق السوداء ويشترطون على المشترين المفترضين أن يحولوا لهم تعويضات مهمة جدا بالعملة الصعبة، خصوصا الدولار، في حسابات بنكية في الخارج. وهكذا، كما يصف هشام عبود الأمر في مذكراته: «كانوا يضخون حساباتهم البنكية الشخصية من كنز المال العمومي».
البترول والإرهاب
مسألة ارتباط أموال البترول الجزائري مع تمويل الإرهاب تبقى وثيقة جدا، وتوجد أدلة تفضحها، وسبق لأجهزة استخباراتية أجنبية أن فصلتها وهو ما أحرج الجزائر أمام المنتظم الدولي. سواء في سنوات التسعينيات أو ما بعد هجمات 11 شتنبر التي كان وراءها تنظيم القاعدة.
يقول هشام عبود إن مقربين من الجنرال توفيق كانت مهمتهم الأساسية الحصول على أموال من الصناديق السوداء التي لا تخضع لأي مراقبة، وصرفها بأي طريقة يرونها مناسبة لتمويل جماعات متطرفة أو لإدخال السلاح إلى مناطق وجود معسكرات التدريب، خصوصا خلال فترة تجنيد المسلحين لكي يجد الجيش ذريعة لتنفيذ الجرائم التي راح ضحيتها آلاف الجزائريين خلال ما كان يعرف بالعُشرية السوداء، والتي لم تنته إلا سنة 1999.
بالنسبة لهشام عبود، فإن اطلاعه وقتها على تفاصيل هذه العمليات، جعله يخرج بقناعة مفادها أنه يتعين عليه البحث عن طريقة فورية لمغادرة المؤسسة العسكرية حتى لا يجد نفسه مستقبلا ضيفا على محكمة دولية بتهمة إبادة المدنيين أو المشاركة في عمليات قذرة.
إذ إن شخصيات عسكرية يحميها النظام الجزائري، تورطت فعلا في جرائم ضد الإنسانية. وظهر الأمر بوضوح عندما تمت ترقية بعض الأسماء التي ساهمت في خروج الشباب الجزائري إلى أفغانستان وسهلت عملية نقل السلاح عبر الحدود، حيث أصبحت هذه الأسماء مقربة من رئاسة الجمهورية ومنهم من حصلوا على مناصب مسؤولية في مؤسسات لديها ميزانيات بملايين الدنانير الجزائرية سنويا.
وهذا دليل دامغ على أن النظام الجزائري كان يقف وراء كل تلك العمليات، ولم يكن أولئك المكلفون بالعمليات القذرة إلا ممثلين للنظام الجزائري.
في الفصل المقبل، الذي اختار له هشام عبود عنوان «الخطيئة الأولى»، أو «أصل الخطيئة»، مجهود كبير جدا لكشف أصل الداء الذي جعل الجيش الجزائري يتغول بتلك الطريقة لكي يصبح مافيا حقيقية وضخمة، تتحكم في مفاصل الدولة، حتى أنها مسؤولة اليوم بشكل تام عن كل المشاكل التي أدت إلى تأزم العلاقات بين المغرب والجزائر، دون أن يملك القصر الرئاسي في العاصمة أي سلطة لسحب البساط من تحت أقدام الجنرالات.
من خلال تجربة صاحب هذه المذكرات التي نحن بصددها، بدا واضحا أن الجنرالات لم يكونوا أصلا يقفون فوق بساط السلطة، بل لا نبالغ إذا قلنا إنهم جمعوا بساط السلطة ورموه فوق أكتافهم ومضوا بالبلاد في اتجاه المجهول.