شوف تشوف

الرئيسيةسري للغاية

جنرالات بنوا إقامات فخمة وجمعوا ثروة بفضل الجيش

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

الفصل الذي يحمل عنوان «المجرى الذي تم تحويله عن مساره» حافل بالأحداث وبالوقائع. بدايته بدا واضحا أن هشام عبود وجهها لغير الجزائريين، بحكم أنه سرد ما يشبه «كرونولوجيا» لنشأة الجيش الجزائري وبعض الشخصيات التي ارتبط وجوده بها، وصولا إلى المرحلة التي صرنا نعرفها جميعا.

وهو فعلا جيش جرى تغييره عن مساره كما يتضح، إذ إن الغاية التي تأسس من أجلها تناقض واقع حال المؤسسة العسكرية التي صارت تحتكر كل شيء في الجزائر، وتطغى على المدنيين وتفرض على الساسة ما يفعلونه.

جل وجوه الجيش كانوا من جيل ثورة 1954 التي مهدت لاستقلال الجزائر، بمساعدة كبيرة جدا من المغرب وتأطير من الملك الراحل محمد الخامس وولي العهد وقتها، الملك الحسن الثاني لاحقا. حيث إن الفوارق الاجتماعية كانت هي المحرك الأول لنهوض الثورة والتحاق عدد من الجزائريين بها. لكن اتضح أن الذين ثاروا ضد «المستعمرة» الفرنسية، حولوا الجزائر مباشرة بعد استقلالها إلى «مُستعمرة» خاصة.

يقول هشام عبود: «الجنرال الشلوفي، الأمين العام السابق لمكتب وزارة الدفاع، كان من هذا النوع. لم يكن راضيا عن إقامة «بوركو» الموروثة عن الاستعمار في منطقة بوشاوي، وبنى أخرى أجمل وأكثر تكلفة على بُعد كيلومترات فقط. لكن، بما أنه احتفظ بعقلية استعمارية، فإنه توجه إلى ألمانيا لكي يطلب مساعدات اجتماعية ويلعب دور المتسول عند الممثلين الدبلوماسيين المعتمدين في «بون». شخص آخر، يسمى «بن الاحرش»، كان كوميسيرا في «مصلية»، فضل أن يضع الفيلا الخاصة به للكراء رهن إشارة الأجانب وليس للجزائريين».

 

رجال يأكلون الغلة

يقول هشام عبود إن نخبة من رموز الجيش الجزائري في سبعينيات القرن الماضي، راكموا ممتلكات بصورة غير مفهومة، لكنها كانت واضحة. لم يكن هناك أي شك أبدا في أن الذمة المالية لهؤلاء المسؤولين العسكريين، الذين أمسكوا أيضا زمام الأمن، ملوثة. إذ بدا واضحا أن رواتبهم في الجيش، وحتى العلاوات التي يمكن أن يراكموها طيلة مدة خدمتهم، لا تغطي أبدا نفقاتهم المرتفعة، ولا ممتلكاتهم التي يجاهرون بالتوفر عليها.

ما يريد هشام عبود قوله، هنا، إن الصف الأمامي والذي يليه، من مسؤولي الجيش في الجزائر كانوا فاسدين، ولم يكن لديهم أي مشكل في إظهار الأموال والثروة التي راكموها من وراء مناصبهم. وهكذا كان موظفو الأمن والجيش يعلمون أن بعض الأسماء تتوفر على فيلات فخمة وسيارات فارهة جدا في مختلف ربوع البلاد ويترددون عليها، بل هناك من وضع عناصر من الجيش لحراستها وبعلم الإدارة. وهو ما كان يعني أن القيادة كانت فاسدة تماما. وكان مثيرا للانتباه أن المُشترك بين هؤلاء الناس جميعا أنهم كانوا ينحدرون من أوساط عائلية و»تاريخية» متواضعة جدا، ولم يكن النعيم الذي يعيشون فيه إرثا عائليا ما أو استثمارا في أملاك تلك الأسر. يتعلق الأمر بأناس جاؤوا من الهامش وانطلقوا من الصفر وراكموا الأموال بفضل سلطاتهم في الجيش.

 

قبعتان فوق الرأس

كانت معضلة كبرى في الجزائر، أن يجمع مسؤول عسكري واحد بين صلاحيات كثيرة ومؤثرة للغاية في سلم السلطة. لم يكن الجنرالات يجدون حرجا في جعل بعض المقربين منهم مسؤولين عن أكثر من ملف أمني حساس. بل إن أكثر العمليات الأمنية تعقيدا كانت تحت إبط عسكريين مقربين من الجنرالات، بصورة جعلت كل الملفات الحساسة بعيدة تماما عن رئاسة الجمهورية. بل إن القصر الرئاسي لا يمكن أن يعلم عنها أي شيء إلا إذا أراد الجيش للسياسيين أن يعرفوا أي تفاصيل، ويختار التوقيت المناسب لهذا الأمر.

صحيح أن هشام عبود لم يقل هذا الأمر حرفيا في هذا الفصل، إلا أن الوقائع التي سردها، خصوصا التي تتعلق بموضوع الاتصالات السرية مع حزب الله، وفتح الباب أمام الشبان الراغبين في الالتحاق بأفغانستان خلال الثمانينيات، كانت تقول كل شيء. لقد اغتنى جنرالات الجيش الجزائري «بفضل» ملف الإرهاب، الذي ادعوا في التسعينيات أنهم كانوا يحاربونه، والتهموا الملايين من المال العام الجزائري لتمويل تلك الحرب التي أكلت الجزائريين في إطار ما عُرف وقتها بالعُشرية السوداء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى