جندي ألماني ينضم لجيش الخطابي ويشهر إسلامه
حسن البصري
تستحق سيرة جوزيف أوطو كليمس التوقف عندها، فقد حل هذا الشاب الألماني بالمغرب متطوعا في الجيش الفرنسي، وانتهى به المطاف في جيش مغربي مدافعا عن الريف، وحين استأنس بأجواء المغرب نال لقب الحاج لاليمان، أي «الألماني».
ولد جوزيف عام 1893 في مدينة دوسلدورف، التحق بالجيش الألماني في سن العشرين، وغادر ألمانيا سنة 1914 متطوعا في الفيلق الأجنبي الفرنسي بموجب عقد يمتد لخمس سنوات. أُرسل جوزيف إلى الجزائر قبل أن يعين ملحقا بالحامية العسكرية الفرنسية في مدينة مكناس سنة 1916. ونظير شجاعته وانضباطه، رقي سنة 1920 إلى رتبة عريف ووقع للجيش الفرنسي التزاما جديدا لخمس سنوات أخرى.
يقول الباحث المغربي مصطفى أمزيز، إن كليمس كان متذمرا من الأجواء داخل الثكنات الفرنسية، مشيرا إلى أن وخزة الضمير حصلت يوم 23 غشت 1922، «استفاقت كتيبته على خبر اختفائه مع ثلاث بنادق آلية، فيما كان هو قد اختار الفرار إلى الجبهة الأخرى، إلى مقاومة الأطلس بآيت بازا حيث سيَذيع صيته بين المجاهدين بعد إسلامه، ثم نجاحه في التخطيط لهجوم خاطف على قاعدة للجيش الفرنسي في بلدة ميسور والاستيلاء على كم مهم من الأسلحة والذخائر، ما جعل السلطات الاستعمارية الفرنسية تخصص مكافأة مالية مهمة لمن يأتي لها برأسه حيا أو ميتا، لكن قدر الرجل سيعرف اتجاها آخر أكثر إثارة مع التحاقه بجيش محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف».
مباشرة بعد انتهاء معركة أنوال عام 1921، مخلفة هزيمة مدوية للجيش الإسباني غنمت خلالها المقاومة الريفية عتادا كبيرا، تم الاتصال بكليمس، وهو في جبال الأطلس، بوساطة مهربي الأسلحة الألمان، الذين دعوه للالتحاق بالأمير، وما كادت السنة تدور دورتها حتى كان اللقاء المرتقب بين الأمير الخطابي وكليمس بِـ«أجدير» عاصمة الريف، وبرفقته خمسة ألمان وفرنسيان من الهاربين من كتيبة الأجانب في الجيش الفرنسي، الذين سيرتفع عددهم مع توالي الأيام إلى حوالي سبعين إطارا عسكريا أجنبيا، من مختلف التخصصات والجنسيات بفضل مجهودات كليمس.
أبان العسكري الألماني عن خبرة واسعة في استراتيجية حرب الجبال، لكن نقطة قوته تكمن في المسح الطوبوغرافي الذي كان شيئا جديدا لدى المقاومين المغاربة، كما عهد إليه بالترجمة بل كان يحضر الاجتماعات العسكرية دون أن يخامر القيادة أي شك، كما قام بتوثيق الأعمال القتالية عبر التصوير الفوتوغرافي، فدشن الإعلام الحربي في زمن كانت فيه المعارك تتم في صمت إلا ما صدر من بيانات.
وحسب الكاتب المصري إبراهيم أحمد عيسى، صاحب كتاب «الحاج ألمان.. غيوم الريف»، فإن كليمس ساهم في إغراء رؤوس الأموال الألمانية بالاستثمار في قطاع التجارة والتعدين، في أفق إشعال حرب المصالح تخفيفا للضغط العسكري المتعاظم على المقاومة.
تزوج جوزيف بفتاة ريفية من كزيانة تدعى ميمونة، رزق منها بطفلين، رافقته شريكة حياته في أصعب منعرجات حياته، خاصة وأنه قضى شهورا طويلة يواكب صمود المقاومة أمام الزحف العسكري لنحو نصف مليون مقاتل إسباني وفرنسي.
في آخر لقاء له بالأمير عانقه هذا الأخير، قائلا: «انتهى الأمر، تقبل الله منك، يمكنك الذهاب»، حينها لجأ كليمس إلى عائلة زوجته ميمونة التي وفرت له المخبأ والحماية، غير أن القائد المذبوح، أحد عملاء الفرنسيين في المنطقة، وشى بمكانه طمعا في المكافأة التي خصصتها السلطات الفرنسية لمن يدلها على وجوده.
في فبراير 1927، مثُل كليمس أمام محكمة عسكرية بمكناس التي أصدرت في حقه حكم الإعدام. إلا أن حملة إعلامية واسعة قادها الحزب الشيوعي الفرنسي خففت عنه الحكم قبل تسليمه إلى ألمانيا لكنه مات بشكل غامض عام 1939.
انبهر المخرج الإيطالي سيرجيو جريكو بحكاية هذا البطل، فأنجز شريطا بعنوان «سرجان كليمس» عرض في السينما العالمية عام 1971، دون أن تحمل شوارع الريف اسم هذا البطل.