شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

جنائز في بيت الاتحاديين

رسائل سياسية في اللحظات الأخيرة من حياة صقور الاتحاد الاشتراكي

في كثير من حالات الوفاة، يقف المحققون حيارى أمام هول الموت، وغالبا ما يستخلصون إذنا بالدفن وتبقى أسرار الرحيل في نفق الغموض. في قائمة الوفيات غير العادية، مشاهير انطفأت شمعة حياتهم في ظروف فريدة ونادرة.

مقالات ذات صلة

في جنائز السياسيين رسائل لمن يهمهم الأمر، بل إن السير وراء جثامينهم قد يذيب جليد الخلافات ويعيد اللمة للتيارات المتنافرة، بغض النظر عن مضامين كلمات التأبين التي ترصد ذكر محاسن الميت بما يشوق إلى التأسي به والاقتداء به في الأعمال الطيبة من الجود والنضال.

فوق المقبرة أو المسجد أو بيت العزاء، تحلق الوعود بين تنظيم تأبين سنوي وخلق مؤسسة لجمع أشلاء فكر الراحل، وإطلاق اسمه على الأزقة والساحات والشوارع، لكن تمر سنوات على الرحيل دون أن تحقق الوعود.

تختلف جنازة المناضلين السياسيين عن جنازة المواطنين العاديين، فهي حدث إعلامي يجلب له مئات المنابر، وليس فيه نوع من صرامة التنظيم وضخامة الحشود، التي تغض الطرف عن خلافاتها السياسية والإيديولوجية وتصر على تسجيل أسمائها في كشف الحضور.

حين يموت سياسي كرس حياته للسياسة والسياسيين، يستحضر رفاق دربه سنوات الجمر، ويستحضر أهله وجهه الآخر ويجمعون أن الفقيد كان مربيا حين يدخل بيته، على قبره يعترف خصومه بأفضاله ويلتمسون منه الصفح ميتا.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، نسلط الضوء على جنائز البيت الاتحادي ونكشف جوانب خفية غيبها الدمع والتأبين.

 

في تأبين الراضي.. إجماع على فقدان صانع التوافق

في عصر يوم الأحد الماضي، توفي القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الواحد الراضي، عن عمر يقارب 88 سنة، بعد معاناة مع المرض امتدت لأشهر. تقدم ولي العهد الأمير مولاي الحسن، والأمير مولاي رشيد، مشيعي جنازة القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والوزير السابق، عبد الواحد الراضي، بمقبرة الشهداء بالعاصمة الرباط، وتميزت الجنازة بحضور عدد كبير من السياسيين والحقوقيين والشخصيات الوازنة، التي حرصت على المشاركة في تشييع جنازة الراحل.

قضى الراضي فترة في المستشفى العسكري بالرباط، وخضع هناك لفحوصات طبية قبل أن يتابع رحلة العلاج بفرنسا. كانت جنازته حاشدة بكل المقاييس، إذ يعتبر من مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عام 1959. انتخب كاتبا أول له خلال المؤتمر الثامن للاتحاد الاشتراكي سنة 2008، كما عين وزيرا للعدل وانتخب في 9 أبريل 2010 رئيسا لمجلس النواب، ومنذ أن دخل الراضي للبرلمان لم يغادره.

ارتبط اسم الراضي بمقامه الطويل في البرلمان، لكن في يوم الجنازة تحدث رفاقه عن تعرض عبد الواحد للاعتقال عقب أحداث 13 يوليوز 1963، وكان حينها برلمانيا لكن الحصانة لم تتح له فرصة نيل السراح المؤقت، وقضى فترة في ضيافة معتقل درب مولاي الشريف، بتهمة التآمر على النظام، كما قضى حوالي شهر في كوميسارية المعاريف.

في بيت الراحل، أجمع صقور الاتحاد الاشتراكي على أن الفقيد كان من صناع التوافق، وكان دائما يبحث عن نقط الالتقاء عندما يحصل الاختلاف. كان يتميز بالرزانة والهدوء عند الأعاصير وفي المنعرجات، وتلك من صفات القادة الحزبيين والسياسيين الكبار. لقد ساعده في ذلك تكوينه الأكاديمي وتخصصه في علم النفس الاجتماعي، وبالأساس خبرته الميدانية ومجايلته سياسيين كبار في الاتحاد كما في المشهد السياسي والحزبي عامة.

من المفارقات الغريبة في جنازة الراضي، أن أحد جلاديه في درب مولاي الشريف، كشف عن تقدمه بتظلم في شأن احتلال ملك، حين كان عبد الواحد وزيرا للعدل، دون علم هذا الأخير.

 

اليوسفي.. مات في عز الوباء ودفن في قبر اتحادي توأم

بناء على وصيته، ووري الثرى المجاهد الاتحادي عبد الرحمن اليوسفي، في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء. توفي في عز كورونا فتقلص عدد المشيعين استجابة لتعليمات صارمة، حيث دفن بحضور عدد محدود من مقربي الفقيد. مات الرجل عن سن السادسة والتسعين من عمره، وظل في أيامه الأخيرة أسير فراش غرفة الإنعاش.

ولأن الظرفية وبائية، فقد سمح لبعض القياديين الاتحاديين بحضور عملية دفن اليوسفي، يتقدمهم الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، وبرفقته رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي آنذاك، وانصرفا بمجرد تشييع جنازة الراحل اليوسفي. كما سجل حضور كل من إدريس جطو، الوزير الأول الأسبق إلى جانب فتح الله ولعلو، فضلا عن زوجته إيلين التي ظلت بجانبه حتى آخر لحظات حياته وكانت تقضي لياليها قرب غرفته داخل مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.

وبناء على تعليمات سامية، التقى اليوسفي برفيق دربه عبد الله إبراهيم في المقبرة حيث رقد إلى جواره وأعد لهما قبر توأم بعد أن اجتمعا وهما قيد الحياة في المقاومة والعمل السياسي، وجمع بينهما الانفصال عن حزب الاستقلال لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم تفرقت بهما السبل، عندما خرج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من رحم الأخير. وعادا ليلتقيا في الكتلة الديمقراطية. بين الرجلين العديد من نقط الالتقاء أبرزها تحملهما لمسؤولية قيادة الحكومة، وكتب الله أن يكون قبره إلى جوار رفيقه القديم، كأنهما على موعد بعد الفناء.

يشار إلى أن عبد الرحمن اليوسفي أصدر سنة 2018 مذكرات بعنوان «أحاديث في ما جرى»، جمع في أجزائها تجربته السياسية كاملة، وتحدث فيها عن ذكرياته معارضا وزعيما سياسيا. وبرحيله تكون الذاكرة الجماعية المغربية للستين سنة الأخيرة، قد فقدت أحد أهم المؤثرين فيها. لقد كان عبد الرحمن اليوسفي هو من قرأ سطور التأبين في جنازة عبد الرحيم بوعبيد، وتمنى أن يؤبنه قيادي من الوزن الثقيل، إلا أن الوباء غير مجرى الجنازة وألغى الكثير من طقوسها.

روى عبد الرحمن اليوسفي قصة مؤثرة جمعته برجل تعليم اتحادي فصل من التدريس في سنوات الرصاص. كان قد كتب سنة 1980 رسالة مؤثرة إلى عبد الرحمن، والتقاه في جنازة عبد الرحيم بوعبيد في العاشر من يناير 1992، ودس في يده ورقة يخبره فيها أنه الرجل الذي راسله كاشفا عن معاناته مع المرض والإهمال بعد فصله من الوظيفة بسبب نضاله في صفوف الحزب. كان تدبير هذا الملف صعبا، لكن الملفت أن عبد الرحمن اليوسفي، منذ الأسبوع الأول لجلوسه في مكتب الوزارة الأولى، أمر بالبت في ملف رجل التعليم مستحضرا صورة معطفه الرث وهو يعلق آماله عليه.

 

وفاة الفقيه البصري بعد ساعات من تحرير رسالة شكر للملك

كتب لمحمد البصري المقاوم والمعارض أن يفلت من الموت مرات عديدة، فقد اتفق المستعمر الفرنسي ومغرب سنوات الرصاص على تصفية «الفقيه» المزعج، حيث حكم عليه بالإعدام سنة 1955، لكنه خطط لعملية هروب من السجن المركزي بمدينة القنيطرة تحولت فيما بعد إلى ما يشبه الأسطورة. أفلت الرجل من الموت وكتب له عمر جديد، وكاد أن يحرم من استنشاق نسائم الحرية والاستقلال.

وفي عهد الاستقلال ظل البصري عرضة للموت في أي لحظة، حيث وضعه محيط القصر ضمن اهتماماته وظلت لعبة القط والفأر سارية المفعول، إلى أن انتهت بحكم بالإعدام على المعارض المؤمن بالتغيير عن طريق السلاح. مما اضطره إلى الهروب صوب الجزائر.

في نهاية شهر غشت 2003، اضطر الفقيه البصري إلى التوقف اضطراريا في باريس ليدخل إحدى مصحاتها، ويقضي بها يومين، كان الرجل قد دخل في «أرذل العمر»، وهو في طريقه من بيروت إلى الدار البيضاء، وأجريت له عملية جراحية في القلب. قال بلاغ للمصحة إن وضعية البصري «حرجة جدا» وأنه دخل في غيبوبة على امتداد يومين كاملين، قبل أن يستفيق منها.

لذا ظل البصري يحن إلى باريس، كلما تعرض لجلطة دموية تجعله يفقد الذاكرة، فتتحول زوجته سعاد إلى ممرضة دائمة. وحين اشتد المرض تكلف الملك محمد السادس بجميع مصاريف علاجه بأحد مستشفيات باريس، وحين تحسنت أحواله عاد إلى المغرب واستقر في منزل أحد رفاق دربه «الحضري» بشفشاون، بعيدا عن صخب الدار البيضاء.

عاد البصري إلى المصحة نفسها بعد شهرين، لكن تبين أن صمامات القلب في أسوأ أحوالها، لم يغادرها مشيا على الأقدام، بل غادرها على كرسي متحرك، وعاد إلى المغرب ليعيش قدره، بعد أيام أعلن عن وفاة أشهر المعارضين للنظام المغربي خاصة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي متعه بامتياز «الوطن غفور رحيم». مات البصري في مدينة شفشاون، عن عمر يناهز الثالثة والسبعين. وجاءت وفاته بعد فترة وجيزة من عودته من باريس.

وحسب رواية مقربين منه فإن الرجل ظل في آخر أيام حياته يطل من مقهى في تل مرتفع، على قبري محمد أمقران، والوافي الكويرة، شريكيهما في الانقلاب العسكري الفاشل لسنة 1972.

رفضت أرملته سعاد دفن زوجها في شفشاون إلى جانب أمقران وكويرة، وقررت تشييع جثمانه في الدار البيضاء بمقبرة الشهداء، رغم ذلك أحيى سكان هذه المدينة الذكرى الأربعينية للفقيد غيابيا.

 

بوعبيد يسلم مفاتيح الاتحاد الاشتراكي لليوسفي في جنازته

في جنازة عبد الرحيم بوعبيد شهر يناير 1992، وقف عبد الرحمن اليوسفي حاملا مكبر الصوت ليخطب في المتجمهرين، ملقيا كلمة تأبين في حق بوعبيد الذي قاد الاتحاد عبر بحر متلاطم من الأحداث. وقتها وفي تلك الجنازة، دخل الاتحاد الاشتراكي رسميا في مرحلة عبد الرحمن اليوسفي، وتبين أن هذا الأخير هو خليفة الراحل في كرسي الحزب، وفهم الحاضرون حينها أن وقت العزاء انتهى، وحان زمن الرسائل السياسية.

كان لا بد للأسرة الاتحادية أن تتحرك، ليس لدفن جثمان الزعيم، والبحث من المقبرة عمن يخلفه في الكتابة الأولى لحزب المهدي وعمر. كان الحسن الثاني يراهن وقتها على اختيار عبد الواحد الراضي كاتبا أول للحزب، في الوقت الذي ظل فيه محمد اليازغي يمني النفس بهذا المنصب، غير أن الاتحاديين كانوا قد اختاروا بشكل ضمني عبد الرحمن اليوسفي كاتبهم الأول، الذي تلا أمام قبر الراحل بمقبرة الشهداء خطاب التأبين.

قال اليوسفي «فكما كنت تتجلد أمام كل مصاب وتحبس دمعك أمام اختفاء خيرة إخواننا، جاعلا من ألمك وحزنك مصدر قوة وتصميم جديدين، فإنك تنتظر منا اليوم أن نواجه هذه الفاجعة الكبرى بصبر فوق طاقتنا، وأن نستلهم من هذه المحنة الكبرى إرادة مضاعفة لإنجاز ما سطرته لنا من أهداف سامية ومطالب مشروعة.. «.

وكان عبد الرحيم بوعبيد قبل أن يعين وزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة عبد الله إبراهيم، التي تصنف على أنها أول حكومة وطنية بعيد الاستقلال، أحد الذين وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال وأحد الذين فاوضوا من أجل أن ينال المغرب استقلاله، قد عين وزير دولة في حكومة البكاي في 1955.

 

نقاش إيديولوجي ينتهي بقتل عمر بن جلون

ما زال مقتل القيادي الاتحادي عمر بنجلون لغزا محيرا، على الرغم من مرور عقود على الجريمة، بل إن بعض الاتحاديين يعتبرون تصفية عمر نسخة منقحة من عملية الإجهاز على المهدي بن بركة، مع اختلاف في الشخوص وفي والزمان والمكان. لكن قبل أن يسقط «شهيد صحافة الاتحاد الاشتراكي» نجا مرات عديدة من القتل، وظل يردد في كتاباته أن التهديدات لا ترعبه، وأنه ماض في نضاله ضد من أسماهم بالظلاميين. ظل عمر عرضة للاغتيال في أي لحظة، بل إنه واجه أحكام الإعدام وتهجمات الخصوم السياسيين والنقابيين وعنف المخزن وعذاب المعتقل السري دار المقري ودرب مولاي الشريف، وخرج سالما من «لعبة» الطرد الملغوم.

في يوم الخميس 18 دجنبر 1975، على الساعة الثانية بعد الزوال. توقفت سيارة عمر بالقرب من بيته في حي مولان بالدار البيضاء، استوقفه رجلان ملتحيان تعرفا عليه، كانا في عقدهما الثاني.

تبادلوا التحية رغم أن عمر كان يبدو مستعجلا من أمره، غير مستعد لحوار في عز الظهيرة، لكن المتهم الأول في ملف مقتل بن جلون كانت له رواية أخرى، حيث أكد أمام المحققين أن الموعد متفق عليه سلفا مع عمر، «ضرب لنا موعدا عبر الهاتف للقائه في الساعة الثانية بعد الظهر، بادرناه بالتحية ورد علينا بمثلها، لكن التوتر خيم على الحوار الدائر حول بعد ما كان يكتبه عمر في عموده اليومي بصحيفة المحرر».

انتهى الحوار على نحو غير مرتقب، فقد اخترق مفك براغي «تورن فيس» بطن عمر، معلنا نهاية النقاش بين ملتحين وصاحب التقرير الإيديولوجي لحزب الاتحاد الاشتراكي. بدا من خلال التحقيقات الأولية أن الجريمة لم يكن مخططا لها، بدليل استعمال «مفك براغي» بدل سلاح أبيض أو أداة فتاكة سريعة القتل، والإصرار على ملاقاة الضحية في الشارع العام بالقرب من محطة وقود.

وجهت تهمة القتل لتنظيم الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع، لكن هذا الأخير ظل ينفي التهمة ويقدم رواية أخرى. وفي يوم الدفن ارتجل عبد الرحيم بوعبيد كلمة تأبين تحدث فيها عن الأيادي القذرة التي لجأت لتصفية الفكر بعد أن فشلت محاولة قتل هذا النقابي المرابط في جبهة النضال، بطرد ملغوم. والتي قال في أعقابها: «إنهم يقتربون إن فشلوا اليوم سينجحون في مسعاهم غدا».

 

الجابري.. جادل ابنه حول الدين والاشتراكية ومات بسكتة قلبية

حين اعتزل محمد عابد الجابري السياسة سنة 1981، بعد تقديم استقالته للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، إثر مباحثات مطولة مع زوجته وأبنائه، قرر تكريس حياته للبحث العلمي، فأبدع كتاب «نحن والتراث» ورباعية «تكوين العقل العربي»، و»بنية العقل العربي»، و»العقل السياسي العربي» و»العقل الأخلاقي العربي». في فترة الاعتزال السياسي، واظب الرجل على البقاء في مكتبه في البيت، كان مقلا في ظهوره في الساحة الثقافية المغربية، وبعد أن تقاعد من الجامعة صارت له إطلالات سنوية متباعدة.

محمد من مواليد سنة 1935 بمدينة فكيك التي تلقى بها تعليمه الأولي ثم غادرها إلى الدار البيضاء، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1967 ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، التي عمل بها أستاذا للفلسفة والفكر العربي والإسلامي.

انخرط محمد عابد الجابري في خلايا العمل الوطني في بداية خمسينيات القرن الماضي، كما كان قياديا بارزا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ظل يشغل لفترة طويلة عضوية مكتبه السياسي، قبل أن يعتزل العمل السياسي ليتفرغ لمشاغله الأكاديمية والفكرية.

حرص على تربية أبنائه والالتفات إلى أفراد أسرته الصغيرة والكبيرة، بل إنه تحول من متجول بين المدرجات والقاعات والتجمعات إلى رجل يلازم بيته بزنقة أم فال بحي بولو بالدار البيضاء. قال عنه زميله المرحوم أحمد السطاتي إنه «كان يرتدي لباس نومه يوم الجمعة مساء ولا يغيره إلا صباح يوم الجمعة الموالي عند ذهابه إلى كلية الآداب بالرباط لإلقاء دروسه»، وهو ما يرمز إلى اعتصامه بالبيت».

في أربعينية الراحل، التي نظمها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نقل عصام الجابري، الابن البكر للفقيد الجابري والناطق باسم العائلة، تفاصيل دقيقة عن وفاة والده: «حينما استيقظ الجابري من نومه في الثانية صباحا من يوم الاثنين، وقرأ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وبعد الشهادة أغمض عينه»، وأضاف قائلا: «لقد رحلت فجأة يا أبي ودون سابق إنذار بعدما ودعناك يوم الأحد أولادك، أصهارك وأحفادك، بعد نقاش فلسفي في الدين والأخلاق والاشتراكية والليبرالية». أما أرملته مليكة فأوضحت أنه بعد انصراف الأبناء ذهب الجابري إلى النوم. فلاحظت أنه لم يستيقظ باكرا كعادته، لتكتشف أنه فارق الحياة على سريره خلال الليل بسبب سكتة قلبية مفاجئة، وعمره 75 سنة.

في جنازته تحول موقف السيارات التابع لمقبرة الشهداء بالدار البيضاء يوم الأربعاء 5 ماي 2010، إلى فضاء للجدل الثقافي والفلسفي والسياسي، فقد ظل الحاضرون يناقشون الفكر الجابري قبل أن يطل الموكب الجنائزي.

 

محمد باهي يوصي بجمع أشلاء زاويته «رسالة باريس»

تعددت الروايات حول أسباب وفاة محمد باهي، الصحافي الاتحادي الذي ارتبط طويلا بجريدة المحرر قبل أن تغير جلدها، لكن المقربين من دائرة القرار في الحزب والصحيفة يؤكدون أن الوفاة لها علاقة بأزمته المهنية مع رفاق الدرب.

قال اِدريس الخوري، في إحدى خرجاته الإعلامية إن «خلافات محمد باهي مع بعض القياديين في الاتحاد الاشتراكي، وبعض صحافيي جريدة الحزب الذين رفضوا تعيينه على رأس الجريدة، كلفته أزمة كانت السبب في وفاته».

لقد عاش باهي في آخر أيامه وضعا مقلقا داخل مقر الجريدة بالدار البيضاء، حيث عاين الصحافيون معارك باردة تارة وساخنة تارة بين المشرف الجديد على الصحيفة، والجناح الرافض للتعيين، مما أثر سلبا على مسار صحيفة كانت تعد الأكثر مقروئية في تلك الفترة.

بدأت معاناة الرجل حين عينه عبد الرحمان اليوسفي مستشارا إعلاميا له وذلك في 14 ماي 1996، وكلفه بالإشراف على إعادة هيكلة هيئة تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي، بالنظر إلى التجربة التي راكمها في العديد من الصحف خاصة صحيفة المجاهد الجزائرية التي كان يديرها، إضافة إلى ارتباط باهي بصحافة الحزب مدة طويلة عبر إطلالته الشهيرة «رسالة باريس»، إلى أن وفاه الأجل المحتوم في 4 يونيو 1996.

من 14 ماي إلى 4 يونيو 1996 دخل باهي مرحلة العد العكسي، كان يكتم غيظه ويبتلع مرارة التآمر، وحين يعود إلى بيته يترك الدواء جانبا وينخرط في تدوين يومياته، فالكتابة بالنسبة إليه وصية وجرعة دواء يداوم عليها قبل الاستسلام للنوم. وحين شعر بدنو أجله آثر الرحيل مرة أخرى، مع توصية بجمع أشلاء زاويته «رسالة باريس» باعتبارها وثيقة تاريخية،  كان باهي يعتبرها مدرسة أدبية، فكرية، سياسية، وصحفية، لكن عددا من خصومه رفضوا طبعها في مطبعة الجريدة في إطار الحرب الباردة التي كانت معلنة على الرجل.

 

وصية نوبير الأموي بدفنه في جوف تربة «مزاب»

حينما ذهب زعيم الكونفدرالية ليعزي في وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، خاطبه محمد السادس بالقول: «إنني أعرف أنك عانيت كثيرا، الآن قل ما تريد». ومنذ ذلك الحين ظل الأموي يتحدث عن خليفة الحسن الثاني باحترام واضح.

غير أن التوهج الذي ميز نوبير الأموي وهو على رأس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، سيفقد رمزيته حينما اختار الرجل ألا يغادر المسؤولية النقابية رغم تقدمه في السن، لذلك عيب عليه أنه لا يزال مصرا على البقاء.

اختار الأموي الاختلاف مع رفيقه اليوسفي حول هوية التناوب الذي قاده، حينما رفض انقياد النقابة لقرار الحزب بخوض تجربة التناوب، ورفض الدعوة التي وجهت له للمشاركة في هذا التناوب من خلال بعض أطر الكونفدرالية. وهو الرفض الذي سيعصف بالمؤتمر الوطني السادس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بإعلان عدد من التيارات قرار الانتشار في «أرض الله الواسعة» كما قال بذلك اليوسفي، حيث بحثت كونفدرالية الأموي عن غطاء سياسي جديد بتأسيس حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، لكن لا أحد ينكر أن الرجل المزابي كان أحد القادة الذين ساهموا في تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في 1975، لكنه برز أكثر كقائد عمالي، بعد تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل 1978.

في شهر شتنبر 2021، نقل الأموي إلى المستشفى العسكري لتلقي العلاجات بعدما عانى من مشاكل هبوط حاد في ضغط الدم ومشاكل في القلب، قالت مصادر طبية إن الزعيم النقابي انقطع عن السياسة والنقابة. وفي الثامن من نفس الشهر سيلتحق نوبير بالرفيق الأعلى، ويدفن جثمانه في قريته «ملكو» بثلاثاء الأولاد بمنطقة ابن حمد، بناء على وصيته، عن سن يناهز 86 سنة، بعد صراع طويل مع المرض.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى