شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

جنائز الأحد

حسن البصري

شاءت الصدف أن تشيع جثامين الرياضيين في يوم الأحد، يوم المنافسات الرياضية، وأن يسير الأهالي والرفاق خلف التوابيت في المقابر وهم يسألون خلسة عن نتيجة مباراة ما زالت أطوارها جارية.

بعد عصر يوم الأحد ضرب الرياضيون موعدا لهم في المقابر، جمعهم الموتى من حيث لا يدرون، منحوهم فرصة لقاء في يوم مأتم مشوا في أثر الجنائز، وهم يسهبون في ذكر مناقب الراحلين وما علق في الذاكرة من ذكريات آيلة للسقوط.

شاءت الصدف أن تنظم جنازة ثلاث قامات رياضية بعد عصر يوم الأحد، ثلاثة لاعبين دوليين يوارون الثرى في يوم واحد وموعد واحد وألم واحد.

في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء ووري جثمان اللاعب الدولي والدبلوماسي عبد القادر لشهب الثرى، في جنازته سار السياسيون والوداديون وهم في أثر التابوت يبكون.

وفي مقبرة الشهداء بالرباط شيع جثمان اللاعب الدولي السابق حسن أقصبي، ودعه لاعبون ومدربون ومسيرون، وضربوا موعدا في ليلة التأبين.

من كان يعتقد بأن الفتح الرباطي لا يملك جمهورا، فقد كذبت جنازة أقصبي هذه الفرضية، حين سار وراء الجثمان جمهور يكفي لملء مدرجات ملعب الفتح.

في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة دفن في عصر يوم الأحد، جثمان أسطورة كرة القدم الجزائرية رشيد مخلوفي، صديق المغرب، الذي كان يحجز في قلبه مساحة حب للرياضيين المغاربة.

في يوم الأحد كانت المقابر وجهة عشيرة الكرة، تخلصوا من صخب مباريات تبدأ بالتصفيق، وتنتهي برمي الجمرات على اللاعبين والمسيرين والمدربين.

في مقبرة الشهداء بالرباط والبيضاء وفي مقبرة العالية بالجزائر، اجتمع نجوم الكرة السابقون صلوا صلاة الجنازة خلف أصدقائهم الملفوفين في الأكفان، اصطفوا في المقابر وتبادلوا السؤال عن الحال والأحوال، وعن رفاقهم الغائبين الذين انقطعت أخبارهم والمهاجرين الصامدين أمام عوامل التعرية الزمنية.

جمعت الكرة لشهب وقبله أقصبي ومخلوفي، كما جمعهم يوم الرحيل، لكنهم ماتوا كباقي النجوم مرتين أو ثلاث مرات. قتلتهم منصات التواصل الاجتماعي بأثر رجعي، شيعتهم إلى المقابر وهم أحياء لا يقدرون على صياغة بيانات الحقيقة، بعض القتلة ساروا وراء التوابيت يندبون، ومنهم من اصطفوا في طابور يتلقون العزاء.

في المقابر الثلاث، وقف المعزون يتحسرون على الرحيل، يلعنون الزمن الذي حرمهم من وداع رفيق، والتكاثر الذي ألهاهم وحال دون زيارتهم المقابر، كانوا يسهبون في ذكر فضائل ومناقب البطل حين أصبح يحمل صفة المرحوم.

ستمر الأيام ويصبح الأبطال جزءا من الماضي، في يوم كل جمعة سيتردد أهل الراحلين على القبر، لمناجاته والاطمئنان عليه ولترميم جنباته واستحضار آخر وصاياه.

ستمر الأيام وستجف الدموع وستوارى الوعود الثرى في مقابر النسيان. قال السياسيون الذين حضروا الجنازة، سنطلق اسمه على الملعب والشارع المؤدي إليه، وقال رئيس الفريق سنمنح أبناءه بطاقة شرفية ونمنح اسمه لفوج المتخرجين من مدرسة الكرة، وقال حفار القبور سأتعهد بالصيانة وسأسقي تربته كل صباح.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن مقاطعة المعاريف أقامت في، نهاية الأسبوع الماضي، حفلا بمناسبة تدشين مركب ثقافي حمل اسم الفقيد أحمد صبري، قال الحاضرون:

إن السياسيين أوفوا بوعود التأبين، لا يهم إن كان تنفيذها قد تم بعد مرور عامين. لكن أحدهم نبههم إلى غياب أرملة الرجل الذي وضع اسمه على بناية المركب الثقافي، وإلى حرمان أبنائه وأهله من هذه اللحظة، رغم أن موقع الحفل لا يبعد عن منزل عائلة الراحل إلا بأمتار. فضرب الفاتحون كفا بكف، قبل أن يضرب المقص شريط الافتتاح.

الآن يمكن أن نفهم لماذا أريد للفكر أن يتعايش مع أسطول النظافة، حين بني صرح ثقافي بجانب «محجز» بلدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى