شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

جلباب في لشبونة

 

 

يونس جنوحي

 

عندما كان البرتغاليون يفكرون في احتلال المغرب، لم يدر بخلدهم أن الزمان سوف يصبح غير الزمان، وأن أحفاد الأحفاد سوف يتحالفون مع المغاربة لتنظيم نسخة فريدة من منافسات كأس العالم لكرة القدم سنة 2030.

بل إن البرتغاليين، لم يكونوا في سنة 1779 يتوقعون أن تبقى الكرة الأرضية صامدة في الفضاء إلى حدود سنة 2000. فأسطورة نهاية العالم كانت رائجة بقوة منذ ذلك التاريخ. لم تأت نهاية العالم، لكن نهاية كأس العالم تكررت كل أربع سنوات منذ قرن من الزمن.

الحرب، كانت العنوان الأبرز للعلاقات البرتغالية المغربية لقرون، تخللتها فترات صداقة غاية في الصفاء. ومن بين فترات الصداقة بين البلدين، تلك التي توطدت في عهد محمد بن عبد الله، أو محمد الثالث، وبين الملكة مارية.

وعندما أراد هذا السلطان العلوي تقوية الصداقة مع البرتغاليين، لم يرسل إليهم سياسيا خبيرا بوظائف دار «المخزن»، أو فقيها تخرج من القرويين، وإنما أرسل إليهم تاجرا مغربيا اسمه الطيب بوهلال وأرسل معه رسائل خاصة إلى الملكة مارية. وهذه الرسائل لا يزال البرتغاليون يحتفظون بها في وثائق الأرشيف الرسمي في مكتبتهم الوطنية.

في ذلك الزمن لم يكن هناك «باوربوانت» ولا جهاز عرض ضوئي. الرسائل كانت تحتوي على أفكار إنشاء «دار تجارية» ينخرط فيها تجار من البلدين معا.

عاد بوهلال أدراجه من لشبونة سريعا، بعد أن وضع الأفكار بين يدي الملكة مارية. وبدا أن مستشاريها قد نبهوها إلى أن هذا السفير، يعرف كيف يجمع المال ببراعة أكثر مما يحرص على تقوية العلاقات الدبلوماسية بين بلاده ولشبونة.

وبوهلال كان مشغولا هو الآخر، ولم يُظهر للبرتغاليين أي اهتمام ببلادهم. وضع الرسائل بين يدي الملكة مارية، وانسحب عائدا إلى المغرب!

لذلك أرسل القصر مبعوثا آخر بعد سنة على عودة بوهلال، واسمه الحاج محمد عناية. وصل في شهر أكتوبر سنة 1780. وكان محظوظا، لأن البرد لم يلق بصقيعه على الأجواء، وإلا لتجمد الحاج في جلبابه الأبيض الذي أبهر به الملكة مارية ومستشاريها ومُترجمها البرتغالي الذي كان يتحدث العربية بطلاقة.

الحاج كان دبلوماسيا أكثر من بوهلال. وبدل أن يضع الرسائل بين يديها، اصطحب معه مستشارين مغاربة، هما الحاج محمد التيال والحاج عبد الرحمن بريطل. ولم يوضح الحاج السبب من الزيارة، إذ إن البرتغاليين لم يكونوا متأكدين ما إن كان الوفد قد حل في لشبونة، للبحث عن مشاريع تجارية لصالح المغرب، أم أنهم يريدون فقط التعرف على محيط الملكة مارية ومستشاريها الذين يصنعون شمس وضباب العلاقات مع المغرب.

بوهلال الذي كان يفكر في ما يمكن أن يُنمي به ثروته وما يمكن أن يشتريه من لشبونة، ليعيد بيعه في أسواق فاس، لم يكن يملك الوقت ليدون مشاهداته، وسقط سهوا من التاريخ. بينما سفراء آخرون كانوا يُدركون قوة الكلمة، فقد اصطحبوا معهم كُتابهم، وحرصوا على أن يرفعوا إلى السلطان رسائل مفصلة ليوميات رحلتهم منذ اللحظة التي تحركت بهم السفينة من المياه المغربية في اتجاه شط البرتغال، إلى آخر لحظة من لحظات الرحلة. والنتيجة أنهم دخلوا التاريخ بفضل الكُتاب الذين رافقوهم وسجلوا يومياتهم وملاحظاتهم، ولم يفتهم أن يُظهروا الانبهار بالمعمار وتنظيم المدن.

تغيرت الأمور كثيرا الآن. الفقهاء مشغولون مع مقترحات المدونة الجديدة، ولم يعد جامع القرويين يُخرج الدبلوماسيين، وتكلفت شعبة العلاقات الدولية ووزارة الخارجية بتكوين الأطر التي تفوق في أناقتها البرتغاليين، وتعرف عن البرتغال وتاريخ أوروبا أكثر مما يعرفه بعض المسؤولين الأجانب عن بلدانهم. لكن الحاج محمد عناية، بجلبابه الأبيض، نجح فعلا في نقل العلاقات المغربية البرتغالية إلى مستوى غير مسبوق من الصداقة. لأنه بدل أن يطلب من الملكة مارية إبرام صفقات مع المغرب، ترك لديها حُزمة من الانطباعات، والتقى التجار البرتغاليين الذين لم يكن باب الملكة مفتوحا أمامهم، وجعلهم يتكلفون بالباقي!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى