جزائري متيم بالغيوان حاول استقطاب فنانين مغاربة فمات في كمين
حسن البصري
مرت على وفاة المسرحي محمد بودية سنوات عديدة دون أن تحقق مطالب المغاربة والجزائريين والتونسيين بإطلاق اسمه على معلمة من المعالم الثقافية في هذه البلدان، علما أن قرار تسمية مركب ثقافي صدر عن ولاية جزائرية دون أن يوضع اسمه على المرفق الفني لأسباب مجهولة.
تخفي ذاكرة المغرب العربي في طياتها سير كثيرين من العرب الذين استشهدوا خلال دفاعهم عن فلسطين، بل إن المغرب كان مسرحا للقاءات عديدة بين شباب من دول المغرب العربي سكنتهم رغبة الدفاع عن القضية الفلسطينية خاصة بعد نكبة 1967، من خلال الانخراط في لجان دعم المقاومة.
لمس الفنان المسرحي محمد بودية مدى رغبة المغاربة في الالتحاق بخلايا الدعم، فحل بمدينة بركان حيث التقى حسن الطيب الذي فرح للدعوة وتحمس لها، وقدر له أن يستشهد دفاعا عن القضية. كما ربط الاتصال بالشقيقتين المغربيتين نادية وغيثة برادلي، فأقنعهما بخوض التجربة النضالية قبل أن يتم الفلسطيني الرسالة وتنتهي القصة بالزواج من نادية.
لم يقتصر بودية على نشر دعوة القتال في صفوف الشباب الطلبة، بل عمد إلى تطوير وعي كل من الراحلين بوجميع أحكور والعربي باطما بالقضية الفلسطينية بعد مكوثهما معه عدة أشهر في باريس، وكانا على وشك الالتحاق بقواعد الثورة للمشاركة في الكفاح المسلح، كما يحكي ذلك الراحل باطما في حوار مع الدكتور بدر المقري. حتى إن مجموعة ناس الغيوان أَهدت بودية بعد رحيله مجموعة من الأسطوانات تحت عنوان «فلسطينيات».
يعترف الفنان المغربي محمد مفتاح بتلقيه عرضا من منظمة التحرير الفلسطينية للانضمام إلى خلاياها، جاء العرض خلال رحلة فنية إلى فرنسا في بداية السبعينات، حيث عرض عليه أحد أعضاء خلية منظمة فتح الفلسطينية مبلغا ماليا مهما لوضع قنبلة في باخرة كانت ترسو حينها في ميناء مارسيليا، وهي العملية التي خطط لها كي تتم تحت جنح الظلام من طرف فنان لا يلفت نظر السلطات الأمنية في الميناء.
ولأن الباخرة كانت ترسو على بعد أمتار من الرصيف، ونظرا لدراية مفتاح بالسباحة، فقد تقرر أن يتوجه إليها سباحة، وعلى ظهره القنبلة الموضوعة في كيس آمن، إلا أنه تراجع في آخر لحظة على الرغم من خطاب التضحية من أجل القضية الفلسطينية الذي لم يدغدغ مشاعره، لم يشر مفتاح لصاحب العرض لكن الأمر يتعلق بزميله الفنان المسرحي بودية.
كان محمد بودية صديقا للطلاب المغاربة الجامعيين في باريس، وكان يشغل مهمة مدير مسرح غرب باريس، وفي لقاءاته بالشباب المغاربي يحرص على استقطاب أكبر عدد لدعم الكفاح الفلسطيني، قبل أن تفطن إلى تحركاته المخابرات الإسرائيلية فتنصب له كمينا في العاصمة الفرنسية انتهى باغتياله سنة 1973 إثر تفجير سيارته، ودفن في الجزائر.
رغم أنه من مواليد الجزائر العاصمة سنة 1932، إلا أن بودية عاش متجولا بين مسقط رأسه والمغرب وتونس ثم باريس، ويعتبر «أبو ضياء»، وهذا لقبه الحركي، العقل المدبر لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينات، كما ذكرت تقارير المخابرات الفرنسية والبريطانية والسي آي أيه والموساد. ومع ذلك، لم يثبت ضده أي دليل يدينه، وكانت المخابرات الفرنسية حائرة بشدة في أمره حيث كان يبدو مشغولا ببروفات مسرحية برفقة ممثلين، لكنه كان رجلا آخر في الليل.
عمل في فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني، وفي سنة 1963 أصبح مديرا للمسرح الوطني وهو أول مسرح في الجزائر بعد الاستقلال، كما أسس جريدة «نوفمبر» و«الجزائر هذا المساء». لكنه اشتهر أكثر بتجنيده للشباب من أوربا بالتحديد.
كشف العربي باطما في إحدى خرجاته الإعلامية عن القيمة الفنية والنضالية لمحمد بودية فقال: «هو قيمة مضافة إليه ورفيقه بوجميع. لقد كان مدير مسرح بباريس، جزائري الجنسية لكنه أحبنا بشكل جنوني، وخصوصا عندما كنا نغني له أغانينا الثورية. سألته يوما عندما زار المغرب، عن الوضع السياسي، فقال لي: المغرب بلد جميل، ولكنه يحتاج إلى الدم. كان غيوانيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى».