عمر المعاش باحث في العلوم القانونية
يعيش العالم اليوم في ظل رهاب فيروس قاتل وهو فيروس كورونا، ونظرا لخطورة هذا الوباء عملت كل الدول على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية لمحاصرته والتقليل من عدد الإصابات به. وتعتبر التشريعات الجنائية صمام أمان وملاك حارس للحقوق والحريات، والتي على رأسها الحق في الحياة، وأي مساس بهذا الحق يستدعي الضرب بيد من حديد على المعتدي.
رأينا وسمعنا بأشخاص مصابين بفيروس كورونا يمتنعون عن البقاء في بيوتهم أو الذهاب إلى المستشفى والالتزام بالحجر الصحي، وآخرين يمتنعون عن التبليغ للسلطات، وشاهدنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أشخاصا ينفثون الهواء على بعض السلع المعروضة للعموم، وآخرين يضعون لعابهم على مصاعد المساكن الجماعية، وأعمدة الحافلات العمومية…
فما هو السند القانوني للمسؤولية الجنائية لناقل عدوى هذا الفيروس؟ أليس من حق المعتدى عليه أن يطالب بتطبيق القانون على الشخص الذي ألحق به الضرر؟ هل من الضروري التوفر على نص واضح يجرم ويعاقب على هذا الفعل؟
يمكن أن يكون نقل عدوى فيروس كورونا محاولة لارتكاب جناية حالة وضع شخص لعابه على أداة مملوكة لجاره مثلا، وقام هذا الأخير بتعقيم يده مباشرة، ويمكن أن نعده جريمة مستقلة بذاتها باعتبارها اعتداء على حق الإنسان في الحياة، لكن هناك مبدأ كوني يحكم المادة الجنائية وهو مبدأ الشرعية الجنائية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، فهل يمنع هذا المبدأ من البحث عن سند قانوني أو بالأحرى النقاش فقط؟
يمكن أن يكون فعل نقل عدوى فيروس كورونا جريمة قتل، حسب مقتضيات الفصل 392 من مجموعة القانون الجنائي، الذي ينص على أنه «كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا، ويعاقب بالسجن المؤبد…»، والعناصر التكوينية لهذه الجريمة هي :
فعل مادي يتمثل في القيام بعمل من شأنه أن يؤدي إلى الموت، فيكفي أن يقوم الفاعل بعمل ينتج عنه الموت بأي طريقة كانت.
أن الضحية إنسان.
وجود النية الإجرامية، مع ذكر الإحصائيات التي تخص فيروس كورونا، أي عدد الإصابات به، عدد حالات الوفيات، عدد حالات الشفاء… فإذا تحدثنا بلغة الأرقام يمكن أن يتقهقر أو ينتفي القصد الجنائي، على اعتبار أن نسبة الوفيات قد لا تتجاوز 2 في المائة .
ومن خلال الأركان أعلاه، يتضح أن جريمة القتل تختلف عن نقل عدوى فيروس كورونا، لأن هذا الأخير يتطلب مدة زمنية قد تقصر أو تطول لتسبب وفاة المجني عليه، في حين أن جريمة القتل العمد من جرائم النتيجة التي تتطلب إزهاق روح المجني عليه، وبذلك لا يمكن تصور انطباق شروط جريمة القتل العمد على جريمة نقل عدوى فيروس كورونا كما يقول البعض. والبعض الآخر يتساءل عن إمكانية تكييف النيابة العامة ضمن صلاحياتها، ووفق مبدأ الملاءمة هذا جريمة قتل عمد مع وجود المشتكي، ويمكن توقع تكييف آخر وتبقى هذه محاولة أولى أو فرضية أولى.
كما يمكن أن يكون نقل عدوى فيروس كورونا من جرائم القتل الخطأ، عند توفر عناصر ذلك، استنادا إلى نص الفصل 432 من القانون الجنائي، الذي وضع عقوبات لكل من ارتكب بعدم تبصره، أو عدم مراعاته النظم والقوانين قتلا غير عمدي أو تسبب فيه من غير قصد، وهذا التكييف هو الآخر يشبه جريمة القتل العمد من حيث النتيجة التي هي فقدان حياة بشرية، وكذلك وعلى حد قول بعض الممارسين يمكن أن تكيف النيابة العامة هذا قتلا غير عمدي، وتبقى فرضية أو محاولة ثانية لوجود تكييف قانوني لترتيب المسؤولية الجنائية لعدم وجود نص واضح.
إلى جانب محاولة تكييف نقل عدوى فيروس كورونا قتلا عمديا أو قتلا خطأ، يمكن أن يكون أحيانا جريمة تسميم عند توافر عناصر هذا الفعل الجرمي.
ينص الفصل 398 من مجموعة القانون الجنائي على أنه «من اعتدى على حياة شخص بواسطة مواد من شأنها أن تسبب الموت عاجلا أو آجلا، أيا كانت الطريقة التي استعملت أو أعطيت بها تلك المواد، وأيا كانت النتيجة، يعد مرتكبا لجريمة التسميم ويعاقب بالإعدام».
مثلا قيام شخص مصاب بالفيروس بنقله إلى الآخر عبر استعمال كمامات، أو وضع لعابه عليها وإعادة توزيعها بنية الإضرار بالغير، وإذا رجعنا إلى عناصر جريمة التسميم التي هي:
– الفعل المادي: الذي قوامه استعمال أو إعطاء مادة سامة بطريقة من شأنها أن تنفذ السم إلى جسمه، بحيث يحدث الموت عاجلا أو آجلا.
– القصد الجنائي:
ويتحقق هذا العنصر بعلم الجاني بأن المادة التي يستعملها أو يعطيها للضحية من شأنها قتله آجلا أم عاجلا، كما يجب أن تتحقق إرادة الفاعل إلى ذلك والنتيجة معا.
لكن ليس الكل متفق على أن الفيروس مادة سامة.
ولم لا يكيف فعل نقل عدوى فيروس كورونا جريمة إرهابية، إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف (الفصل 218 من القانون الجنائي)، حالة دخول أجانب مثلا إلى تراب المملكة ونشر الفيروس بوسائل معينة مع وجود النية الإجرامية.
كلها محاولات لتكييف فعل نقل عدوى كورونا، مع عدم وجود نص واضح يجرم ويعاقب عليه.
وفي الأخير نقول إن القانون الجنائي المغربي لا يذكر أي جريمة من هذا النوع، وكما يقول البعض هذا لا يمنع من النقاش رغم المبدأ الكوني الذي يحكم المادة الجنائية الذي هو مبدأ الشرعية الجنائية، لأن دور التشريعات الجنائية هو حماية القيم الجوهرية للمجتمع والمصالح الأساسية للأفراد.