شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

جريمة بيئية

بكل برودة دم كشف نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أول أمس الاثنين، بقبة البرلمان أن المغرب ضيع ما يقارب 2,8 مليار متر مكعب من المياه بين سنتي 2019 و2022. مثل هاته الجريمة البيئية لو وقعت في دول أخرى تعاني من ندرة المياه، لتسببت في محاكمات واستقالات لمسؤولين، لكن عندنا هي مجرد سلاح لتصفية حسابات سياسية بالبرلمان وموضوع للتباكي على الأطلال والاختباء وراء الماضي لإخفاء العجز في تدبير الحاضر.

لكن في قلب حماسة السيد بركة لم يفصح للبرلمان عن الجهة المسؤولة عن ضياع حجم ما يقارب سنتين من استهلاك كل المغاربة، ولم يقدم لنا أي شكل من أشكال المحاسبة التي تم اتخاذها في وجه من تسبب في هذا الهدر المائي الخطير. والغريب في الأمر أن الهدر الذي يشتكي منه الأمين العام لحزب الاستقلال تزامن مع سنة من وجوده على رأس القطاع المائي.

متى نستوعب أن هدر المياه بهذا الحجم جريمة إن لم نقل إنه مس بالأمن المائي للمغاربة، والمريب في الأمر أن الدولة بكل أجهزتها تقف منذ سنوات صامتة أمام هذا المشهد المخزي، لكنها بالتأكيد ليست عاجزة، إذ لا يحتاج الأمر إلى لجان برلمانية، ولا إلى تقص للحقائق أو تقارير للمجلس الأعلى للحسابات، كل ما في الأمر هو صدور قرار شجاع سيتذكره المغاربة كثيراً، يحاسب من عبث بالمياه ويجرّم من لازال يعبث بها، الأمر الذي يمكن تطبيقه ومراقبة الالتزام به عبر شرطة المياه والضابطة القضائية.

إن القضاء على ظاهرة هدر المياه وسوء استخدامها يتطلب استراتيجية شاملة وتعاوناً من كل الأفراد والمؤسسات، لكن هاته الاستراتيجية لا ينبغي أن تقف عند الاكتفاء بإطلاق حملات توعية لترشيد استهلاك المياه فقط، أو توظيف سوء التدبير في تصفية حسابات سياسية، بل ينبغي تطوير تلك الاستراتيجية لتتحول إلى سلاح للمساءلة والمحاسبة عن هدر أي قطرة من الماء لكونه ثروة يجب الحفاظ عليها. وما لم نسمع عن إعفاءات واعتقالات واستقالات بسبب سوء التدبير، فإن هاته الثروة الوطنية ستتعرض دائما للهدر دون أي رادع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى