شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةسري للغايةسياسية

جريدة عبود المزعجة وهكذا أرسل الجنرالات من يُغلقها

يونس جنوحي

تحدث هشام عبود في هذه المذكرات عن موقف تشنج بينه وبين محمد جباري. إذ إن عبود عندما أسس واحدة من الصحف التي مارس من خلالها العمل الصحافي بعد مغادرته مؤسسة الجيش مع اقتراب نهاية تسعينيات القرن الماضي، فوجئ بمحمد جباري، الرجل النافذ جدا في النظام، يلومه على عدم اتصاله به قبل تأسيس الجريدة لكي يساعده في الإجراءات الإدارية. يقول هشام عبود إنه رد عليه بما يلي: «لقد فضلت أن أتركك بعيدا وأن أعتمد على أناس بسطاء وعاديين. هكذا لن يقول أحد عني إنني استفدت من مساعدة الدولة أو ممثليها».

 

زيارة مكتبية

يقول هشام عبود إن محمد جباري لم يتركه في سلام، ودعاه إلى زيارته في مكتبه. يواصل حديثه عن جباري: «لاحقا، دعاني إلى زيارته في مكتبه، ودخل في الموضوع بدون مقدمات.

-هل تدري، يا هشام، جريدتك مزعجة جدا.  أنت لا تعرف كيف تكون دبلوماسيا في كتاباتك. أنت ابن «شاوية» حقيقي. تعبر مباشرة دون أن تجري الحسابات أولا.

-لا أحد يعطيني الدروس. وحدهم الصحافيون الذين يشتغلون معي لديهم الحق في التعليق على خطنا التحريري أو اقتراح توجيه آخر غير الذي نتبعه.

-لكن أنت تعرف أنني مسؤول هنا. لقد أعطوني أوامر من الأعلى لكي أغلق مقر الجريدة وأنا مجبر على تنفيذ الأمر.

طلبتُ منه أن يُريني الأمر مكتوبا وأن يوقعه.

-لقد اتصلت بي جهات عليا. لا أستطيع أن أخبرك المزيد».

يقول هشام عبود إنه رد على محمد جباري، صديق الأمس الذي اشتغل معه في تجارب مكتبية، بعضها كان قريبا نوعا ما من العمل الصحافي، محاولا إنهاء محاورتهما العقيمة قائلا: «هذه أعمال على طريقة المافيا. أليس كذلك؟

محمد. أنت مجرد دمية بين يدي المافيا وسوف تسقط في الفخ الذي أعدوه لك. إنهم لا يقدرون على مهاجمتي بشكل مباشر. إنهم يستعملونك كدرع وأنت قبلتَ بهذا الدور.

نهض من مكانه وخاطبني مُبديا ابتسامة صفراء:

-هشام، لا تتحدث بهذه اللغة أمامي. أنا أمثّل الدولة.

وجهتُ له عددا من الإهانات إذن، لكي أغضبه وأشنف أذنيه. ودون أن يفقد برودة دمه، اقترب مني وطرق بأصبعه فوق جيب بذلتي لكي يتأكد أنني لا أحمل جهاز تسجيل.

بمجرد ما تأكد، أخذ مكانه بجانبي وهمس لي:

-ليذهبوا إلى الجحيم. أعلم، إنهم فاسدون وأنذال. لكن يا هشام توقف عن العناد. ماذا سوف تربح؟ غدا سوف يغلقون جريدتك. كيف سوف تدخل مرة أخرى إلى أم البواغي وأي نظرة سوف يرمقك بها أبناء عمك؟ سوف تخسر كل شيء. لهذا السبب أنتم أبناء «الشاوية» لا تنجحون أبدا في مشاريعكم ومقاولاتكم. أنتم يابسون، لا تعرفون كيفية الانحناء مثل القصب».

 

«المستقبل»

اتهم جباري، هشام عبود، بأنه لا يفكر في المستقبل، لكن الأيام كشفت، في الحقيقة، أن محمد جباري هو الذي لم يكن يفكر في المستقبل. فلو علم ربما أن الحراك الجزائري سوف يعصف بالأسماء القديمة، ولو لفترة انتقالية قبل انتخاب عبد المجيد تبون الذي سمح لأباطرة الجيش بالعودة إلى السلطة بعد تهدئة الشارع الجزائري ضد «مافيا الجنرالات»، لربما فكر بدوره في مستقبله الخاص، بدل عيش الحاضر الذي رسمه له المسؤولون في الجيش، والذين أمروه أن يتحدث مع هشام عبود وتهديده بإغلاق الجريدة في حال لم يخفف من حدة المقالات التي كان ينتقد فيها الجنرالات جميعا ويفضح للجزائريين نهبهم للثروات الوطنية وضخها في حساباتهم البنكية.

والنتيجة أن محمد جباري كان من الأسماء التي عصف بها الجنرالات ونفذوا بها مهامهم «القذرة». بينما بقي هشام عبود في نظر ملايين الجزائريين بطلا اضطر إلى مغادرة الجزائر لينجو بحياته من محاولات الاغتيال. وبعد الحراك، برز اسم هشام عبود بقوة كإحدى الكفاءات التي رغب الجزائريون في رؤيتها داخل الجزائر من جديد وليس في باريس. يقول هشام عبود إن محمد جباري، صديق الأمس والمسؤول الجزائري، أنهى الحديث معه قائلا: «محمد أنت تعيش حاضرك ولا تفكر أبدا في المستقبل. لاحقا سوف يطأطئ ابنك رأسه أمامي ولن يكون أبدا فخورا بك».

الواضح أن العكس هو الذي وقع. فلا أحد اليوم في الجزائر فخور بأسماء المسؤولين القدامى، بمن في ذلك أبناؤهم الذين استفادوا مباشرة من الأموال التي راكمها أمثال محمد جباري من خلال المهام التي أوكلت إليه من طرف هؤلاء الجنرالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى