شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

جرس الإنذار   

أثار قرار اتخذه مجلس مقاطعة المرينيين بجماعة فاس بحذف اسم يوسف بن تاشفين من شارع كبير بالمقاطعة، وإعادة تسميته باسم أب رئيس المقاطعة المنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا القرار يكشف حقيقة النخب التي أفرزتها الانتخابات الجماعية الأخيرة لتسيير الشأن العام المحلي، ولعل الملفات المعروضة على المحاكم الإدارية ومحاكم جرائم الأموال خير دليل على ذلك.

فبعد تشكيل المجالس الجماعية المنبثقة من انتخابات 8  شتنبر 2021، التي كان يراهن عليها المغاربة لتشكل محطة فاصلة لإفراز نخب سياسية جديدة قادرة على قيادة قطار التنمية وفق توجهات النموذج التنموي الجديد، العكس هو الذي حصل، أفرزت هذه الانتخابات الكائنات الانتخابية نفسها التي تحترف العمل السياسي لتحقيق مصالحها الضيقة والحصول على الامتيازات و«الريع»، ولا تهمها مصالح المواطن.

وتتلخص أهم الملاحظات المسجلة من طرف لجان الافتحاص على مستوى التدبير الإداري، ربط رئيس مجلس الجماعة أو بعض أعضاء المجلس لمصالح خاصة مع الجماعة، وتوقيع مدير المصالح على وثائق ذات صبغة مالية دون التوفر على تفويض، وعدم اتخاذ أي إجراء بخصوص الغياب المتكرر لبعض الأعضاء عن دورات المجلس. أما على مستوى تدبير المداخيل، فسجلت لجان البحث إعفاء غير قانوني لملزمين من أداء الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، وعدم اتخاذ التدابير اللازمة لاستخلاص الرسوم المحلية، وعدم استخلاص واجبات كراء المحلات التجارية والسكنية التابعة للجماعة، دون الحديث عن الاختلالات الخطيرة التي يعرفها قطاع التعمير.

وعلى مستوى تدبير المصاريف، سجلت تقارير المفتشية وجود اختلالات في تدبير الصفقات العمومية وسندات الطلب، وعدم استرداد المبالغ المترتبة على الفارق المسجل في برنامج الاستثمار غير المنجز من طرف الشركة المفوض لها تدبير قطاع النظافة.

ولذلك، سارع وزير الداخلية إلى توجيه دورية للولاة والعمال حول تنازع المصالح، وحثهم على تفعيل مسطرة العزل في حق المنتخبين ورؤساء الجماعات الذين يربطون مصالح خاصة مع الجماعات التي هم أعضاء فيها، وهنا ثارت ثائرة المئات من المنتخبين الذين وجدوا أنفسهم إمام خيارين لا ثالث لهما، إما التضحية بهذه المصالح أو فقدان عضويتهم بالمجالس الجماعية.

وتحولت جل الجماعات الترابية، إلا من رحم ربك، إلى مرتع لتفشي الفساد والريع واختلاس وتبذير المال العام، كما جعل رؤساء من بعض الجماعات «بقرة حلوبا» للاغتناء الفاحش، والدليل على ذلك ملفات رؤساء الجماعات الترابية من مختلف الأحزاب السياسية، التي تفجرت أخيرا، والمعروضة على غرف جرائم الأموال بمختلف المحاكم، أو الواردة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، والتي تؤكد أن الفساد يضرب أطنابه داخل المجالس المنتخبة، وأصبح السباق نحو رئاسة المجالس الجماعية بمثابة ورقة رابحة من أجل الاغتناء السريع على حساب المال العام، وهناك العديد من رؤساء الجماعات، الذين أصبحوا بين عشية وضحاها من كبار الأثرياء بعد قضائهم فترة وجيزة على رأس الجماعات الترابية، ويصرفون أموالا باهظة في حملاتهم الانتخابية للحفاظ على مناصبهم.

ما يقع بمجالس المدن هو بمثابة جرس إنذار يستدعي التدخل العاجل من طرف مصالح الدولة لوقف النزيف، كما يستدعي مراجعة القوانين الانتخابية لسد الطريق أمام المنتخبين الفاسدين و«سراق» المال العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى