يعد مرض السكري من النوع الثاني مرضا متكررا بشكل متزايد، ويكون التعامل معه معقدا. يتضمن هذا المرض بشكل أساسي تقليل إفراز الأنسولين الذي لا يزال من الصعب تحسينه. هذا هو السبب في أن إيجاد علاجات جديدة لتحسين توازن مرض السكري على المدى الطويل وخاصة إفراز الأنسولين هو هدف مهم في هذا المجال. فقد مرت عدة سنوات منذ أن ثبت أن نوعا من جراحة السمنة كعلاج فعال للسمنة الشديدة يسمى “تحويل مسار المعدة” يمكن أن يحسن أو حتى ينهي مرض السكري من النوع الثاني.
تتيح هذه التقنية تقليل كمية الطعام المتناولة وامتصاصها من قبل الجسم، وذلك بفضل قصر الدائرة في جزء من المعدة والأمعاء. بهذه الطريقة، يذهب الطعام مباشرة إلى الجزء الأوسط من الأمعاء الدقيقة ويتم امتصاصه بكميات أقل. إذا كانت الدراسات قد أظهرت بالفعل آثارا محددة لهذا التدخل الجراحي على إفراز الأنسولين بشكل مستقل عن فقدان الوزن، والآثار التي لا توجد بطريقة أخرى في التقنيات دون تغيير تشريحي في الأمعاء، فإن الآلية الأساسية غير مفهومة جيدا.
من المعروف أن فقدان الوزن يرتبط بتحكم أفضل في نسبة السكر في الدم في داء السكري من النوع الثاني. ولكن بشكل مفاجئ، لماذا يرى الأشخاص المصابون بالسمنة ومرض السكري والذين أجروا جراحة أن نسبة السكر في الدم تتحسن قبل فترة طويلة من فعالية فقدان الوزن. هذا هو السؤال الذي أراد باحثون الإجابة عليه، والذين أرادوا أن يعرفوا بدقة أكبر سبب تأثير هذه الجراحة على مستويات السكر في الدم بغض النظر عن فقدان الوزن. اتخذ الفريق العلمي كنقطة انطلاق هرمونا معينا يسمى “GLP-1” يشارك في التحكم في مستويات السكر في الدم، وبالتالي يتم إفراز هذا الهرمون بعد كل وجبة.
هذا الهرمون يحفز بعد ذلك إفراز الأنسولين ويقلل من خطر حدوث ذروة ارتفاع السكر في الدم عن طريق إبطاء مرور الطعام عبر الأمعاء، وبالتالي معدل امتصاص العناصر الغذائية بما في ذلك الجلوكوز، وحدد ذلك الباحثون الذين نشرت دراستهم في “Nature Communications”. لكن اتضح أنه في المرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة والذين خضعوا لعمليات جراحية، يوجد هذا الهرمون بكميات عالية بشكل غير طبيعي في الدم. لذلك قرروا دراسة إفرازه في مواقف مختلفة، عند الحيوانات والبشر، نظرا لأن جراحة إنقاص الوزن تتضمن إزالة جزء من المعدة، فقد اشتبه الباحثون في حدوث تغييرات في مستواها.
اعتقد الباحثون سابقا أن إفراز هرمون “GLP-1” يحدث بشكل رئيسي في القولون والجزء النهائي من الأمعاء الدقيقة التي تسبق الأمعاء الغليظة، ووجد الفريق أن الخلايا التي تنتج الهرمون كانت موجودة بشكل طبيعي في المعدة. ومن الفئران النحيلة، يفرز الهرمون بكميات صغيرة. إذا أصيبت هذه الفئران بالسمنة، تفقد الخلايا المعنية حساسيتها للجلوكوز ويتوقف إنتاج GLP-1 ولكن عندما يتم إزالة جزء من المعدة ، تبدأ هذه الخلايا في التكاثر وتصبح حساسة للجلوكوز مرة أخرى، مما يؤدي إلى زيادة مستوى “GLP-1” المتداول، القادر على العمل على مستوى المعدة.
قد يبدو الأمر متناقضا بحيث يتم استئصال جزء من المعدة، ومن الغريب أن الخلايا المنتجة لـ “GLP-1” تبدأ بالعمل مرة أخرى وتزداد كميتها. تقول مود لو غال، التي قادت الدراسة إن هناك في الواقع إعادة تشكيل لهذا العضو بعد الجراحة، وإعادة برمجة حقيقية لتكوينه الخلوي. وفي بعض الأحيان يزداد حجمه من جديد، والأهم من ذلك أنه يصبح غنيا بالخلايا الوظيفية المنتجة لـ “GLP-1″، القادرة على تحسين التحكم في نسبة السكر في الدم. وتم تأكيد هذه البيانات لاحقا في البشر، باستخدام عينات من أنسجة المعدة والأمعاء من المرضى في مستشفيات بيشات ولويس مورييه.
ستكون الخطوة التالية للفريق العلمي هي اكتشاف الرابط البيولوجي بين إعادة تشكيل المعدة والجراحة. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد أن هذا الاكتشاف لا يستبعد وجود ما يسمى بآليات “سكر الدم” التي تحدثها الجراحة.